العبث بالجمال المعماري

> حسام محمد سلطان:

>
حسام محمد سلطان
حسام محمد سلطان
لا يوجد أقبح من المباني المبنية على الطراز الصنعاني في عدن إلا تلك البعيدة عن هذا الطراز في صنعاء. تبرز هذه المباني من خلال وجود القمريات فوق النوافذ أو عدمها كذلك من خلال أنواع الحجارة والطوب المستخدم في البناء وشكل المبنى العام من الخارج. مدن اليمن تتميز بشيء فريد ألا وهو تنوع الطرز المعمارية من مدينة لأخرى، فكل طراز يحكي حكاية المنطقة التي فيها، ومع مرور الزمن تصبح تلك الحكايات تاريخا لتلك المناطق والقرى، تخيل لو أن أحداً أراد بناء فيلا حديثة في قلب صنعاء القديمة أو في وسط مدينة شبام التاريخية حيث البيوت الأصيلة المبنية بالطوب واللبن، هذه الفيلا حتى وإن كانت مستوفية كل متطلبات الجمال المعماري والتناسق الهندسي فهي قبيحة لمجرد وجودها في المكان الخطأ مشوهة رغم جمالها ما حولها من مبان أصيلة.

هذا الإخلال بالطراز المعماري لكل مدينة بل لكل قرية بهذه الطريقة العشوائية المشاهدة في كل المدن اليمنية وبالأخص في عدن، أشبه بالتلاعب بالجينات الوراثية لمدننا وتراثنا من أجل إنتاج أمساخ مشوهة قبيحة المنظر شبيهة بأمساخ آدمية كثيرة منتشرة بيننا وتعيش معنا في تلك المدن والقرى نفسها. قد يبدو هذا الموضوع بعيدا عن اهتمامات المواطنين الفقراء المطحونين الذين لا يطمحون بأكثر من سقف يأويهم مع عائلاتهم بعيداً عن الجمال المعماري والتناسق الهندسي الذي لا معنى له في هذا الزمن الذي طغى القبح وقيمه فيه على الجمال وأهله، ولكن هذه الظواهر والسمات المكونة للمجتمعات لا تقل أهمية عن بقية المكونات والقيم الأخرى للمجتمعات الراقية، مثل العدالة والمساواة والتآخي والتأزر، فالجمال منظومة قيم متكاملة لا تستطيع أن تقتطع جزءا لتطبقه وترمي بالآخر في سلة المهملات. والأمثلة على ذلك كثيرة ولن أقول في أوروبا والدول المتقدمة - فتلك عقدة أسأل الله القدير أن يعافيني منها - ولكن أقول في تراثنا العربي والإسلامي الكثير من المدن التي بنيت من الأساس على نمط معين وطراز استمد جماله من جمال الدول التي أسستها، وما بغداد ومدن الاندلس عنا ببعيدة فحتى الآن اسبانيا تفاخر وتعتز بتلك المدن والقصور ذات الحدائق البهيجة التي بناها أجدادنا العرب بل واتخذت منها مزارات سياحية تدر عليها الدخل الوفير.

الحاصل الآن في مدننا وقرانا أن من أراد البناء عليه استصدار ترخيص لا يراعي المواصفات المعمارية والتناسق مع بقية المباني في الحي أو المنطقة، حتى وإن راعى ذلك فبإمكان أي عتل أن يلغي ذلك بجرة قلم أو رنة تلفون، لا جرم فالجمال أصبح الآن شيئا مستقبحا وعلامة من علامات الضعف في زمن التخلف الذي نعيشه، وأكاد أجزم أنه لولا المنظمات الدولية مثل اليونسكو والخوف منها لرأينا العجب في صنعاء القديمة وشبام من بيوت للمسؤولين تشبه العلب الفارغة بأسوار ألمنيوم تطاول عنا السماء بحجج الستر والأمن.

هذا التشويه المعماري للمدن القديمة بدأ الآن يزحف على مدينة كريتر بعد أن اتى على بقية مدن عدن من خلال البناء العشوائي والبيوت ذات القمريات والأبواب الحديدية الزرقاء والأحجار الغريبة عن أحجار عدن.

تلك بعض من مظاهر البناء التي ترسخ قيم القبح وتقوم بعملية تلقيح قسرية لإنتاج مدن ممسوخة لا تاريخ لها يشهد على زمن مضى. هل من لفتة من أحد لعل جمال المنظر يساهم في إعادة إحياء قيم الجمال في النفوس؟ هل من قانون يمنع العبث بجينات مدننا؟ أم أن فاقد الشيء لا يعطيه حقاً.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى