رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

>
الشيخ محمد عز الدين السروري
الشيخ محمد عز الدين السروري
1- الأستاذ سعيد حسن مدي: رائد بنى تألقه لبنة لبنة..المولد والنشأة..أتحفنا الراحل الكبير محمد علي لقمان المحامي في سلسلة كتاباته عن ذكرياته، حيث أشار إلى الصداقات التي ربطت والده علي ابراهيم لقمان في الزعفران وحافة العيدروس بحسن مدي وقاسم القربي والسادة آل الصافي والشيخ محمد عمر بازرعة والسادة آل العيدروس وبيت سالم علي العدني ومن أبناء الهنود آل حمد وآل يوسف خان وبيت بابو خان (راجع: عبدالرحمن خبارة: نشوء وتطور الصحافة).

الأستاذ سعيد حسن مدي من مواليد عام 1905م في الحي العريق (حافة القاضي) في كريتر (عدن) وتلقى تعليمه الأولي في كتاتيبها.تراكمت حصيلة متواضعة لدى مدي في بواكير شبابه، وتهيأت له فرصة الاحتكاك التي خدمته في توسيع مداركه. كان المدي يقطع مسافة طويلة على قدميه من ظهر كل يوم من سكنه إلى مسكن أحد الأنجليز، المجاور لفنار جبل معاشق لتلقي دروساً في اللغة الانجليزية على يديه، وكان المعلم يتلقى بالمقابل دروساً في اللغة العربية من الشاب سعيد مدي.

مدرسة القديس يوسف العالية
بداية مشواره

خرج الأستاذ سعيد مدي إلى ميدان العمل عام 1925م وكان في العشرين، حيث بدأ مشواره في سلك التدريس وعمل مدرساً في مدرسة القديس يوسف العالية ST. JOSEPH HIGH SCHOOL (كانت تعرف بمدرسة البادري) وكانت تابعة للبعثة الإرسالية الكاثولوكية.

برز اسم الاستاذ سعيد مدي كعلم من أعلام التربية والتعليم من موقعه في تلك المدرسة الذائعة الصيت، اذ تتلمذت على يديه كوكبة لامعة من ابناء عدن وفي طليعتهم عميد «الأيام» محمد علي باشراحيل. تجلت بصمات الاستاذ مدي في عملية بناء اللغتين العربية والانجليزية في اوساط ابنائة الطلاب.

الاستاذ مدي وخلق الشخصية المتكاملة
تميزت الفترة الطويلة التي امضاها الاستاذ سعيد حسن مدي التي امتدت من عام 1925م وحتى عام 1960م بالبناء المتعدد الجوانب للطالب التي شملت تغذية الطالب بالعلم والمعرفة من خلال الحصص الدراسية والمكتبة والمسابقات المدرسية، سواء على مستوى المدرسة أم على مستوى المدارس، ليس في الانشطة الرياضية وحسب بل وفي مسابقات «افضل مقال» على سبيل المثال، حيث كان الطالب بدر سالمين باسنيد (المحامي حالياً) من الفائزين في احدى السنوات.

خضع الطلاب لاختبارات شاقة في عملية النظام والانضباط، فالحضور في موعده والحديث خلال الدوام المدرسي محصور في اللغة الانجليزية ويشمل ذلك فترة الاستراحة وفي حالة ضبط احد الطلاب يتحدث بالعربية يخضع لعقوبة حمل عيار ثقيل (نصف فراسلة على سبيل المثال) خلال فترة الاستراحة.

عرف الطلاب مربيهم الفاضل الاستاذ سعيد مدي بلباسه المكون من قميص ابيض طويل والعمامة الرشوان والمعطف وعرفوه بالشدة متى ما كانت لازمة وباللين متى ما برزت الحاجة له واستلطاف النكتة لكسر الجمود في نفسية الطلاب، وهكذا عرفه طلابه ومحبوه منذ أن تعين مدرساً، وتدرج في الوظيفة حتى اصبح مديراً لمدرسة القديس يوسف العالية ومديراً لمدرسة بازرعة الخيرية الاسلامية لبعض الوقت.

الاستاذ سعيد مدي في شركة البس
كان رجل الاعمال الفرنسي الشهير «انتوني بس A.BESS » يفرد تقديراً خاصاً للتراكم المعرفي لدى الاستاذ سعيد مدي ولذلك استعان به ليتلقى على يديه دروساً خصوصية في اللغتين العربية والانجليزية، فالتمس نفس الرغبة لاولاده وبناته الذين تلقوا دروساً خصوصية على يد الاستاذ القدير مدي.

استأنس البس لمواصفات الاستاذ مدي فعينه مديراً لشؤون الموظفين في الشركة وكان جديراً بالثقة، إلا أن ظروفاً خاصة (سنأتي على ذكرها) حالت دون استمراره في الوظيفة.

الأستاذ مدي وحقيبة الاوقاف في وزارة المكاوي
على اثر استقالة السيد زين عبده هارون من منصبه رئيساً لوزراء ولاية عدن، كلف المندوب السامي البريطاني زعيم المعارضة، عبدالقوي مكاوي بتشكيل الحكومة في مارس 1965م والذي اسند وزارة الاوقاف لاستاذه سعيد حسن مدي، الذي كان يتمتع بخلفية صلبة في العلوم الدينية.

عملت وزارة المكاوي في فترة شهدت الساحة فيها سخونة واضطراباً سياسياً وأمنياً تخللتها تصريحات ومواقف للمكاوي استفزت الحكومة البريطانية، وتعرض لنقد شديد من الصحف البريطانية، ومع تلك التداعيات أصدر المندوب السامي البريطاني، السيد ريتشارد ترنبل مرسوماً باعفاء حكومة المكاوي في ديسمبر من نفس العام.

الاستاذ مدي في دائرة المجتمع
أفرد الاستاذ سعيد مدي سنوات من عمره خلال مرحلة التأسيس لرياضة كرة القدم، حيث نشط لاعباً ثم حكماً للعبة كرة القدم وتفرغ بعد ذلك لرسالة التعليم وكان لا يبخل بجزء من وقته لاستقبال طلاب العلم الذين التمسوا مساعدته.

في سياق خدمات الاستاذ مدي لافراد مجتمعه قبوله بالاشراف على معهد الضياء بشعب العيدروس، وفي اعتقادي ان المعهد كان ملحقاً بجامع الضياء الذي بناه رجل البر والإحسان محمد عثمان ثابت، رحمه الله.

تقرب الاستاذ سعيد مدي من ربه ومن أهله وناسه في مدينته العريقة كريتر، حيث كان يؤم المصلين في مسجد بانصير لسنوات طويلة، كـما كان يقدم مواعظ قيمة ويقيم حلقات دراسية في مسجد الشيخ عبدالله.

الاستاذ سعيد حسن مدي
الاستاذ سعيد حسن مدي
مجلة «العربي» في ضيافة الأستاذ مدي
نشرت مجلة «العربي» الكويتية، استطلاعاً اجراه سليمان الشيخ عن كريتر في عددها 355 الصادر في يونيو 1988م وشمل الاستطلاع صوراً جميلة التقطها فهد الكوح.

برزت قيمة الاستطلاع بالزيارات الميدانية التي قام بها المحرر الى العديد من المرافق والشخصيات كان من بينها «الأساتذة عبدالله محيرز وسعيد حسن مدي وعبدالرزاق معتوق يحيى وياسين محمد ابراهيم وأحمد داؤود عطار.. وعيدروس حفيد ولي الله الصالح السيد ابوبكر عبدالله العيدروس (1447م-1508م) ووجدان محمد عمر زيد ومحمد سالم محمد».

في حديثها عن بيت الاستاذ سعيد مدي اوردت بعثة «العربي»:

ونحن نبحث عن بيت السيد سعيد مدي القريب من مسجد العيدروس وجدنا لوحة مثبتة على زاوية احد البيوت كتب عليها النص التالي: «بيت الاحرار» (عاشوا فيه بين اواسط الاربعينات حتى مطلع الستينات من القرن الماضي) ومنهم بحسب افادة «العربي»: «احمد حسين المروني واحمد حسن الحورش ومطيع دماج وأحمد مصلح البراق وزيد علي الموشكي وعلي عبدالعزيز نصر ومحي الدين قاسم العنسي ومحمد محمود الزبيري ومحمد علي الاسودي ومحمد عبدالله الفسيل ومحمد علي الاكوع».

من واقع الاستطلاع استندت بعثة العربي في تقريرها الى بيانات كان للاستاذين عبدالله محيرز وسعيد مدي نصيب الاسد تمثل في الحقائق المتعلقة بالصهاريج والمجلس التشريعي والمتحف الـحـربـي والـذي كـان فـي الاصـل بـنـاهـا الانـجليز عـام 1921م واصـبحـت متـحـفا اعتـبارا مـن 23 يونيو 1971م ومعالم اخرى.

سعيد مدي من كبار المترجمين
كان سعيد مدي وعلي احمد اسماعيل من اعلام الترجمة في السكرتارية (مجمع المكاتب الوزارية في التواهي بجانب رصيف امير ويلز في ميناء عدن) وواصلا خدمتها الجليلة بعد الاستقلال وارتقى مستوى الترجمة عند الاثنين نظراً لمستوييهما الرفيع في الثقافتين العربية والانجليزية.

سعيد مدي اجتماعياً
بحكم وقوعه في دائرة الضوء، فقد كان الاستاذ سعيد حسن مدي صاحب دائرة اجتماعية نوعية، ومن أقرب اصدقائه معتوق حسين علي امان وصالح عبدالرحمن الكعكي، وكان الاستاذ مدي يرتاد منتدى (مبرز) الكعكي ومنتدى معتوق امان ومنتدى ولده حسن في شعب العيدروس حباً في لقاء الناس والدردشة مع محبيه ولم يكن رحمه الله يتعاطى القات.

الاستاذ سعيد مدي في ذمة التاريخ
انتقل الاستاذ الكبير سعيد حسن مدي الى جوار ربه يوم 4 فبراير 1992م عن عمر ناهز السابعة والثمانين عاماً، وخلف وراءه سجلاً حافلاً بالاعمال الطيبة وسبعة اولاد، المذكور منهم ثلاثة هم:

حسن وعبداللاه ومحمد وأربع بنات وكان رحمه الله متزوجاً من اثنتين إحداهما ابنة أحمد ابوبكر باشراحيل، شقيق الفنان الكبير علي ابوبكر باشراحيل (مرجعية الفن الصنعاني).

2- الشيخ محمد عزالدين السروري: حمل الأمانة من السلف .. المولد والنشأة ..برز في مدينة الشيخ عثمان في الأيام الخوالي علمان من أسرة عزالدين وهما التربوي الراحل الاستاذ حسن عزالدين والشيخ الفاضل محمد عزالدين، امام وخطيب مسجد زكو في الشيخ عثمان.

الشيخ محمد عزالدين ناجي السروري من مواليد 29 يوليو 1928م في قرية السرور، التابعة لاحدى ضواحي تعز وتلقى فيها دروسه الاولى على يدي والده، الذي انتقل بولده محمد الى عدن وهو في عامه السادس وألحقه بمسجد العيدروس في الشيخ عثمان وتلقى فيه دروسه الدينية الاولى على يد الشيخ قاسم صالح السروري (والد الشخصيتين الوطنيتين عبدالباري قاسم ونورالدين قاسم رحمهما الله).

مسجد زكو مرحلة التأسيس ونقطة الانطلاق
في العام 1891م قام السيد عبدالله الظاهري ببناء مسجد متواضع امام مبنى مستشفى ارسالية كيث فولكنر (مستشفى عفارة) في الشيخ عثمان، وكانت جدرانه وسقفه من سعف النخيل مغطاة بأقمشة بالية، وبعد وفاته قام أحد اثرياء عدن وهو الحاج زكريا محمد الياس بشراء الأرض المحيطة بالمسجد وبنى على المساحة مسجداً من اللبن وقام بتوسعته لإقامة صلاة الجمعة وحفر بئراً لتوفير الماء لعابري السبيل ولاغراض الوضوء، مرفقاً بها حمامات، واختار العالم الكبير الشيخ احمد بن محمد عوض العبادي، إماماً وخطيباً للمسجد، وتتلمذ على يدي ذلك العالم كوكبة من الشيوخ والادباء والتربويين، منهم الشيخ محمد بن سالم البيحاني ومحمد سعيد جرادة والشيخ عبدالرحمن احمد بن احمد (أحد المتعاقبين على الامامة والخطابة في مسجد العيدروس في الشيخ عثمان) والشيخ محمد عزالدين (الذي اخذ عن استاذه الشيخ العبادي الامامة والخطابة في مسجد زكو).

الشيخ محمد عزالدين واربعون شمعة في مسجد زكو
تحمل الشيخ محمد عزالدين امانة الرسالة في مسجد زكو على مدى أربعة عقود (1965-2005م) من خلال عمله اماماً وخطيباً ومن خلال حلقات دراسية صباحية ومسائية، ومن الطلاب الذين تتلمذوا على يديه : 1- أ.علوي عبدالله طاهر، 2- د. أحمد علي همداني، 3- أ.هشام علي بن علي مقطري، 4- أ.طه سيف نعمان، 5- الشيخ عبدالباري محمد عزالدين، 6- الشيخ زكريا محمد عزالدين، 7- الشيخ انس محمد عزالدين، 8- الشيخ عبدالعزيز عبدالله دبعي،9- الشيخ عقيل بن زيد المقطري، 10- الشيخ طارق الطاهري، 11- الشيخ عبدالرقيب سلطان محمد القرشي، 12- الشيخ عبدالعزيز عبدالله حسين الدراوردي، 13- الشيخ عبدالله المرفدي.

في سياق عرضه لترجمة الشيخ محمد عزالدين، رحمه الله، قال الاستاذ علوي عبدالله طاهر، أنه واحد من اولياء الله الصالحين عاش على الكفاف وشظف العيش، عزف عن الدنيا وملذاتها، وانصرف عن مغرياتها، ليتفرغ لطاعة الله وخدمة الدين. عاش في منزل متواضع آيل للسقوط، لولا أن قيض الله له أهل الخير في الجمعية الخيرية لهائل سعيد انعم وأعادوا تجديد منزله، لم أسمعه يشكو يوماً من قلة المال وسوء الحال، لانه صادق الايمان بالله ومتوكل عليه. عرفته صبوراً في السراء والضراء عفيفاً متعففاً مكتفياً بإعانة شهرية من مكتب الاوقاف بعدن، لا تسمن ولا تعني من جوع.

الشيخ الصابر والعد التنازلي في الصحة

تحمل الشيخ محمد عزالدين آلام المرض الذي برح به وصبر على حكم ربه، وبلغ المرض ذروته في العام 2003م واجبره على ملازمة الفراش وقام أ. د. يحيى محمد الشعيبي محافظ عدن بزيارة الشيخ الفاضل في منزله وارفقه في زيارته الاستاذان علوي عبدالله ود. أحمد علي الهمداني، وتقرر سفره الى السعودية على نفقة المحسن الكبير الحاج أحمد هائل سعيد.

وفي العشر الاواخر من شهر رمضان المبارك، اقتضت مشيئة المولى عز وجل ولا راد لمشيئته بأن ينتقل الشيخ محمد عزالدين الى جواره يوم 22 رمضان، 1426هـ، الموافق 25 اكتوبر 2005م عن عمر ناهز التاسعة والسبعين عاماً وثلاثة اشهر مخلفاً وراءه سجلاً ناصعاً حافلاً بالصالحات من الاعمال و14 ولداً، اقتسمه الذكور والاناث بالتساوي، والذكور هم: 1- عبدالباري، 2- زكريا، 3- ابراهيم، 4- سليم، 5- انس، 6- يونس، 7- منذر وسبع بنات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى