كنوز لم تعد تُذكر

> علي محمد يحيى:

>
علي محمد يحيى
علي محمد يحيى
في عهد الرئيس السابق علي ناصر محمد، وخلال فترة رئاسته في حكم الشطر الجنوبي من الوطن، كنت إلى حد ما قريباً مما كان يعرض من أفكار جميلة تجمع ما بين الحس الثقافي والوطني.

ففي بدايات عام 1984 من القرن المنصرم، إن اسعفتني الذاكرة ، أصدر علي ناصر قراراً خطيراً وشجاعاً.. إلى حد علمي فإن قراره ذاك لم يكن قد أوحى له به أحد أو شارك طرف أو أطراف أخرى في اتخاذه. بل انفرد به بشجاعة ووطنية وحس ثقافي ووطني، وقد كان قراره ذا شقين: الأول أن كل الهدايا التذكارية المقدمة رسمياً من قبل الدول التي كانت تزورها وفود بلادنا في مهمات رسمية تمثل الدولة تعتبر- أي تلك الهدايا - هدايا رسمية تعبّر رسمياً عن أواصر العلاقات الطيبة بين تلك البلدان وبلادنا، ولذلك فإن من يمنح مثل تلك الهدايا بدءاً برئيس الدولة فالوزراء ونوابهم إلى رؤساء المنظمات الحكومية والشعبية الاخرى لا يحق لهم امتلاكها أو التصرف بها، باعتبارها ملكاً عاماً للدولة، وألزم القرار كل رؤساء الوفود عند عودتهم إلى الوطن ممن منحوا مثل تلك الهدايا التذكارية بأن عليهم عند وصولهم إلى مطار عدن الدولي أن يُسلموها إلى الجهة المختصة بذلك، والتي بدورها تتولى استلامها وإحالتها إلى رئاسة الجمهورية.

اما الشق الثاني من القرار فقد كان أن يتم تصميم وإنجاز واجهات زجاجية ضخمة (فاترينات) توضع في قاعة الاستقبالات الرسمية بدار الرئاسة، حيث يستقبل الرئيس ضيوف البلاد من الرؤساء والملوك والحكام وغيرهم وكذا استقبال السفراء الأجانب عند تقديم أوراق اعتمادهم أو انتهاء فترة تمثيلهم لبلدانهم، وأن يتم جمع وحصر وتصنيف كافة تلك الهدايا وترقيمها وتسجيلها إلى جانب ما كان محفوظاً في الوقت ذاته لدى مخازن دار الرئاسة من أعداد لا بأس بها من صنف تلك الهدايا.

ومن دواعي غبطتي حينها أن كلـّفني الرئيس علي ناصر إلى جانب سكرتيره الخاص المثقف جداً الاستاذ محمد السندي، تنفيذ كامل مستلزمات الشق الثاني من القرار وهي جمع وحصر وتسجيل كافة تلك الهدايا وبمساعدة آخرين، ومن ثم إعدادها للعرض كما جاء في القرار.

وما إن بدأنا عملية الجمع والحصر والتسجيل والترقيم لتلك الهدايا والتحف، فإذا نحن نجد أنفسنا أمام كم هائل من الكنوز التي فاقت التصور في تقدير قيمتها المادية. إذ أن من بين تلك الهدايا التذكارية والتحف عدداً من سيوف ذهب بمقابضها وأغمادها وأطقم أوانٍ للقهوة العربية وهي من الذهب والفضة الخالصة أيضاً. وكثير كانت تلك التذكاريات بحيث أخذت منا وقتاً وجهداً كبيرين للمقارنة والحصر. حتى كانت المرحلة اللاحقة وهي تصميم وإنجاز واجهات العرض الزجاجية الضخمة لتستوعب معظم تلك التحف. فكان أن تم تكليف معمل الالمنيوم والزجاج الذي كان يمتلكه رجل الأعمال المغفور له عبدالله منصور لإعداد تلك الفاترينات حسب التصميم الذي كنت أعددته بعد موافقة علي ناصر عليه، وكانت من الضخامة بحيث كان ارتفاعها يزيد عن ثلاثة أمتار تقريباً حتى كانت بعد ذلك المهمة الأخيرة والصعبة وهي ترتيب وعرض هذه الكنوز في الفاترينات بحيث تكون متجانسة ومتلائمة.

وأذكر أن من بين تلك الكنوز أيضاً التي انطبقت صورتها في الذاكرة أكثر من مصحف أغلفتها كانت صفائح من الذهب والفضة أهداها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود لعدد من قادة البلاد، وعلى رأسهم الرئيس علي ناصر، وأطقم قهوة عربية من الفضة مطعمة بالذهب مهداة من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وسيف تاريخي نادر جداً وأخر مُطـّعم بالذهب من الرئيس الراحل حافظ الأسد.

كان انجاز ذلك العمل الجبار حدثاً فريداً وتاريخياً في دار الرئاسة احتفل به كافة منتسبي رئاسة الجمهورية آنذاك، وظل القرار بعدها سارياً بإلزام الوفود أي كان مستواها تسليم هداياهم الرسمية إلى الجهة المختصة في المطار وهي بدورها تحيلها إلى الاخرى المعنية بعرضها تحت إشراف الأستاذ السندي الذي أحييه في هذا المقام.. وكان بالفعل قد أنجز متحفاً للكنوز حتى كانت أحداث 13 يناير 86م ومغادرة علي ناصر محمد لعدن مكرهاً، فكان أن سمعت أن بعض الخيرين من موظفي الرئاسة وحرسها قد قاموا بالحفاظ على معظم تلك الكنوز من خلال جمعها وحفظها في أماكن محصنة بالقرب من دار الرئاسة حتى تسارعت الأيام بعدها ولم نعد نعلم من بعد ذلك من أمرها شيئاً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى