الصورة الشعرية عند الشاعر العامي أحمد سعيد بلعيدي

> «الأيام» صالح عقيل بن سالم:

> تعد الصورة الشعرية من الموضوعات التي نالت اهتمام كثير من الدارسين للشعر بوجه عام,وإذا نظرنا إلى الشعر العامي في اليمن، وجدنا موضوع الصورة يكثر عند شعراء عاشوا في مراحل حرجة شديدة. فوجدوا في الصورة ملاذهم في التعبير عن تجاربهم ومعاناتهم الذاتية.

ومن قراءتي لقصائد الشاعر الكبير البلعيدي، بدت لي الصورة الشعرية بشكل لافت، وكانت بصفتها الفنية المتنامية التي تتكون من مجموعة عناصر متداخلة تودي إلى صورة كلية معبرة عن المعنى الخفي وقد كانت الصورة الاستعمارية، والصورة المجازية، والصورة الرمزية أكثر حضور في قصائده.

أولاً: الصورة الاستعمارية
يقول البلعيدي في قصيدة، (من حمش مكريبها 1987م): بعض المهاري عادها فيها ثقل كلمة تقيله ماقدرت أهري بها

لاجيب برجم حيث ماحلت تحل فازع على بعض الأوادم صيبها

البحر قدامي ومن شقي جبل والرجل واقف ما قدرت أمشي بها

والحبل دامر من زقر بالحبل زل والناس لله حيث ما بيجيبها

حاول الشاعر أن يأتي بعناصر عديدة ذات علاقات، ويجعلها في صور استعارية توحي بالحذر التام، والبحث عن الخروج من مأزق عصيب، ولولا الحكمة وما مر به من نجارب سابقة لما استطاع الخروج من ذلك، فثقافة وسماعوة بمحن الانبياء(قصة موسى، عليه السلام، وعندما كان يلاحقه فرعون بجنوده) هي التي كانت المخلص من المأزق العصيب، وذلك بتوكله على الله(والناس لله حيث ما بيجيها)

ثانياً: الصورة المجازية: يقول البلعيدي في قصيدة (وقت المشاكل 1987م):

يا الأرض هذه وين ساروا اصحابنا شدوا نصيف الليل مثل القافلة

واحنا من الغير شربنا بعدهم حد يكهل الغير وحد ما يكهله

يالوقت هذا ما معيه مقدرة وقت المشاكل كل ساعة مشكلة

أن جيت باشله قليلة طافتي وأن جيث باخليه ماحد يبدله

تكمن القيمة التعبيرية لهذه الصورة المجازية بالتنغيم(قراءتها بصوت خافض لبفهم السياق)، إذ توحي بالإحساس بالغربة، وفقدان الأصحاب والاحباب. وإلى جانب الصورة تضافرت اللغة والموسيقى لتكتمل المعاناة --- المجازية (بالارض، يا الوقت)، واللغة (هذه، هذا)، (يا، وين) ، فالمفردة (هذه، هذا) لها دلالة على التنبيه بعمق المشكلة التي يواجهها الشاعر.. والتركيب أسلوب النداء (يا ) يفيد بعد الأصحاب، وأسلوب الاستفهام(دين) يفيد البحث عن المكان والحسرة علة الفراق. والموسيقى ، منها التصدير (رد الصور على العجز) والطباق السلب، والتكرار، علاة أن القصيدة جاءت مختومة بقافية اللام الموصوله بالهاء (له) لتوحي بالرفض التام للواقع المعاش.

جاني ولد مالي درى من وين جا جاني وسميته حزام الطارفة

وبعد فضلته على دي حبهم لا عارف اخواله ولا بوه اعرفه

بيته يساعدني ونا باساعده وانه يسي لي كل ساعة سالفة

إن جيث بارويه ما بيطيعني ماحد يرد قد الله اسرفه

نلحظ أن الشاعر قربني صورته الرمزية بالتركيب (حرام الطارفة)، وجعل القارى يسبح بخياله حول الصورة، وما ترمز إليه، فربما يكون شخصاً، أو نظاماً أو حزباً، فالغموض هو سمة من سمات الصورة الرمزية، لذا يحق للخيال أن يسبح في ملكوت الصورة. فقد جعل الدكتور محمد فتوح في كتابة (الرمز والرمزية ص141) الصورة الرمزية أعلى مشارف الصورة الشعرية، وجعلها آخرون من الصور الأكثر فنية، لا تظهر قيمتها إلا في السياق العام للنص.

ومع ذلك نستشف الحرص والتوجيه من قبل الشاعر للمرموز(حزام الطارفة) غير أنه أعياه واتعبه، فيفوض أمره لله (ملحد يروي دي فدالله أسرفه) ويقول البلعيدي في
قصيدة (يا جازع الدحقة): جربا ودارت في المبارك كلها

واليوم خلوها في الوادي همل إن حد ذبحها ماكهلشي لحمها

وأن حد دلقها بايقولوا هيه بحل (الجرباء) الناقة المصابة بعيب (مرض)، وقد جعلها الشاعر رمزاً لمحله معيينه حدثت فيها أخطاءات كثيرة غير مسؤولة، لذا ذمها بتلك الصورة ودعا إلى الصبر عليها والترفع عنها.

لقد عبر البلعيدي بالصورة الشعرية عن تجاربة الذاتية التي كانت جزءاً من تجارب وطنه، وكانت الصورة في جميع استخداماتها موفقة وعفوية، تشع بالدلالات الإيحائية التي تترك للمتلقي حرية التحايق بخياله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى