مع الأيــام..دعوهم يرقدون بسلام

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
تتسابق القوى السياسية في مختلف أرجاء الوطن العربي نحو رفات الموتى لعلها تجد في هذه المقبرة الجماعية أو تلك مكسبا سياسيا يمكن تحقيقه على الأرض القاحلة المحترقة تحت الأقدام المهزوزة بفعل سوء الأداء، أو لعلها ترجئ بهذه المأساة الجماعية أو تلك استحقاقا سياسيا ملحا، مطلوبا تحقيقه وإنجازه في التو واللحظة، وذلك بغرض تخفيف حدة الضغوط الداخلية والخارجية معا. أو لربما هي تهدف من وراء ذلك تقديم نفسها للعالم في صورة (الملاك الطاهر) الذي يذرف الدموع الغزيرة فوق مجنزرات الحديد الملتهبة لـ (شيولات) الحفر التي تكشف الماضي (ماضينا جميعا) في أبشع صورة وأكثرها قتامة وخزيا.

نعلم جيدا في طول اليمن وعرضها، ويعلم غيرنا أيضا أن ما حدث في جنوب البلاد إبان مرحلة الحكم الشمولي، كان فصلا أسود، لا يضاهيه في السواد ولا في الظلمات شيء آخر في تاريخ اليمن الطويل، ونعلم أيضا، أن من صنع تلك المآسي الإنسانية، ومن قبر الأحياء ببطاقات الهوية، أو من رحم الأحياء فأعدمهم قبل دفنهم، هم أناس لا زالوا يعيشون بيننا اليوم، يتنفسون الهواء ذاته الذي نتنفسه، كما لا يزال البعض منهم، يمارس مهام رسمية ربما هي أكثر نفوذا من تلك التي كانت متاحة له في الماضي، فأساء استخدامها، ووظفها في تسطير جرائم الإبادة الإنسانية هنا وهناك.. ويعلم الذين قبلوا بهم وقلدوهم الأوسمة وزرعوا النياشين على صدورهم في المناسبات الرسمية، أن أيديهم ملطخة بدماء الذين كشف (الشيول) مقابرهم الجماعية اليوم وأخرج رفاتهم إلى سوق المكاسب السياسية، هكذا فجأة.. وبمحض الصدفة!! فلماذا إذا نزايد على جثث الموتى في منطقة خورمكسر أو غيرها؟.. ولماذا لا نحترم رفات موتانا على الأقل بعد أن أجرمنا بحقهم وهم أحياء؟!

إن عمليات نبش المقابر الجماعية- من وجهة نظري الشخصية- هي أشبه ما تكون بمسرحية الفلاح العراقي الأسطورة (منقاش) الذي صدق نفسه، حينما أراد له الصحاف ذلك، فصدق الجميع من البسطاء، أنه قد استطاع إسقاط طائرة (أباتشي) أمركية بطلقة واحدة من بندقيته العتيقة (البرنو)..!! إن نبش المقابر الجماعية- من حيث القيمة- أشبه ما تكون بتلك الحادثة، التي لم تمنع القوات الأمريكية من الوصول إلى بغداد وتكذيب توقعات الانتحار على أسوارها كما قال صدام، وفي المقابل علينا أن نعي أن نبش المقابر، وإن كان سيحقق قيمة دعائية سياسية (آنية) إلا إنه- وبكل تأكيد- لن يلغي حقيقة أن الفساد قد أصبح مؤسسة كبيرة في هذه البلاد، وأن عملية (المناكفات السياسية) وبهذه الطريقة، لن تحل لليمن مشاكله الكثيرة والكبيرة.

ولأنه سيجتمع هنا في عدن، ما يقارب الستة آلاف عضو وعضوة من منتسبي الحزب الحاكم لعقد مؤتمرهم العام السابع، فإنني أنصح هؤلاء بألا يذهبوا إلى حيث نبشت المقابر، وإنما عليهم الاتجاه إلى مختلف أحياء المدينة الفقيرة وما أكثرها، لتلمس معاناة الحاضر، وتشخيص مكوناتها وأسبابها، كما عليهم أن يسألوا من سيرشحونهم لعضوية اللجنة العامة، بصدق وشفافية، عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى إخراج بلادنا من (برنامج تحدي الألفية)، وعن الأسباب الحقيقية التي جعلت بلادنا تخفق في تخطي 14 مؤشرا من أصل 16.. وإن كان لهذا الإخفاق الكبير علاقة ما بعملية نبش المقابر الجماعية في عدن؟

إن الوقوف على تحديات الحاضر والمستقبل، يتطلب قدرا كبيرا من الشجاعة، وقدرا أكبر من إنكار الذات، وهو يتطلب أيضا إتاحة الكثير من الوسائل القادرة على التعامل مع استحقاقات المستقبل بما له علاقة بها، ولا أظن- للحظة واحدة- أن نبش مقابر الأموات الجماعية، وسيلة من وسائل بناء المستقبل المنشود.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى