أهالي الضالع: عمر الفاروق خاف أن تتعثر البغال.. بينما نحن تحاصرنا الجبـال

> «الأيام» عبدالرقيب الهدياني:

>
جبل شاهق
جبل شاهق
على سفح جبل شاهق تتعلق ثمان قرى في مديرية الحشا التابعة لمحافظة الضالع تسمى منطقة الهيت، ويسكنها قرابة (4000) نسمة جميعهم يحملون هوية الجمهورية، لكن واقعهم ينفي أن تكون لهم أي صلة بالحاضر وأن دولة ترعاهم.

قرى الهيت تحاصرها كتلة من الجبال السمراء الغليظة، وتفرض عليها طوقاً مكثفاً يكتم الانفاس ويمنع الحركة وعملية الدخول والخروج، وكلما انتفض الاهالي ببسالة كي يفتحوا ثقباً وطريقاً في جدار ذلك الطوق الاصم، ما تلبث نوائب الدهر وعوامل الطبيعة أن تغتال مشاريعهم واحداً تلو الآخر.

فلقد قام هؤلاء الاهالي بشق ثلاثة طرق من ثلاثة اتجاهات مختلفة كلها ذهبت دون أن يلتفت إليهم أحد أو يمد إليهم يد العون والمساعدة، وبإصرار عجيب وعزم يفل الصخر والحديد ولا يعرف اليأس والاستسلام للواقع المرير، يواصلون شق الطريق الجديد من الجهة الرابعة لتكتمل الدائرة في منحدر جبل طوله (6) كم، حيث شمر الشباب والشيوخ والاطفال سواعدهم يضربون الصخور والتراب مستخدمين الآلات الحديدية القديمة بينما تقوم النساء بصنع الطعام وتوصيله إلى مكان العمل والحفر والشق.

مشهد الجميع وهم يغالبون الصخور القوية ويحفرون الارض المتماسكة ويقيمون الجدران الممتدة غير آبهين بنقطة النهاية البعيدة ومتطلبات المسافة الطويلة وما تحتاجه من جهد وصبر وتجلد يبعث في النفس الأمل، حيث تختلط قطرات العرق بحبات الدم النازف بينما يهتف علي عبدالله صالح بشعره ويقول:

من أرضنا يوصل اليكم شعرنا *** رسالة تخبركم بكل أوضاعنا

إلى المحافظ والمساعد والوكيل **** ماحد أتى منهم ولا حد زارنا

من شاء يعرف شعب الهيت الابي **** فالنحت وسط الصخر ينبنئ عننا

يا ناس بايدينا نشق صخر الجبل **** ما شي وجدنا من يخفف جهدنا

نرجو وصول الدعم منكم في عجل ****حتى يزول الهم عنا والعنا

شهداء الطريق
من كثر معاناة أبناء الهيت من مشكلة الطرقات فإنها قد أفقدتهم الكثير من الأهل الذين قضوا في حوادث مرورية فيها، أو آخرين ماتوا في عمليات الشق السابقة حيث يذكر (عباس طاهر) أن شاباً يدعى (محمد أحمد صالح الزيدي) قد مات وهو يشارك في شق الطريق السابقة في نهاية التسعينات.

ويضيف الوالدان المسنان (محمد صالح حيمد و أحمد علي) قائلين: أن عمرهما قد فني في شق الطرقات حيث شاركا بأيديهما في شق ثلاثة طرق سابقة، واليوم ومع تقدم العمر بهما فلا يزالان يحملان (المجرفة والمغرس والمسب والصبرة) وهي عبارة عن وسائل قديمة، ويعملان بجهد مضاعف.

أما علي صالح العتابي والبالغ العمر (80عاماً) فإنه يستنكر تجاهل المسؤولين لمعاناة أهل الهيت ويقول متسائلاً: اين الثورة والجمهورية التي ضحينا من أجلها واستبشرنا بقدومها؟ ويضيف: من العار أن يتجاهل المسؤولون أربعة آلاف نسمة ولا يقدمون لهم العون، من العار أن نقوم بمفردنا بشق الطريق مستخدمين وسائل بدائية قديمة في عصر جديد متطور.

ويؤكد العتابي أنه قد قام بكسر جهاز المذياع الذي كان يملكه بسبب الكذب والمغالطة التي يسمعها منه وهو يعرف وضع أبناء منطقته التعيس حيث تصل قيمة الدبة الغاز إلى (800) ريال وإيجار نقل كيس الدقيق (700) ريال.

أهالي الضالع
أهالي الضالع
لو تعثرت بغلة..
يضاف إلى مشكلة الطريق التي يعاني منها مواطنو منطقة الهيت مشاكل أخرى أكثر مأساوية، منها أن المنطقة محرومة من المدرسة وهو ما دفع أحد أبنائها الخيرين إلى بناء أربعة فصول دراسية، وقام هو بنفسه بتجميع أحجار البناء التي شيدت الفصول الاربعة، إلى جانب ثلاثة فصول أخرى على نفقة فاعل الخير هائل سعيد أنعم. وعضو المجلس المحلي للمديرية عبدالله صالح الزيدي الذي بنى الفصول الاربعة على نفقته وبجهده الذاتي هو المشرف والمسؤول المباشر اليوم عن عملية شق الطريق الجديد، والذي يقوم بتنظيم العمل وتنسيق الجهود وجمع التبرعات من الاهالي. وفي رسالة مناشدة يقوم بتوصيلها إلى المسؤولين في المديرية والمحافظة يستصرخ عبدالله الزيدي فيهم واجب المساعدة وروح الاخوة قائلاً لهم:

لقد حرص السابقون من سلف الأمة على تعبيد طرق البغال والحمير والبهائم حتى لا تتعثر، وها هم أهلنا بالآلاف في منطقة الهيت انقطعت بهم السبل، حيث فقدنا الكثير من الاعزاء الذين قضوا فيها، وآخرون معاقون بسبب حوادث سير خلالها. ويضيف: ولذلك فإننا نأمل أن يقوم المسؤلون بالواجب، فإنه من العار أن يقوم هؤلاء الفقراء باقتطاع جزء من قوت أولادهم ويتبرعون به في شق الطريق بينهما تتجاهلهم حكومتهم!!

من مآسي الهيت أيضاً أن التقسيم الانتخابي قام بفصلها إلى جزئين منفصلين وتم توزيع اصوات أبناء الهيت وتشتيتها إلى مركزين انتخابيين بعيدين عنها، وكان الاولى أن تكون مركزاً انتخابياً واحداً وافي النصاب، لكنها الحسابات السياسية الضيقة. وقال سعيد محمد ناصر معلقاً على ذلك: «لقد توحدت اليمن بينما تشطرت الهيت»!!

ومن المشاكل أيضاً مشكلة حالات الضمان الاجتماعية القليلة التي اعتمدت لمنطقة الهيت الفقير أهلها، والجفاف المخيف الذي يضرب المنطقة، حيث تلجأ النساء لقطع مسافات كبيرة لجلب ماء الشرب على رؤوسهن وعلى ظهور الحمير وقضايا كثيرة تستفرد بـ (4) آلاف مواطن هناك لازالوا صامدين ويقدمون كل ما يقدرون عليه، وفي الوقت ذاته مازال الأمل يحدوهم أن تجد صرخاتهم واستغاثاتهم لدى المعنيين آذاناً صاغية وضمائر حية ورحيمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى