البحرين..فنادقها «متروسة» تقريبا

> «الأيام» فاروق لقمان:

> عندما هبطت الطائرة القادمة من دبي إلى ارتفاع ألف متر فوق مملكة البحرين تبين لي أنني على وشك مشاهدة دولة تختلف عن تلك التي عرفتها قبل عام ونصف فقط لأكثر من سبب، فقد تحولت إلى عدة مدن مترامية ومترابطة بطرقات وجسور جعلتها أشبه بالمدن الأوروبية الشهيرة وأقرب إلى دبي الزاهرة التي أصبحت لؤلؤة الخليج، ودبي ليست دولة لأنها جزء من الإمارات العربية المتحدة ومرتبطة بطرق رائعة مع أبوظبي والشارقة لكن البحرين مملكة بحد ذاتها.

وكانت أولى زياراتي للبحرين متزامنة تقريباً مع استقلال الجنوب اليمني وخروج البريطانيين من عدن التي كانت بحق جوهرة التاج البريطاني في جنوب الجزيرة العربية لأنها كانت أكبر قاعدة عسكرية بريطانية شرق السويس حتى نهاية 1967م.

وشاهدت البحرين في بداية الثمانينات وهي تحبو ولكن بعزيمة وإصرار وتنمو تدريجياً نحو مدينة جميلة قليلة السكان نسبياً وجزيرة مستقلة ذات سيادة قبل وبعد بناء الجسر التاريخي بينها وبين المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، وهو الرابط الحيوي الذي بنته المملكة على حسابها وكلفها في بداية الثمانينات أكثر من ألف مليون دولار.

وكنت هناك بدعوة من جامعة الخليج الرائعة التي ذكرتني في بداياتها بكلية عدن، حيث درست حتى عام 1952م ومنها تخرج الألوف من أبناء اليمن بعد ذلك وتحولوا إلى جراحين ومحامين ومحاسبين ومهندسين أثاروا غيرة وغبطة وإعجاب كل شعوب الجزيرة العربية، وتفقدت الأقسام برفقة رئيسها الصديق الدكتور محمود محمد سفر الذي أصبح فيما بعد وزيراً للحج والأوقاف في المملكة العربية السعودية، وبينما تقدمت الجامعة وتدفقت رؤوس الأموال السعودية إلى البحرين كان الجنوب كما نعرف ومعه عدن يندفع بجنون عجيب نحو الهاوية التي أودت به سياسة الحكم الشمولي حيث ذهب الجنوب ضحية الحرب الباردة بين المعسكرين الكبيرين.

وبعد ذلك تكررت زياراتي للبحرين مع زيادة إعجابي بالتخطيط المحكم والاستثمار المحلي والأجنبي وعمليات بناء المدن الجديدة وتطوير التعليم والصحافة والخدمات الطبية ونظام المرور وصرامة الشرطة في المحافظة على حكم القانون.

صحيح أنها كانت ولا تزال بلداً صغيراً كما هي سنغافورة وهونج كونج ودبي وعدد سكانها لا يتجاوز سبعمائة ألف ربما أقرب إلى سكان عدن حالياً لكنها باتت تستقطب خمسة ملايين زائر سنوياً أغلبهم من سكان المملكة لأنها لا تشترط تأشيرة زيارة مسبقة للأجانب المقيمين في المملكة وبقية دول الخليج حتى أن فنادقها العديدة لم تعد تستوعب كل القادمين إليها مما يضطرهم إلى العودة إلى الدمام عبر الجسر العظيم في اليوم نفسه.

وقد حدث لي ما يلي: كنت قد حجزت إقامة لثلاث ليال في فندق جلف هوتيل لإجراء عدة مقابلات فيه وتلقيت الموافقة على ذلك وأرسلوا لي سيارة تنقلني إليه من مطارها البديع الذي يجب أن تراه عياناً لتصدق ما يقال عنه، وخلال إقامتي طرأ ما يستوجب إطالة زيارتي ليلة واحدة فقط من يوم 29 نوفمبر إلى يوم ثلاثين نوفمبر لعقد اجتماع مع صحفي مخضرم جمعتنا زمالة عدة أعوام، فاتصل مكتبي بشركة طيران الخليج (جلف اير) لتحويل سفري إلى اليوم الإضافي، ووافقوا لكنني فوجئت باعتذار الفندق بكل لطف وأدب عن عدم استطاعته تمديد إقامتي 24 ساعة لأنه محجوز بالكامل حتى نهاية شهر ديسمبر، يعني أن مئات الغرف فيه متروسة كما يقولون في الخليج وكذلك بالنسبة للفنادق الأخرى التي أحبذها.

وبقدر ما تضايقت من هذا الاعتذار المهذب سعدت للبحرين بهذا النجاح السياحي التجاري الاستثماري الضخم وتمنيت لها المزيد من النجاح الذي استوجب استقدام حوالي ربع مليون عامل أجنبي أغلبهم من الهنود نصفهم من أهالي ولاية كيرالا أو ملبار التي كتبت عنها من قبل، ولما كانت الحكومة قد سمحت للأجانب المقيمين بالاستثمار في عدة قطاعات من صناعة المجوهرات إلى بناء المستوصفات والفنادق مع إقامة دائمة حرة بدأ المقيمون يتمتعون بالطمأنينة اللازمة لترك أموالهم في البنوك المحلية بدلاً من تحويلها إلى الهند وباكستان مما أعطى الاقتصاد المحلي شحنة جديدة من رأس المال الذي كان يذهب هدراً لأنه يعود إلى بلاد المقيم الأصلية بدون استفادة البحرين منه.

قمت بزيارة رسمية لمستوصف جديد اسمه «شفاء الجزيرة» يقع وسط العاصمة المنامة يؤدي كل الخدمات المطلوبة بكافة التخصصات بواسطة كافة الأجناس من الأطباء والممرضين إلى بداية الجسر السعودي - البحريني ولفة يميناً وأخرى يساراً حتى وصلت إلى حي جديد اسمه الجفير ضم عمائر حديثة تكاد أن تلمع بنور الشمس وضياء القمر مع عدد من الفنادق الراقية التي تبدأ بنجمتين وتنتهي بأربع وبأسعار معقولة تصل أقصاها إلى أربعين دولاراً للغرفة وكلها محجوزة عفواً متروسة.

أما الشقق فتتراوح بين غرفة وصالة وحمام ومطبخ على نظام الاستوديو إلى أربع غرف فاخرة وتشرف على البحر وعلى سطح بعض العمارات حوض سباحة وقاعة للألعاب والتمارين لمن شاء اللياقة الدائمة أو تخفيف الوزن الزائد الناجم عن تناول حلاوة (الشويطر) وهو أكبر منتج ومصدر لها إلى المملكة العربية السعودية ولا يكاد يخلو شارع واحد من فرع للشويطر في كل أنحاء مملكة البحرين، وإذا كان هناك من استطاع منافسة المنجا الهندية الفونسو أو المصرية التيموري بالنسبة لي فهي حلاوة الشويطر الساخنة مع فناجين القهوة العابقة بالهيل الفاخر.

اعتذرت البحرين عام 1968 عن عدم الانضمام إلى دولة الامارات العربية المتحدة، كذلك قطر. لكن للبحرين اليوم علاقات طيبة مع الإمارات وقطر وأقوى منها مع أكبر دولة في الجزيرة العربية -المملكة العربية السعودية - التي لا تبعد عنها سوى عشرين كيلومترا على جسر المحبة كما يسمونه بحيث لا يشعر البحريني أو السعودي بأي غربة وهو ينتقل بسيارته أو بالتاكسي بين البلدين، لأن البحرين مجرد امتداد جغرافي للدمام وإن اختلفت الأنظمة والقوانين، لذلك فإن مستقبل البحرين يبشر بخير عميم، إن شاء الله تعالى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى