تاريخ مختصر لكل شيء تقريباً

> فاروق لقمان:

>
فاروق لقمان
فاروق لقمان
خلال اجتماع في دبي الشهر الماضي دار الحديث عن الكتب المتميزة من أبي الطيب المتنبي، الذي لا يزال يشغل العالم، إلى قائمة أكثر الكتب رواجاً في الأعوام الاخيرة. أجبت بسرعة أن على رأسها حاليا يتربع كتاب المؤلف الأمريكي الأصل البريطاني الموطن بيل برايسون الموسوم (تاريخ مختصر لكل شيء تقريباً) وذكرت لهم الأسباب.

بيل برايسون عمل صحافياً في أكثر من جريدة لندنية منها «الإندبندنت» و«الفاينانشيال تايمس» وتزوج ممرضة إنكليزية ثم اصطحبها إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراساته الجامعية. بعد ذلك طاف في أرجاء موطنه من أقصى جنوب فلوريدا إلى الاسكا ليؤلف كتاباً بأسلوب جديد شيق فوجئ به يرتقي إلى أكثر كتب الرحلات نجاحاً شجعه على المضي في السفر والتأليف وجمع المعلومات. فألف عن أسترليا وطعّمه بمعلومات مفيدة وغريبة ومسلية. فهو كاتب معرفي يتعمق في المعلومة ثم يبسطها ليقدمها للقارئ بأسلوب لطيف ظريف وممتع.. وانتقل بعد ذلك إلى أصعب مهمة يمكن أن تصادف كاتباً.

ولما لم يكن الرجل متخصصاً في العلوم وتاريخ الإنسانية وطبقات الارض والفضاء والإلكترونيات ظل يبحث عن تركيبة جديدة يقدم بها تاريخ كل شيء تقريباً للقارئ دفعة واحدة بدون أن يسبب له الملل بعد خمسين صفحة أو أقل. كيف؟

بعدما قرأت ما نشرته الصحف الغربية عن الكتاب من أستراليا إلى أوروبا وأمريكا والهند وغيرها وصلني في اليوم الثالث ولم أتركه خارج أوقات العمل الرسمية حتى أنهيته وأنا في ذهول تام من فداحة المسؤولية التي حملها الكاتب على كاهله ليجمع تاريخ الكون في اربعمائة صفحة بأسلوب صحفي شيق وواضح ويستمتع به كل من أكمل المرحلة الثانوية - علوم أو آداب - ولديه معرفة باللغة الإنكليزية(التوفل) الأمريكي الذي يخول للفائز فيه بأكثر من خمسمائة درجة الالتحاق بالجامعات الأمريكية حتى البريطانية رغم أنه دون متانة شهادة الثقافة العامة GCE.

قُلت فداحة المسؤولية لأن الرجل بدأ بسرد قصة الكون والكواكب والأرض والحياة من أولها دون أن ينكر وجود الخالق الباري وقدرته على إبداع كل ذلك. يشير مثلاً إلى أن البروتون يمثل جزءاً لا يمكن حتى كتابته لصغره من الذرة لأن نقطة واحدة في هذا المقال يمكن أن تحتوي على خمسمائة ألف مليون بروتون.

ومن هناك أو من قبله يواصل مشواره ليحدث ملايين القراء الذين اشتروا كتابه عن حكاية الأكوان والألوان والمياه والأملاح والمعادن والأشجار وطبعاً المخلوقات ليس بأسلوب الاخصائيين ولا بأسلوب العالم الكاتب آرثر كلارك الذي اقترح فكرة الأقمار الاصطناعية في الاربعينيات التي أعطتنا سفن الفضاء والهاتف الجوال والفضائيات وآلاف الخدمات ومنها تصنيع الدواء في الفضاء الخارجي واستيطان المريخ ربما بعد منتصف القرن الحالي.

وشغف العالم بالكتاب الذي أتمنى على الجامعات اليمنية شراءه لتزويد مكتباتها به خدمة منها لمنسوبيها من الجنسين طبعاً - هل هناك جنس ثالث ورابع؟ نعم توجد في عالم المخلوقات ومنها من يستطيع أن يحول نفسه من ذكر إلى أنثى وبالعكس متى شاء.

ومنذ شهر - بعد اختياره رئيساً لجامعة درهام البريطانية - فاز بجائزة ديكارت الفيلسوف والعالم الأوروبي الشهير الذي اعتمد نظرية السبب والنتيجة ووجوب تقديم البرهان على كل شيء بقدر الإمكان. وقد تأثرت بفلسفته أجيال من الغربيين وبعض الشرقيين ومنهم الدكتور طه حسين الذي حوكم بسبب ما جاء في كتابه (في الشعر الجاهلي) لأنه كاد أن ينكر صحته وأصالته فاضطر إلى تعديل نظرياته وإعادة إصدار الكتاب تحت عنوان (في الأدب الجاهلي) وسأترك سرد المعلومات التي زخر بها الكتاب حتى لا أحرم القراء القادمين من الأساتذة والطلاب من متعة الاطلاع وأيضاً لأنني مهما سردت فلن أعطيه حقه.

قضى الرجل عدة سنوات في جمع المعلومات وهذه مهمة صعبة في حد ذاتها لكن حتى لو قلت أنها متوافرة في الإنترنت والمكتبات كما كانت في الماضي في الموسوعات- بريتانيكا وأمريكانا- فإن الرجل أفلح في تنظيمها وربطها وتقديمها متسلسلة، كما تفعل السيدة بالخيط والإبرة لتصنع كنزة صوف للمولود القادم بعد ثلاثة أشهر، بحيث كنت أنتقل من صفحة إلى ما بعدها من دون أن أشعر أنه يقفز من فكرة إلى أخرى عشوائياً كما يفعل بعض المؤلفين. كذلك فعل وهو يصل بالقارئ من البروتون والبكتيريا إلى الديناصور والفضاء الخارجي وهل هناك ما وراءه.

صحيح أن المعلومات موجودة وهو لم يبتكر جديدا كما فعل إسحاق نيوتن، صاحب نظرية الجاذبية، والبرت إينشتاين، صاحب النسبية، وعباقرة التلغراف والهاتف والكهرباء فهو ليس مبدعاً كمبتكر الطاقة البخارية، بل بقدرته على الجمع والربط والشرح والتبسيط، مما أجبر العلماء الجامعيين على الإشادة به وهو صحافي غلبان أصلاً لأنه بدأ يعمل منذ بداية السلم المهني في مهجره بلندن بعدما غادر الولايات المتحدة.

مرة أخرى أدعو الإخوة رؤساء الجامعات اليمنية إلى توفير كتاب (تاريخ مختصر لكل شيء تقريباً) short History of Nearly Everything لكافة المنسوبين مع توصية لمدرسي العلوم بتسهيل فهم ما قد يبهم عليهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى