مع الأيــام..محسن بونشطان في رحاب الخالدين

> علي ناصر محمد:

>
علي ناصر محمد
علي ناصر محمد
قبل أيام غيب الموت المغفور له بإذن الله الشيخ محسن أبو نشطان- رحمه الله -ووقع النبأ على قلبي كالصاعقة، فقبل موته بأيام قليلة كنا معاً في دمشق حيث أجريت له عملية جراحية ناجحة، وكان يعيش فترة نقاهة، ويتماثل للشفاء، لكنه كان يحتاج إلى مزيد من الراحة.

وعندما أعرب لي عن عزمه على العودة إلى صنعاء، وإلى أرحب، موطنه ومسقط رأسه، ومرتع صباه، وموقع رجولته نصحته بالتريث وتأجيل عودته حتى يتماثل للشفاء تماماً. ولكن يبدو أن الحنين إلى الوطن، وإلى الأهل كان يلح عليه على الرغم من شعوره بأنه يحتاج إلى مزيد من الراحة، وهكذا كان حنينه، ونداء خفي يدعوانه بإلحاح إلى العودة مما هو أقوى من حرصه أو من نصائحنا له بتأجيل ذلك.. وهكذا ما إن عاد إلى أرض الوطن، ووطئت قدماه مرتع طفولته وصباه، ومواقع شبابه، ورجولته وكهولته، ورأى الأهل والأحباب حتى ارتاح قلبه، ووقف عن الخفقان، فكان قضاء الله الذي لا راد له.

في عام 1978م تعرفت لأول مرة بالشيخ محسن أبو نشطان - رحمه الله - عندما قدم إلى عدن برفقة عشرات الآلاف من الشيوخ ورجال القبائل والمواطنين قادمين من شمال الوطن برئاسة الشيخ مجاهد القهالي.

أذكر الآن، كيف استقبلت مدينة عدن الباسلة، هؤلاء المناضلين القادمين إليها من شمال شمال الوطن، كاسرين حاجز العزلة بين شمال الشمال والنظام في جنوب الوطن، مطالبين بالوحدة اليمنية.

كانت عدن كعادتها، كمدينة تجسد الوحدة الوطنية والوحدة اليمنية، تعبر في استقبالها لهؤلاء، عن أصالتها اليمنية الوحدوية التي كانت وماتزال عليها على الدوام، حين استقبلت في خمسينات القرن العشرين المنصرم واحتضنت قادة حركة الأحرار، كما احتضنت فيما بعد أبطال حركة التحرر العربية من سائر الوطن العربي.

يومها تحولت عدن إلى عرس وطني، وهي تستقبل، لا بل وتحتضن أبناءها القادمين من شمال الوطن بحب ووفاء لامثيل لهما.. يومها تأكدت بأن شعباً كهذا تواقاً للوحدة والتلاحم، لا يمكن أن يهزم أو يثنيه شيء عن ذلك.. ولكن جرت منذ ذلك الحين تحت الجسر مياه كثيرة.

استمرت علاقتي بالشيخ محسن أبو نشطان طوال هذه السنوات، وكنا نلتقي على الدوام، إما في عدن، أو في صنعاء، أو في دمشق، 28 عاماً تقريباً، جمعتني بالراحل الكبير، كان خلالها مثالاً للطيبة والتواضع، والكرم الذي لاحدود له، وللشجاعة التي يعرفها كل من عرف المرحوم، أو عايشه عن قرب، أما وفاؤه فلا نظير له. وقلما تجد رجلاً تجتمع فيه كل هذه الصفات الحميدة دفعة واحدة. وكان يفعل ذلك كجزء من شخصيته، وكشيء أصيل فيه، من دون ادعاء أو افتعال، كان صديقاً وفياً في الزمن الصعب، رجلاً بكل ما تحمل كلمة الرجولة من معاني الأصالة والشجاعة والكرم، ومن قوة وعنفوان يذكرانك دوماً بالأرض والشعب اللذين ينتمي إليهما.

قد لا تفي هذه الكلمات الشيخ محسن أبو نشطان كل حقه، فرجل مثله ضاربة جذوره في هذه الأرض الطيبة يستحق كل الحب والاحترام الذي يحظى به من شعبه اليمني.

لقد خسرت أخاً وصديقاً عزيزاً ووفياً، وخسر الشعب اليمني الذي ينتمي إليه، وناضل في سبيل قضاياه رجلاً وطنياً من معدن أصيل ونادر، وعزاؤنا أن أبناءه وأولاده الذين تربوا في كنفه، وتخرجوا في مدرسته، مدرسة الوفاء والأصالة سيواصلون ويسيرون على نهجه، وفي مقدمتهم ابنه البكر البار (نزيه).

خاض الشيخ محسن أبو نشطان في حياته العديد من المعارك، وفي كل مرة كان قريباً من الموت والشهادة وخاض معاركه بقلب رجل شجاع، مؤمناً بما يقاتل في سبيله ومستعداً للشهادة من أجل ما يؤمن به، ولكثرة ما خاض من معارك وما شارك به من قتال، فإن الموت ظل بعيداً عنه، وكأني بلسان حاله يقول: «اطلب الموت توهب لك الحياة» لكن الرجل لم يكن يطلب الموت من أجل الموت فقط بل من أجل الحياة الأفضل.

وقد لعب المرحوم دوراً في إرساء تجربة التعاونيات التي بدأها الرئيس إبراهيم الحمدي رحمه الله، وكان مؤيداً ومباركاً لها ويردد دائماً أن تجربة الحمدي أجهضت بمقتله.

وعاش بو نشطان ورأى الوحدة حقيقة ماثلة يعيشها الشعب اليمني الذي كافح في سبيلها.. وأظنه حين وافته المنية مات مرتاح الضمير، لأنه رأى بعض أحلامه وأحلام شعبه تتحقق، وأن العمر لم يضع سدى. وهكذا هم الرجال من أمثال الشيخ محسن بو نشطان رحمه الله تعالى وغفر له.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى