مرآة خدام... لا يجب أن تُحطم!

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
في ظني الشخصي، أن كل ما فعله نائب الرئيس السوري السابق، عبدالحليم خدام، من خلال مقابلته (المفاجئة) مع قناة العربية، أنه قام بوضع (المرآة) على حائط الحقيقة، فنظر من خلال كل القائمين على سوريا إلى أنفسهم وأشخاصهم وأفعالهم، وحينما لم ترق لهم جميع مكونات الصورة البشعة، التي تجسدت أمامهم في لحظة الحقيقة، قاموا بكسر المرآة وتحويلها إلى شظايا، قبل أن يتهموا واضعها بـ (الخيانة العظمى)!!

إن اتهام خدام بالخيانة العظمى، والمطالبة بمحاكمته (رسمياً وشعبياً)، ورص صفوف أعضاء مجلس الشعب، والاستماع إلى خطاباتهم (الحنانة - الطنانة) التي تستحضر في لحظات من الغيبوبة والانقطاع عن العالم جميع مفردات الماضي بكل عنفوانه وهيجانه وصخبه، لن يلغي حقيقة الوضع العام في الشقيقة سوريا، كما لم يستطع هذا الأسلوب ذات يوم أن ينقذ صدام ونظامه من الانهيار السريع، وهو بالمناسبة وضع (مطابق تماماً) لوضع كثير من الأنظمة العربية التي ترفض مجرد النظر لمرآة مماثلة، يمكن أن يقوم بتعليقها على حائط الحقيقة شخصية وطنية (مبعدة قسراً أو مبتعدة بإرادتها) كعبدالحليم خدام .. مثلاً، قبل أن تتحول إلى شخصية (خائنة وعميلة) وربما مجنونة.

شخصياً لم يفاجئني خدام في كل ما قاله، ولا أعتقد أن أحداً حتى في سوريا الشقيقة، بمن فيهم من خطب في مجلس الشعب، قد تفاجأ إلى هذا الحد أو ذاك من مضامين ما قاله خدام، ولربما أن أحداً لم يكن يتوقع أن يكون سقف (الفساد) ورعونة التعامل مع (الداخل والخارج) مرتفعاً إلى هذا الحد الذي تحدث عنه الناجي بإرادته من السفينة التي تتقاذفها الرياح والأمواج العاتية.. وفي ظني أيضاً، أن هناك الكثير مما لدى الرجل، والذي سيقوله بكل تأكيد (لمن يهمهم الأمر) في المنطقة، وهو الذي سيشكل المفاجأة الحقيقية في مجمل الحدث، ولعل أهم مكونات هذا (المهم) تتركز على حقيقة أخرى، تحدث عنها خدام بشيء من الذكاء والواقعية، ومفادها أن أحداً في سوريا لا يمكنه أن يقوم بأمر ما دون علم أركان النظام!!

النصيحة الصادقة والأخوية التي يمكن أن تقدم لسوريا (النظام) هي أن يعود بنفسه وإلى إعادة تعليق المرآة التي هشمها في لحظة انفعال، ليعلق بديلاً لها على حائط الحقيقة، ثم عليه بعد بذلك أن ينظر مليا إلى كل تفاصيل الصورة البشعة، على أن يحدد مكامن الضعف والاختلال والتشوه فيها، قبل أن يضع بواقعية شديدة (الروشته العصرية) للعلاج، التي تتطلب لوضعها مشاركة جميع القوى السورية في الداخل والخارج بمن فيهم عبدالحليم خدام نفسه، فيما يمكن أن يطلق عليه عملية (إصلاح سياسي واقتصادي وإداري شامل).

أما مسألة الهروب إلى حافة الهاوية، كما فعل مجلس الشعب، فلن تنقذ سوريا مما هي فيه، ومما تعانيه عملياً من صعوبات ومشاكل، سوف تتراكم- بكل تأكيد - بشكل أسرع مما تتوقعه القيادة السورية نفسها، التي عليها أن تعتبر من الملف العراقي، خاصة في شقه الذي يحكي لها كيف كانت صورة (النفاق السياسي) ودرجته في قصور صدام، التي تطايرت كفقاعات الصابون في الساعات الصعبة.

وإذا كان خدام بمرآته قد كشف (المستور والمستخبي) الذي ظننا أنه سينكشف ذات يوم، ولكن ليس بهذه السرعة، وليس بهذه الطريقة الدراماتيكية، فإن مرآة العام المنصرم 2005م، أبت هي الأخرى أن تغادر إلا وقد عرضت علينا وعلى العالم أجمع، صورة عربية أخرى، تكتسب أهميتها في التأكيد على حقيقة أن الوضع العربي الرسمي العام في حالة تطابق كاملة، وإلا لما شاهدنا الشقيق الأكبر، يقوم بتكسير عظام وكرامة شقيقه الأصغر أو الأضعف في حادثة تفريق (الاعتصام السلمي) للاجئين السودانيين.

لقد كانت حادثة التفريق أو (المجزرة) التي أودت بحياة 25 شخصاً، بينهم أطفال ونساء من السودانيين، دليلاً على أننا نحن العرب لا زلنا نعيش خارج سياق التاريخ وتغيراته، ولا زالت الهراوات التي استخدمت لتكسير عظام المساكين تؤشر - للداخل والخارج - أن تلك اللغة (لغة العصا الغليظة) لازالت هي الوسيلة الوحيدة التي (تفهمها) هذه الأنظمة، وتجيد التعامل بها مع شعوبها العربية المضطهدة، وإن كانت تخشى في الوقت نفسه إلى حد (الموت) أن ترفع في وجهها ذات يوم من خارج الوطن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى