نصوص غير ضرورية ومطاطة ومبهمة تؤدي إلى قمع حرية التعبير

> صنعاء «الأيام» خاص:

> قدم خبيران أمريكيان عاملان في مجال الإعلام تقريرا مفصلا تضمن ملاحظاتهما على قانون الصحافة ومشروعه الجديد.

الخبيران هما السيدة مادلين شاكتر وتشغل حاليا منصب نائب المستشار العام لشركة مجموعة تايم وارنر جروب، التي تعد جزءا من مؤسسة تايم وارنر وهي أكبر شركة إعلامية في العالم، وتشغل أيضا منصب أستاذ مساعد في جامعة فوردهام الأمريكية للحقوق... أما الآخر فهو السيد ديفيد إي ماكرو ومستشارا قانونيا لدى شركة نيو يورك تايمز. التي تصدر صحيفة نيويورك تايمز التي تعتبر أرقى الصحف الامريكية.

ونوهت الملحقية الإعلامية والثقافية في السفارة الامريكية بصنعاء أن الملاحظات لا تعبر عن وجهة نظر الحكومة الأمريكية ولا سفارتها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الجهات التي يعمل فيها كاتبا التقرير.. كما أن كلا الكاتبين لم يشاركا في عملية الترجمة لهذا التقرير، لذا فليس لهما أي رأي حول دقة الترجمة. ويمكن التواصل مع أي من الكاتبين للاستفسار أو الملاحظة وذلك من خلال السفارة الأمريكية بصنعاء.

نص الملاحظات: ملاحظات حول قانون الصحافة والمطبوعات، ومشروع القانون الجديد للجمهورية اليمنية

أولا: مقدمة

الغرض من تقديم الملاحظات: بدعوة من وزير الإعلام اليمني، وبطلب من وزارة الخارجية الأمريكية والسفارة الأمريكية بصنعاء، قمنا بمراجعة قانون الصحافة والمطبوعات رقم 25 للعام 1990 (المشار إليه لاحقا بقانون الصحافة) وبمراجعة مشروع القانون المعد من قبل وزارة الإعلام (المشار إليه لاحقا بمشروع القانون). وخلال فترة زيارتنا لليمن (9 - 13 يوليو 2005)، تم إبلاغنا أن مشروع القانون قد تم سحبه من قبل الحكومة اليمنية وأن مشروع قانون جديد (المشار إليه لاحقا بمشروع القانون المعدل)، والمعد من قبل لجنة مشكلة من وزارة العدل، قد طرح أمام مجلس الوزراء. وبعد عودتنا من اليمن، تسلمنا ترجمة غير رسمية لمشروع القانون المعدل، وقد قمنا بتسجيل بعض الملاحظات حوله في هذا التقرير.

إننا ومع كل تقدير واحترام، نتقدم بهذه الملاحظات والتعليقات على قانون الصحافة والمشروعين المقدمين استنادا إلى وجهة النظر القانونية الأمريكية. ونأمل من خلال هذا التقرير أن يتم الاستعانة به كمصدر قانوني هام وذلك من قبل جميع الأطراف المعنية المختلفة والساعية لتحرير قانون الصحافة. ومن الطبيعي أن تعكس هذه الملاحظات استيعابنا للمبادئ القانوينة الأمريكية وإدراكنا للتقاليد السياسية والثقافية والاجتماعية في الولايات المتحدة. ولذا، فإن هذه الملاحظات، يتم تقديمها لخدمة أغراض استشارية قانونية بحتة، مع عميق إدراكنا وتقديرنا للفوارق السياسية والاجتماعية والثقافية بين اليمن والولايات المتحدة، والتي تباعا قد ينتج عنها في الأخير تبني طرق وأساليب مختلفة.

الأسس التي بنيت عليها الملاحظات: في عملية التحضير التي سبقت إعداد هذا التقرير، قمنا بدراسة كل من قانون الصحافة، ومشروع القانون، وكذلك مشروع القانون المعدل. خلال زيارتنا لليمن، التقينا بكل من الأشخاص اللاحقين الذكر للحصول على طائفة متعددة من الآراء ووجهات النظر حول الإطار القانوني للتشريعات التي تحكم العمل الإعلامي في اليمن، وكذلك حول وضع الصحافة في اليمن، والمفاهيم الأخرى حول الديموقراطية وحرية التعبير؛ وكان الذين التقينا بهم، هم: وزيرة حقوق الإنسان، وزير الإعلام، وزير العدل، رئيس اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء، رئيس مجلس النواب، بعض أعضاء مجلس الشورى، مدير عام الشؤون القانونية في وزارة الإعلام، ممثلي نقابة الصحفيين اليمنية، محامين وناشطين حقوقيين من منظمة هود، ورئيس تحرير صحيفة الميثاق الناطقة باسم الحزب الحاكم.

حضر معنا هذه اللقاءات السيد دانيل سايمونز من منظمة المادة 19، ومقرها لندن. وهي منظمة تعنى بتعزيز حرية التعبير في أرجاء العالم. حضر العديد من هذه اللقاءات أيضا السيدة ستيفانيا بورك، ممثلة البرنامج اليمني الدانماركي لتطوير الإعلام اليمني. قمنا كذلك بالمشاركة في ورشة عمل مفتوحة، حضرها العديد من المحامين، والمسؤولين الحكوميين، وممثلي المنظمات إعلامية المختلفة، الذين أدلوا بآرائهم حول وضع حرية الصحافة والإعلام في اليمن وحول الإصلاحات التي رأوا ضرورة اتخاذها في هذا المجال.

نطاق ومجال الملاحظات: لم نقم بدراسة أية قوانين يمنية أخرى، ولذلك، فإننا لم نطرح سوى ملاحظات عابرة حول كيف يمكن للقوانين الأخرى التأثير على حرية الصحافة. لم نقم أيضا بتناول المبادئ والمعاهدات القانونية الدولية، التي يشير الدستور اليمني إليها في المادة السادسة.

ثانيا: تحليل بعض المواد القانونية

ركزنا في ملاحظاتنا على تناول مجموعة نقاط في قانون الصحافة، التي نرى بأنها أكثر من غيرها بحاجة إلى إعادة نظر بشكل عاجل. وعلى وجه التحديد، سنتناول المواضيع التالية التي ينبغي على وجه الخصوص التركيز عليها، وهي: محظورات المحتوى النصي، شروط ومتطلبات عمل الصحفيين، نظاما الترخيص والتسجيل، متطلبات رأس المال، المسؤولية القانونية حول إعادة النشر لبعض النصوص، إمكانية الاطلاع على السجلات والاجتماعات الحكومية والإجراءات القضائية، وتوفير الحماية للصحفيين الذين يلجأون لسرية المصادر. نود الإشارة هنا إلى قلقنا أيضا من العديد من النصوص القانونية أكانت تلك الموجودة في قانون الصحافة، أو مشروعي القانون الجديدين، كتلك المتعلقة بمساحة الحرية الإعلامية التي يسمح القانون بممارستها، تنظيم عمل المراسلين الأجانب، طبيعة ومدى نطاق النصوص القانونية التي تتعلق بتنظيم الإجراءات التعاقدية بين الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، محظورات النشر خاصة المتعلقة بالقضايا الخاضعة للتحقيق أو المحاكمات الجارية، حق الرد، محددات حرية التعبير التجاري المتمثل في نشر الإعلانات، وكذلك الشروط والمتطلبات المتعلقة بنشر ميزانيات المؤسسات الصحفية.( نشير إلى أن مشروع القانون المعد من قبل وزارة العدل يقول بأن القضايا المتعلقة بالنشر سيتم النظر فيها من قبل قاض مختص يتم تعيينه من قبل مجلس القضاء الأعلى، ويحدد الصلاحيات القضائية لكل قاض يضم في ذلك العديد من المحافظات في الجمهورية اليمنية (الفصل الخامس). بما أننا لا نعلم مضامين مثل هذا المقترح فإننا لا نعلق عليه هنا.) سيسرنا تناول هذه النصوص القانونية في الوقت الذي تمر فيه التشريعات الإعلامية بمزيد من التنقيح.

1. قيود النشر ذات العلاقة بالمحتوى النصي:

العديد من النصوص القانونية يحملها قانون الصحافة بصورة غير ضرورية وتتصف بأنها تقييدية، ومطاطة، ومبهمة، وتؤدي جميعها إلى قمع حرية التعبير المشروع. وللتدليل على ذلك الجزء الوارد في المادة رقم (4) بقانون الصحافة ومشروع القانون المعدل والتي تنص على ضرورة التزام الصحفيين بـ "أهداف الثورة اليمنية وتعميق الوحدة الوطنية"؛ وكذلك نص المادة رقم (103)، الفقرة 3، والتي تنص على ضرورة تجنب نشر كل ما قد يؤدي إلى "إثارة النعرات القبلية أو الطائفية أو العنصرية أو المناطقية أو السلالية وبث روح الشقاق والتفرقة بين أفراد المجتمع"؛ وكذلك نص المادة (103)، الفقرة 2، التي تقضي بمنع نشر "ما يمس المصلحة العليا للبلاد"؛ أو في المادة (103)، الفقرة 5، التي تمنع نشر "ما يؤدي إلى الإخلال بالآداب العامة وما يمس كرامة الأشخاص والحريات الشخصية بهدف الترويج والتشهير الشخصي". وينص قانون الصحافة في مكان آخر وتحديدا في المادة (103)، بأن الصحافة لا يجوز لها نشر وتداول وطباعة "ما يسيء لشخص رئيس الدولة"، غير أن هذا النص يشير إلى أن أحكام هذه المادة "لا تسري بالضرورة على النقد الموضوعي البناء".

على وجه سواء، فإن مشروع القانون المعد من قبل وزارة الإعلام يتضمن في الباب السابع نصوصا تحظر طباعة ونشر أو تداول "أي مواد تتضمن مسا مباشرا وشخصيا بملوك ورؤساء الدول الشقيقة والصديقة" وتلزم الصحفي فيما ينشر "باحترام الدستور والقانون، مراعيا في كل أعماله مقتضيات الشرف والأمانة والصدق وآداب مهنة الصحافة وتقاليدها، بما يحفظ للمجتمع مثله وقيمه وبما لا ينتهك حقا من حقوق المواطنين أو يمس إحدى حرياته، وأن يمتنع عن الانحياز إلى الدعوات العنصرية أو المتعصبة أو المتطرفة أو المعادية لمبادئ حقوق الانسان وعن امتهان الأديان أو الدعوة إلى كراهيتها أو الطعن في إيمان الآخرين والتمييز بين بعض الفئات أو الحط منها أو ازدرائها".

إن جميع النصوص المقتبسة أعلاه تتعارض مع الجوهر الأساسي للصحافة الحرة، وتتصادم على ما يبدو مع الدستور اليمني، وبسبب ما يكتنفها من غموض، فهي تحتوي على صياغة قانونية خاطئة. إن أيا من هذه الأسباب يعد مبررا كافيا لحذف النصوص الواردة أعلاه من أي قانون للصحافة، لكننا نعتقد أن حجم التعقيدات المرتبطة بهذه النصوص تحتم على الأقل إعادة صياغتها.

1- أ. تعارض النصوص القانونية مع حرية التعبير والإعلام

أولا، إن حظر نشر أي مواد ذات محتوى معين يتناقض مع مبادئ حرية التعبير وحرية الصحافة والإعلام. إن قيود ومحظورات النشر ذات العلاقة بالمحتوى النصي والمقيدة لحرية التعبير ينبغي تجنبها إلا إذا تمكنت الحكومة أن تبرهن بأن مثل هذا الحظر يساعد على تحقيق مصلحة حكومية ماسة. حتى مع الإيضاح الدقيق لمثل تلك المصلحة الماسة، فإن مثل هذا النوع من الحظر على المحتوى النصي ينبغي أن يتحقق منه تعزيز تلك المصلحة، وينبغي أن لا يكون تقييدا أكثر من اللازم إلا بما يتناسب مع الحد الأدنى لتحقيق تلك المصلحة الماسة، وينبغي تضييق مجال هذا الحظر بأكبر قدر ممكن ليتناسب مع مسعى الحكومة لتحقيق تلك المصلحة. مع هذا، فإن النصوص القانونية المقتبسة أعلاه تعد فضفاضة، وتحظر بصورة غير ضرورية حق النشر المشروع للمعلومات.

حتى وإن كان من الممكن تبرير وضع محظورات نشر عند حدها الأدنى، فلا ينبغي أن تمارس قيودا مسبقة على حرية النشر. بمعنى آخر، فإنه من الضروري والهام التفريق بين القيود المسبقة، والتي تحظر على الصحفيين نشر أو تداول عملهم الصحفي، وبين نظام يفرض العقوبات أو يسمح بالمسؤولية القانونية ولكن بعد النشر. وحسب القانون الأميركي فإن هناك قاعدة راسخة بأن "أي نظام يمارس القيود المسبقة على التعبير يواجه أمام المحاكم فرضية قوية في أن يتناقض مع الدستور".

نود وعلى وجه الخصوص أن نسجل قلقنا حول النصوص القانونية التي يمكن أن تحد من حرية التعبير السياسي في اليمن بناء على مخاوف تتعلق بالاستقرار السياسي. ندرك أن تحقيق الاستقرار السياسي يعد هدفا حكوميا، خاصة لدولة جربت مظاهر عنف مختلفة وجاهدت كثيرا للقضاء على أي اضطرابات مدنية مثلما حصل مؤخرا خلال الشهر الذي أجرينا فيه زيارتنا (إشارة لأعمال الشغب التي تلت ارتفاع أسعار المشتقات النفطية). ومن الواضح، فإن الممارسات العنيفة بحاجة إلى تشريع قانوني وقانون عقوبات. غير أن القضية المتعلقة بالتشريعات الإعلامية، تدور حول المدى الذي يمكن أن يتناوله الإعلام في تغطيته لأحداث العنف أو تغطيته للقضايا الجدلية التي يمكن أن تصنف بأنها تحريضية على العنف.

من بين الحالات النادرة للغاية والتي تسمح بفرض قيود على محتويات النشر والتعبير في القانون الأميركي، تلك الحالات التي تتضمن التحريض على العنف وكذلك الخطاب التهديدي. غير أن التجربة الأميركية معروفة بعدم فرض عقوبات قانونية إلا في أضيق الظروف وذلك عندما يكون الكلام أو التعبير ليس بالضرورة استفزازيا ومثيرا ولكن فقط عندما يمكن أن يلحق ضررا جسديا وشيكا بالآخرين.

إن التعبير عن الرأي يمكن أن يكون الترياق والعلاج الفعلي للنزعات العنيفة، والذي يقدم وسيلة عقلانية وفاعلة للتعبير عن وجهات النظر المختلفة. إن التعبير الفعلي عن الآراء وعملية تفنيدها والرد عليها يعززان في الواقع من فرص وجود بيئة اجتماعية أكثر استقرارا، حيث يساعد ذلك في إفراغ المشاعر المحتقنة التي قد يتم التعبير عنها، إن كبتت، من خلال إلحاق أضرار جسدية بالآخرين.

وكقاعدة عامة في القانون الأميركي، فإن التعبير الذي قد يحرض على أعمال شغب أو حالة من انعدام القانون لا يمكن حظره من خلال إجراءات القيود المسبقة للنشر، ولكن يمكن أن يتعرض للعقوبة بعد النشر وذلك في حالة واحدة حينما يكون مثل ذلك التعبير أو الخطاب "موجها للتحريض على أو التسبب في حدوث عمل غير قانوني يمكن أن يؤدي إلى التحريض والتسبب في حصول مثل هذا الفعل".

وعلى حد سواء، إن الكلام الذي يشكل تهديدا قد يتعرض للعقاب تحت القانون الأميركي وذلك فقط حينما يشكل الكلام "تهديدا حقيقيا"، وهو في الحالات التي يقوم فيها صاحب الكلام أو المتحدث بالتعبير عن نية لارتكاب عمل عنف غير قانوني ضد فرد أو جماعة وفي ظروف يشكل فيها مثل هذا التهديد إمكانية واقعية. إن المبالغات في الخطاب السياسي لا ترتقي إلى مستوى "التهديد الحقيقي". ولذلك فإن محظورات الكلام المتعلقة بالـ "التهديد الحقيقي" هي تلك التي تسعى بشكل مرضٍ لحماية الأفراد من خوف التعرض لأعمال العنف ومن الاضطرابات التي قد ينتجها مثل هذا الخوف، وتسعى لحماية الناس من إمكانية وقوع أعمال العنف التي يتم التهديد بارتكابها.

1- ب. التناقضات مع نصوص الدستور اليمني:

ثانيا، إن المواد المقتبسة سلفا تتعارض مع نصوص الدستور اليمني. إن الدستور الذي أقرته الجمهورية اليمنية في العام 1991 وتم تعديله في العامين 1994 و 2001 يبين وبشكل يدعو للاحترام والتقدير احترام حرية التعبير في اليمن. وبما أن العديد من النصوص الدستورية أعدت خصيصا لتعزيز حرية التعبير (انظر النقاش المطروح أدناه)، فإن كفالة مثل هذه الحرية بارزة بأكبر قدر ممكن في صريح نص المادة 42 من الدستور، والتي تنص على أن: "لكل مواطن حق الاسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون." إن استناد مشروع قانون الصحافة إلى نصوص كتلك الساعية لحظر حرية التعبير التي يمكن أن "تثير النعرات بين الناس"، أو "كل ما يمس المصلحة العليا للبلاد" أو "ما يسيئ لشخص رئيس الدولة أو ما يسمي كرامته أو ذما أو تحقيرا بحقه ولا تنسب إليه أقوالا أو تنشر صورا إلا بإذن مسبق" أو "أي مواد تتضمن مسا مباشرا وشخصيا بملوك ورؤساء الدول الشقيقة والصديقة"؛ كل ذلك يتعدى على الحقوق الممنوحة صراحة دستوريا من خلال ما يفرض من عقوبات على حرية الكلمة التي تعتبر شكلا من أشكال المشاركة في الحياة السياسة أو الثقافية والاجتماعية في البلاد. إن وجود مثل هذا الخطاب الحر يعد ركيزة أساسية يستند عليها قوام الديموقراطية ويسهل ديمومتها.

1- ج. النصوص القانونية تحمل غموضا لا داعي له

ثالثا، إن النصوص القانونية المقتبسة سلفا تعد مصدر إشكال من حيث أنها تكتنف غموضا غير ملائم. فمن الهام للصحفيين أن يعرفوا تماما إن كان ما يمارسونه من عمل مسموحا به في نطاق القانون، وإلا فسيمتنعون مكرهين عن نشر أي مواد مخافة الوقوع في محظور قانوني يتسبب بمقاضاتهم. في تلك الحالة، سيتم حرمان عامة الشعب من نشر نطاق واسع من المعلومات ذات صلة بقضايا تتصل بهمومهم.

القانون الأمريكي يتبع نظرية ضرورة خلو القوانين من أي نص مبهم، فارضا على القوانين العقابية أن تقوم بتعريف الجرائم بدقة كافية كي يتمكن المواطن العادي من معرفة ماهية السلوكيات التي تحظرها القوانين، وأيضا كي لا يعطى أي مسؤول حكومي حرية تفسير القانون بصورة اعتباطية. إن كان هناك قانون أمريكي لا يراعي هذه المعايير، فهو يعد غامضا بصورة لا داعي لها ويتم إلغاؤه نظرا لتعارضه مع النصوص الدستورية. من الضروري أن لا يتحول أي قانون لوسيلة تطبيق اعتباطية، حيث يتاح للمدعين رفع دعاوى قضائية ضد أناس دون آخرين حتى وإن كانوا جميعا قد اشتركوا في عمل مماثل.

ونلاحظ في قانون الصحافة والمطبوعات، أو في مشروع القانون الخاص بوزارة الإعلام أو ذلك المعد من قبل وزارة العدل، نلاحظ ظهور مصطلحات مثل "يحرض ... على النعرات بين المواطنين" ؛ "احترام مبادئ وأهداف الثورة اليمنية ..." ؛ "مواد يمكن أن تهدد المصالح العليا للبلاد" ؛ "التحريض على ... الثأر ... أو التمرد" ؛ "مواد يمكن أن تظهر ازدراء أو تقليلا لشخص رئيس الدولة أو كرامته" وأيضا "المواد التي تمس بشكل سلبي مباشرة أو بصفة شخصية رؤساء وملوك الدول الصديقة والشقيقة". مثل هذه المصطلحات التي تعد جميعها عرضة وبقدر كبير لتفاسير متعددة ومتناقضة في الوقت ذاته. إضافة لذلك، تطرح مثل هذه النصوص تحديات كبيرة للصحفيين من حيث ضرورة تنبؤ ما إذا كانت تقاريرهم تتعدى على النص القانوني أم لا، وتعطي القضاة فرصة تقييم التقارير بعد نشرها استنادا لهذه النصوص القانونية. إن الكتابة حول الأداء الحكومي يمثل وظيفة أساسية للعمل الصحفي، ولكن، في وجود مثل تلك النصوص القانونية التي استشهدنا بها أعلاه، فإن كتابة تقرير حول أي سلوك حكومي والذي قد يؤدي إلى اختلاف في وجهات النظر بين الناس قد يوصم بأنه متعارض مع "... المصلحة العليا للبلاد."

وكمثال آخر، عندما تقوم تقارير صحفية بتناول تصرفات سياسية للدولة مما قد يثير ردودا عاطفية من بعض شرائح معينة في المجتمع، فهل يشكل رد فعل كهذا "ثأرا" أو "تمردا"؟ ففي مشروع القانون، التحريض على أي من هاتين النقطتين سيكون خاضعا للعقوبة. ولكن، في حال غياب تعاريف محددة، قد تستنتج الحكومة من أن المقصود بـ "الثأر" يراد به أيضا الثأر السياسي، وأن "التمرد" قد يتضمن المساعي الرامية لتحريك المواطنين لمناهظة سياسة حكومية معينة. غير أن مثل هذا النوع من الأنشطة وما قد يتخلف عنه من حركات سياسية يبدو وكأنه يتفق تماما مع نص الدستور اليمني. فالمادة رقم 58 من الدستور اليمني تنص صراحة على حق المواطنين اليمنيين في عموم الجمهورية اليمنية على "تنظيم أنفسهم سياسيا ومهنيا ونقابيا والحق في تكوين المنظمات العلمية والثقافية والاجتماعية والاتحادات الوطنية بما يخدم أهداف الدستور - وتضمن الدولة هذا الحق، كما تتخذ جميع الوسائل الضرورية التي تمكن المواطنين من ممارسته، وتضمن كافة الحريات للمؤسسات والمنظمات السياسية والنقابية والثقافية والعلمية والاجتماعية".

إن تحديد القانون لضرورة أن يكون النقد "بناء" لا تزيل كذلك مواطن القلق. فحرية الإعلام الحقيقية تسمح أيضا بالنقد غير البناء أيضا، ذلك أن الآراء حتى وإن كانت سلبية فقد تحمل في طياتها حقائق قد تعين القراء على الحكم بأنفسهم. علاوة على ذلك، فإن غموض المصطلح "بناء" (ما قد يراه البعض بناء قد يجده آخرون ضارا وتقسيميا) يدع الصحفيين عرضة للشك حول ما هو مسموح، ويعطي الحكومة في المقابل حرية مفرطة في تحديد أنواع النقد التي سيتم معاقبتها من دونها.

توصية بهذا الصدد - نوصي بأن يتم حذف جميع المواد التي تعاقب على التعبير السياسي، أو أن يتم على الأقل تعديلها بصورة تبين بدقة الحالات القليلة التي يجب أن يتم فيها وضع حدود معينة. يتبع

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى