استراتيجية تنمية عدن: تكنوبارك وسياحة عائلية

> فاروق لقمان:

>
فاروق لقمان
فاروق لقمان
في عدد جريدة «الأيام» الزاهرة بتاريخ 21 ديسمبر 2005م قرأت باهتمام خاص التقرير الخبري عن اجتماع سعادة المحافظ د.يحيى الشعيبي في (الورشة التعريفية باستراتيجية التنمية الاقتصادية المحلية لمدينة عدن). وشد انتباهي النقاش الذي جرى حول الخطة الموضوعية المستهدفة للرقي بالعاصمة الثانية والميناء الحر القادم الذي كان من أبرز الموانئ في العالم منذ العام 1850.

أعجبني حرص السيد المحافظ على تأكيد اعتماد الواقعية في التنظير ووجوب التطبيق على الواقع، لأن البرنامج المطروح في العمود الخامس من الخبر كان يتسم بطموح بالغ رحبت به طبعاً، مع أنني أشفقت على واضعيه عند التعامل مع الواقع في الأعوام المقبلة، وتمنيت لهم كل التوفيق بإذن الله إذا ما تحالفت عدة عوامل على إنجاح جزء يسير منه. وسأبدأ إذاً بالجزء اليسير من واقع معرفتي بتجارب الآخرين.

قد لا تتسع عدن بحدودها الحالية لكل ما جاء في العمود الخامس من طموحات، لكنها قادرة على الشروع بإعداد خطة متواضعة في البداية لما رأيته منذ مراحله الأولى إلى أن وصل إلى نقطة النجاح أو التعادل كما يقول المحاسبون في تقدير الوضع الحالي بالنسبة لأي مشروع من مصنع إلى جريدة يومية.

المشروع هو ما يسمى بالإنكليزية تكنوبارك Techno Park أو حرفياً مجمعا تقنيا يضم تقنية المعلومات Information Technology يجمع بين التعليم والتصنيع والتوزيع المحلي ثم التصدير.

شاهدت ذلك في سنغافورة أولاً التي بهرت العالم بنجاحها وهي مجرد «دولة المدينة» كما كان يسميها أفلاطون, لأن مساحتها لا تتجاوز ستمائة كيلومتر مربع وتضم ثلاثة ملايين جل البالغين فيها من خريجي المعاهد العلمية والجامعات. وعندما استقلت هونج كونج الصينية عن بريطانيا التي اشترطت على الصين الإبقاء على حرية المستعمرة خمسين عاماً دون المساس بأي من مؤسساتها، رحبت سنغافورة بأي خريج علوم صيني يود الهجرة إليها بكافة حقوق المواطنة وواجباتها. ونجحت تجارب زعيم سنغافورة الفذ لي كوان يو إلى أقصى الحدود إلى حد أن أكثر من تسعين بالمائة من العائلات تمتلك مساكن خاصة أو مستأجرة من الدولة لعدة سنين تنتهي بالتملك الكامل. وطبعاً كل فرد فيها نال قسطاً وافراً من التعليم.

بعد ذلك قلدتها ماليزيا الجارة الكبرى وفتحت جزيرة بننانج (35 دقيقة بالطائرة من العاصمة كوالالمبور) وبنت تكنوبارك ورحبت بالشركات العالمية وأغلبها يابانية بالاستقرار فيها لتصنيع منتجاتها وتصديرها.

واليوم تجد جهاز تلفزيون مصنوعاً في بننانج بنصف سعر مثيله بنفس الماركة إنتاج طوكيو وأوساكا. وقد تحولت الجزيرة السياحية أصلاً، ولا تزال، إلى منطقة صناعية تقنية حرة من الطراز الأول.

ومدينة بنجالور في جنوب الهند إحدى أشهر حكايات النجاح في تقنية المعلومات، وتحتوي على بعض الشركات تحتل الذروات العالمية صناعة وتوزيعاً وأيضاً كأكبر منبع للعمالة المتخصصة في المعلومات ومصدراً لا يستغنى عنه للنظم الإلكترونية جعلت أغنى رجل في العالم بيل جيتس صاحب شركات مايكروسوفت يعتمد عليها ويستثمر المليارات فيها حالياً وعلى مدى الأعوام القادمة.

وفي عام 1999م وصلت إلى عاصمة ولاية كيرالا «تريفاندرم» ولما كانت مزدحمة بالسكان والعربات وملبدة بعوادمها طلبت الخروج منها بسرعة. فأخذني كبير مراسلينا إلى ضاحية جميلة نظيفة اسمها تكنوبارك للزيارة وإجراء حديث إن أمكن، وقيل لي إنها بداية تكاد تكون حجر الأساس لمدينة معلومات، ولم يمر العام 2003م إلا وهي كما نقول عامرة سامرة بأحدث النظم ومنجم عمالة مطلوب عالمياً وعدة معاهد راقية.

وهكذا حدث لمدينة أخرى إلى الشمال منها «حيدر أباد» ولما ازدهرت تقنياً لقبوها «سايبر أباد» لأن كلمة سايبر باليونانية تعني كمبيوتر، وتطورت كل مجالات العيش والعمل والسياحة فيها حتى أن مغترباً يمنياً صديقاً شرع في استثمار قطعة أرض واسعة قدمتها له الحكومة لبناء فندق خمس نجوم أو أفضل كما قال لي شخصياً قبل أن يعلن الخبر في مؤتمر صحفي بجدة قبل أشهر.

والأمثلة عديدة والمخططات متوافرة والخبرات جاهزة للانتقال إلينا إذا ما قررت اللجنة التي يرأسها سعادة المحافظ أن تمضي قدماً خطوة خطوة نحو بناء تكنوبارك من معهد حديث للتعليم وصناعات نظم مع توفير أقصى ما يمكن لها من أمن وسلامة، لأن حادثاً واحداً كريهاً سيكون كافياً لإجهاضها.

هذه واحدة تكنوبارك.

الثانية، ضمن الخطة الطموحة جداً لكنها في متناول اليد، هي التخطيط الجاد لجعل عدن وضواحيها منطقة جذب سياحي عائلي، لأن عدن شبه جزيرة زاخرة بالشواطئ البلورية التي لم تلوثها الصناعات التي تقذف بعوادمها إلى البحر كما أن مياه المجاري لم تؤثر فيها، ولما انسحبت بريطانيا منها وأخذت معها عشرات الألوف من العائلات تحولت الشواطئ إلى جنان أرضية على أهبة الاستعداد للتحول إلى بينانج أخرى وشرم الشيخ والغردقة، إذا ما حصلت على التخطيط الواقعي السليم والاسثتمار بواسطة القطاع الخاص بالدرجة الأولى. وطبعاً ومرة أخرى وثالثة ورابعة الأمن والسلامة للسياح الذين سيجدونها أكثر إغراءً بدون إسفاف، وأقرب مسافة من الشواطئ الشرقية الممتدة من جنوب الهند- كوفالام- إلى تايلند- بتايا وفوكيه وبقية دول المحيطين الهندي والهادي.

وأقترح أن يقتصر الدور الحكومي على الطرقات والبنية التحتية والتشجير، وترك التعمير والصيانة بعد ذلك للقطاع الخاص المحلي والأجنبي فهو أقدر وأجدر على الحفاظ على ماله وراحة بال أصحابه إذا ما تحققت العوامل الأخرى الضرروية للنجاح.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى