في الذكرى الأربعين لوفاة شهيد البحث العلمي الباحث د. فضل مطلق

> د. يحيى عبدالله الدويلة:

> في يوم مأساوي.. فقد اليمن ابناً باراً هو صديقنا المناضل الباحث د. فضل مطلق. رحل صديقنا مع عدد من أفراد أسرته في حادث مروري وهو في رحلة - بعد قضاء أيام عيد الفطر- لمواصلة عمله في ذمار، وأشعل فينا الذهول الذي سرعان ما تحول إلى فاجعة في نفوس كل محبيه وأهله وأصدقائه وكل من تلقى هذا النبأ الأليم، وكأنما أراد القدر أن يريح الفقيد من متاعب ومشاق الرحلة المضنية في هذا الزمن، الذي كتب علينا فيه أن نشهد رحيل نماذج من الناس الطيبين والمبدعين. رحل صديقنا الباحث د. فضل مطلق وبدون سابق إنذار، وبرحيله نودع باحثاً كفؤاً أعطى بلا حساب ولم يأخذ سوى رثاء زملائه وتعازي رفاق دربه.

لقد تسرعت الأقدار بترحيله وهو في ريعان شبابه وقمة عطائه، كان مخلصاً للوطن، سياسياً مخضرماً مثل لنا كل الأمل وقيم المستقبل، فقدت اليمن برحيله أنبل وأطهر قلب له معنا وقفات ومواقف، فقد كان رمزاً للوفاء والكرم.

لم يكن د. فضل مطلق باحثاً زراعياً فحسب بل كان مناضلاً جسوراً تمرس في الحياة السياسية وحظي باحترام زملائه في العمل البحثي والسياسي، وأعطى عشقه كله لليمن.

كان يمتلك بصيرة وحكمة وعمقاً في نظرته الفاحصة للأمور، وكل من عرفه وصف مناقبه وصفاته بنبل أخلاقه وكرمه وتواضعه، لقد كان الفقيد د. فضل مطلق كما عرفته طرازا آخر من الناس فريداً من نوعه، كان دائماً يحلم بحياة هادئة يسودها الحب والخير والأمان، ويمقت التخلف والجهل.

لقد كانت لي معه مواقف وذكريات تعود إلى ما قبل عشرين عاماً حيث أتذكر أنني التقيته بعد تعيينه في محطة أبحاث الكود الزراعية وكنا نعمل معاً في العمل السياسي، وكان يمتلك قدرات تنظيمية وقيادية فقد كان أحد الرموز الوطنية الصادقة التي خاضت معارك الشرف من أجل الوحدة والديمقراطية.

كنا قد احتفلنا يوماً بعيد ميلاده وكانت مناسبة لا تنسى حيث كنا حينها في الهند، فقد قررنا أن نذهب إلى منطقة نانيتال في شمال الهند حيث جبال الهيملايا، وصادف أن كانت الأجواء غير مواتية للصعود ولكنه أصر رغم صعوبة الرحلة، وصعدنا ولم نفوت الفرصة وكانت لنا ذكريات لا تنسى.

لقد كان الفقيد د. فضل مطلق شخصية محورية قيادية يحظى باحترام زملائه لدرجة يصعب وصفها، كان دائماً ما يتحدى الصعب، ولكن كان تحديه هذه المرة فوق الخيال.

كان الفقيد رحمه الله ذكياً مبرزاً في الحياة الدراسية، يعرف ما يريد وما يفعل، اختار في دراسته للدكتوراه موضوعاً هاماً وفريداً وصرف على تنفيذ البحث من نفقاته الخاصة حتى يكون على دراية واستيعاب بكل تفاصيل العملية البحثية وتقنياتها وبالتالي يمكن له مواصلة هذا النشاط في اليمن.

إن الحوار الذي جمع بيننا عشية وفاته كان الحوار الأخير، تناولنا فيه قضايا البحث العلمي وهموم الباحثين، وهو كل ما كان يشغل اهتمامات الفقيد. حيث شاءت الأقدار أن نكون آخر مودعيه أنا والأساتذة م. شهاب القاضي، م. حسن الباشا، م. سعيد عبيدون والأستاذة علوة، وكان صافي الذهن كعادته وكنا نناقش أثر الاختلافات البيئية على صفات الجودة لبعض المحاصيل الحقلية والبستانية وموضوعات حساسة أخرى.

لقد رحل عنا المناضل الباحث د. فضل مطلق تاركاً دنيا كان فيها نبراس عطاء، نهرا لا ينضب له معين، مناضلاً وعالماً وسياسياً، لم يرحل شهيد البحث العلمي د. فضل مطلق إلى الأبد فهناك أعماله البحثية وأقل تقدير لهذا الرجل أن تجمع هذه الأعمال في كتاب لما فيه فائدة للبحث العلمي الزراعي.

كان قد حدثني أن مركز الموارد الطبيعية الذي يعمل فيه بصدد إعداد كتاب بتكليف من رئيس الهيئة أرجو أن نرى بصماته على ذلك الكتاب. لقد كان ثروة قومية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إننا برحيله خسرنا مبدعاً في مجال البحث العلمي وستظل أعماله ومآثره عظيمة ومحفورة في سجل الخلود بأنصع الصفحات.

عهداً يا فضل بكل جراحات الحلم المتعثر وبرد الواقع وآهات الزمان المتفجر.. قطعاً سنواصل تحويل حلمك الجميل لتغيير الواقع إلى الأجمل.

من عسانا نرثي هل نرثيه أم نرثي أنفسنا أم نعاتب الحياة لأنها أخذت أجمل شيء؟ لقد كان صعبا علينا أن نصدق أنك أصبحت ضريحاً وذكريات وطيفاً ملائكياً في الذاكرة الوفية.

سلام عليك يوم ولدت وسلام عليك يوم مت يا أبا الملاكين الطاهرين محمد وعبدالله اللذين شاءت الأقدار أن تأخذهما معك، إلى دار البقاء وجنة الخلود الأبدي.

لك الخلود.. لك الخلود *** من كل من أحبوك

والصبر والسلوان لأهل الفقيد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى