أيــام الأيــام..أعذرني أيها الأخ اليماني

> علي هيثم الغريب:

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
في مقالة الأخ جمال اليماني «موضة اللجوء السياسي» التي نشرتها صحيفة «الأيام» الغراء (13 نوفمبر 2005م)، تطرق إلى «المسؤولين الجنوبيين» الذين يطلبون اللجوء السياسي في الدول الكبرى، وأود أن أفصح عن رأيي بهذا الصدد حيث إن الشرط الأساسي للكلمة ووصولها إلى الرأي العام هو وضوحها التام ومصداقيتها التي تنفي الحاجة إلى التفسير، بل وتجعل الملاحق التي تفسرها لا داعي لها. ولعل أخطر الظواهر التي يشهدها المجتمع اليمني في هذه الآونة والتي تصب في وجدانه المرارة والحسرة والازدراء على السواء هي ظاهرة إخفاء المتهمين بالقتل أو تهريبهم إلى خارج الحدود، وهروب المستثمرين، وهروب بعض من يطلق عليهم رجال الأعمال بعد أن يغترفوا من الأموال العامة والخاصة ما شاء لهم الاغتراف.. يودعونها البنوك الأجنبية تحسباً لساعة الغروب ليضمنوا لأنفسهم رغد العيش. ثم تأتي ظاهرة هروب الشباب من أبناء محافظات الجنوب حين توافد على وظائفهم وأملاكهم حفنة من الفاسدين، وقد أفردنا لها كتاب «بنوك وفاسدون» .. صفحات مجللة بالسواد.. إن الفرق الفارق بين الهاربين كبير.. فهروب أغنياء أجهزة الدولة يشكل خطورة أكبر من خطورة هروب فرد لا حول له ولا قوة.. أو هروب الشباب الذين أحسوا أنهم يعيشون غرباء في وطن 22 مايو.

إن الدارس لهذه الظاهرة المؤسفة والموجعة للقلب يتعين عليه أن يقف وأن يعلم ويعرف أن النفس البشرية مهما ابتليت بالتجاهل والإبعاد من الوظيفة والعمل، فإنه ليس من السهل على أي يمني الهروب والاغتراب وأن يهجر وطنه وأهله وذويه وصاحبته وبنيه، أياً كانت الأرض التي يتخذها ملاذاً يأوي اليه.. وهذا الهارب لا لوم عليه لكن أولئك الفاسدين الذين جمعوا الملايين من قوت البسطاء فإنهم يعيشون في الوطن متجردين من دفء الوحدة وملطخين بعار الفساد، ينظر كل واحد منهم كلما مشى أو سار يمنة ويسرة ويعتصره الخوف والقلق مهما تضخمت أو تورمت حافظة نقوده، وتصدق عليه الآية الكريمة: {تبت يدا أبي لهب وتب. ما أغنى عنه ماله وما كسب. سيصلى ناراً ذات لهب} ذلك أن الذين يضاربون بعائدات ثروتنا الوطنية في الخارج، ويهربون جزءا من دخلنا الوطني يعيشون داخل الوطن أفضل من غيرهم بالمأكل والملبس والسكن فقط، ولكنهم حقيقة يسيرون بسياراتهم الفارهة على أرض غريبة وبين ناس غرباء، وهم والذين يتسولون على أبوابهم يعيشون في سجن رهيب، حتى لو لم يقيد القانون أيديهم بأصفاد من الحديد.

والسؤال الذي يطرح نفسه علينا جميعاً، ويتعين أن نعرضه بتجرد ومن دون حيف أو تحيف على الحقيقة أو ابتغاء الدفاع عن النفس: مسؤولية من؟! دعونا أيها الإخوة نفكر معاً ونتحاور بصوت مسموع لكي نعالج هذه الظاهرة (ظاهرة هروب الشباب بعد أن فقدوا كل شيء، وتهريب الأموال مع بقاء أصحابها داخل الوطن). وهنا فإنه من أولويات القانون وبديهاته ومسلماته أن يواكب الواقع ويتساوى الناس أمامه.. لا أن يفرق بين أفراد المجتمع.. والحقيقة أن الواقع يعيش في واد والتشريعات في واد آخر.. إنه لا مفر إلا بتطبيق القانون على الجميع، وعلى سبيل المثال لا الحصر: ماذا تنتظر من الأب الذي انجرح قلبه وظل ينزف دماً عندما يعلم أن قاتل ولده قد هرب بالفعل إلى خارج الوطن، ثم يذهب صباح يوم العيد ليزور جثة ولده الممدد في ثلاجة المستشفى.. يحنو بظهره المكدود كي يضع قبلة على جبين ولده البارد.. بينما المتنفذون يضحكون معتقدين أنهم خدعوا الأب والأم وخدعونا كلنا.. هذه المعاملة، هذه القساوة، ماذا كانت لنا؟ أليست هي التي صنعت تمرد كل أقوالنا وهروب الناس إلى المنفى القاسي؟

وهكذا فلا يفيد ملاحقة المواطن الحزين الذي رحل بعيداً عن وطنه بالشتائم والسباب. ولكن ابحثوا عن حلول عاجلة للمتعبين العائشين على أرض أصبحت بالنسبة لهم غريبة.. يهيمون طلباً للعدل وإحقاق الحق.. تداعب الآمال والوعود أوقاتهم الحزينة.. ويقفون على مفارق الدروب مثل عابري السبيل، لا إشارة ولا دليل. لقد توقفنا جميعاً يا إخواني لا نعرف ما الطريق؟ والمسؤول لا يكاد يدرك بأن أشياء كثيرة ستصحو يوماً ما وسيطبق القانون وستفتح ساحات المحاكم أمام المظلومين، ويتسع الوطن للجميع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى