حتى لاتضيع الفرصة التاريخية يجب (خلق) الاستثمار

> د. محمد حسين جلبوب:

>
د. محمد حسين جلبوب
د. محمد حسين جلبوب
مع الارتفاع العالمي في أسعار النفط، تظهر أمام اليمن فرصة تاريخية نادرة للانطلاق نحو رحاب التطور والازدهار، ويمكن أن يتحقق للشعب اليمني في المستقبل القريب حلم حضاري، كان على الدوام يستعجل الأيام لتحقيقه. ويمكن أن تصبح التجربة اليمنية نموذجاً حضارياً رائداً ومثالاً يحتذى به في المنطقة، خاصة وأن اليمن قد سبقت جيرانها باتخاذ الديمقراطية ونظام الانتخابات خياراً لا رجعة عنه لحل المشكلة السياسية، وحسمت خيارها الاقتصادي بالانحياز نحو اقتصاد السوق الحر، كما وفرت الإجراءات المتخذة في جانب الإصلاح الاقتصادي بيئة مستقرة نسبياً للاقتصاد الكلي.

والمشكلة التي تواجه اليمن اليوم تكمن في افتقارها إلى (المستثمر)، الذي يستطيع توظيف الموارد المالية المتاحة واستغلال الثروات الطبيعية المتوفرة وتشغيل القوى البشرية الرخيصة من أجل الحصول على عائد مجز على استثماراته وهذا ما سوف يضمن لليمن تنمية اقتصادية واجتماعية مستديمة.

لقد نفذت الحكومات اليمنية خلال العشر سنوات الماضية، جملة من الإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية، وأقر مجلس النواب قانوناً للاستثمار يحتوي على كثير من الضمانات والمزايا والتسهيلات، وكان الاعتقاد- ولازال - أن ذلك سوف يؤدي إلى جذب الاستثمار، إلا أن مسيرة الإصلاح الاقتصادي حتى الآن تظهر تعثراً واضحاً في مجال جذب الاستثمار. إن الاستمرار على هذا الحال قد يؤدي إلى خسارتنا للزمن. والفشل المتوقع في نهاية المطاف سوف تكون له عواقب وخيمة، تبدأ بتباطؤ وتيرة التنمية الاقتصادية، وتفاقم مشكلتي البطالة والفقر وتنتهي بزعزعة الاستقرار السياسي والاجتماعي (الهش) أصلاً في اليمن.

إن تدفق الاستثمارات الخارجية إلى اليمن ضعيف وغير مشجع، ولا يمكن الاعتماد عليها لقيادة التنمية، كما أننا لا نتوقع بوادر مشجعة في هذا الجانب في المستقبل المنظور _ على الأقل - وذلك للاسباب التالية

1- إن اليمن تقع ضمن نطاق إقليمي مضطرب سيظل لفترة ليست بالقصيرة في معمعة (حرب عالمية ضد الإرهاب)، وسيبقى الشرق الأوسط لفترة ليست بالقصيرة منطقة طاردة للاستثمار.

2- إن بلادنا مهما قدمت من مزايا وتسهيلات لجذب الاستثمارات لن تستطيع بأي حال من الأحوال منافسة مناطق، مثل الصين وجنوب شرق آسيا أو الهند أو روسيا ولا حتى السوق السعودية بسبب عوامل الجذب القوية لدى تلك الأسواق.

3- إن الإصلاح الاقتصادي وإن كان قد خلق وضعا مستقرا نسبياً في البيئة الكلية للاقتصاد اليمني، إلا أن إزاحة عوامل العرقلة الإدارية والاجتماعية والتاريخية سوف تتطلب جهداً أكبر، وفترة زمنية أطول.

4- إن الصورة التي ترسخت عن الواقع اليمني لدى المستثمر الأجنبي والعربي والخليجي تظهر اليمن وكأنها لاتزال تعيش في القرون الوسطى، وتغيير مثل تلك الصورة يتطلب وقتاً طويلاً وجهداً اكبر.

إن على الحكومة اليمنية أن تقتنع بأنه لا (الشركات الأجنبية) ولا (التجار الحضارم) ولا غيرهم سيفضلون الاستثمار في اليمن على الاستثمار في الصين أو الهند أو روسيا ، لا بل يجب أن نتوقع هجرة رأس المال الموجود في الداخل.

إن الزمن يجري بسرعة والمجتمع اليمني لا يمكنه الصبر حتى تنتهي الحرب العالمية ضد الإرهاب، وتضعف جاذبية الأسواق المنافسة، ويتم التخلص من عوامل العرقلة الداخلية المختلفة.

إن اليمن في خطر. ومصدر الأخطار هو البطالة والفقر. والحل هو تشجيع الاستثمار.. ولكن الاستثمار الخارجي لم يأت والاستثمار المحلي لا يكفي.. فما هو الحل؟

إننا على قناعة راسخة بأن انطلاقة اليمن نحو التطور والازدهار لن يقودها المستثمر الأجنبي، وأن الضرورة التاريخية تفرض علينا الاهتمام بالمستثمر المحلي والمهاجر وتشجيعهما، ثم تعزيزهما عن طريق (إنشاء الشركات بهدف بيعها). ونعتقد أن الحكومة هي القادرة على ذلك، لأن الدولة اليوم هي المالك الأكبر (والوحيد تقريبا) للثروة والمال، ولديها ما يكفي من الكوادر العلمية القادرة على تحقيق ذلك.

إن التجربة العالمية قد أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن (الدولة مستثمر جيد لكنها مالك مبذر)، وتدعم نجاح الدولة كمستثمر التجربة اليابانية والتجربة الإماراتية، والإسرائيلية، وبعض التجارب الأخرى، لذلك يمكن الاستفادة من نجاح الدولة كمستثمر وتجاوز تبذيرها كمالك، من خلال قيامها بإنشاء الشركات الاستثمارية، من أجل بيعها مباشرة، وعدم تملكها. وتطبيق هذه الفكرة في اليمن ينطلق من الحيثيات التالية:

1- القطاع الخاص مايزال ضعيفاً، وغير قادر على الاستفادة من إمكانات الكادر العلمي المتوفر في السوق. ويمكن للدولة عن طريق فكرة (إنشاء الشركات بهدف بيعها) أن تكون الجسر الذي يوصل بين الطرفين.

2- إن القطاع الخاص يجد صعوبات كبيرة في الحصول على مواقع لاستثماراته، وفي استخراج تراخيص مزاولة المهنة، وتصنيف درجة نشاطه، وغيرها. ويمكن للدولة حل مثل تلك الصعوبات عن طريق (إنشاء الشركات بهدف بيعها).

3- إن تجارب إنشاء شركات المساهمة، التي أقدمت عليها بعض الجهات، قد وجدت إقبالاً كبيراً غطى رأسمالها وأكثر، ومصنع أسمنت أولاد هائل، وشركة المنتجات البحرية، وغيرهما دليل على وجود أموال تبحث عن إطار لتنظيمها لتصبح منتجة.. و(إنشاء الشركات بهدف بيعها) يمكن أن يكون الإطار التنظيمي الذي يحول الأموال الفائضة إلى استثمارات منتجة.

4- إن هذه الوسيلة سوف تجذب رأس المال من الدول المجاورة، حيث أثبتت أعمال الاكتئاب في الأسهم تجاوز الطلب للعرض بعشرات الأضعاف (مثال شركة اتصالات السعودية). وهذا دليل على وجود رأسمال فائض ضخم يبحث عن تشغيل، يمكن أن يأتي إلى اليمن جزء منه إذا وجد أدوات مالية سهلة التداول جاهزة لاستيعابه.

إن تطبيق هذه الفكرة سوف يساعد على:

1- تسريع التنمية الاقتصادرية، وضمان عدالتها.

2- توسيع المشاركة الشعبية في الثروة، وتعزيز الوحدة الوطنية بوحدة المصالح الاقتصادية.

3- تأسيس شركات المساهمة على أسس علمية وقانونية صحيحة، بما يمهد الأرضية لإنشاء سوق ناجحة للأوراق المالية في اليمن.

4- إيجاد آلية كفؤة لتوظيف الموارد المالية للدولة.

5- الاستفادة من أرباح التأسيس والأصول المعنوية للشركات، التي سيتم إنشاؤها للحصول على مردود أعلى عند بيعها، بما يضمن إنشاء شركات أكبر، وأكثر في المستقبل.

أخيراً: إن إنشاء الشركات بهدف بيعها، باستخدام خبرات الدولة وامكاناتها، يمكن أن يؤدي إلى (خلق) الاستثمار، الذي سيضمن عدم ضياع الفرصة التاريخية، ويختصر طريق اليمن إلى التطور والازدهار.

أستاذ الاستثمار والتمويل المساعد - جامعة عدن

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى