بإجماع المشاركين في ندوة مركز دراسات المستقبل حول (الوحدة اليمنية: المسار والمستقبل):مطالبة بمشروع سياسي للفترة المقبلة وتنفيذ برامج اصلاحية

> عدن «الأيام» خاص:

>
المشاركون في ندوة (الوحدة اليمنية: المسار والمستقبل) في عدن أمس
المشاركون في ندوة (الوحدة اليمنية: المسار والمستقبل) في عدن أمس
انعقدت صباح أمس بمحافظة عدن ندوة (الوحدة اليمنية: المسار والمستقبل) التي ينظمها مركز دراسات المستقبل بمشاركة عدد كبير من الشخصيات السياسية والأكاديمية والثقافية والإعلامية والاجتماعية بهدف الوقوف على رؤى مختلف ألوان الطيف اليمني ازاء تحديات الحاضر وتطلعات المستقبل المأمول.

وافتتحت الندوة، التي شهدت مداخلات عدة ونقاشات من قبل المشاركين، بكلمة للأخ د. فارس السقاف، رئيس مركز دراسات المستقبل، أكد في مستهلها على استقلالية المركز كمؤسسة بحثية تعنى بمختلف قضايا الشأن اليمني اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، موضحا أن أهمية الندوة تنبثق من مصيرية الوحدة اليمنية كمنجز تعدى مرحلة التحقق الى مرحلة الصرح الراسخ الذي ينبغي البناء عليه للمستقبل المأمول وصولا الى جوهر الوحدة المتمثل في تحقيق مصالح كافة أبناء الوطن.

وتمحورت مداخلات ونقاش المشاركين في الندوة حول ورقة عمل أعدها الزميل د. هشام السقاف بعنوان (الوحدة اليمنية والديمقراطية) جسدت في مضمون طياتها الضمير الجمعي للمجتمع اليمني بمختلف فئاته، وجاء فيها: «الإتيان ببراهين القطع والجزم لما شكلته وحدة اليمن من هاجس دائم ومؤثر في التكوين النفسي للانسان اليمني، وبالتالي في تفكيره ومسلكه، يغدو تكرارا لحقيقة ناصعة لا ينكرها الا جاحد.. وبالعودة الى أسفار التاريخ اليمني، سنجد ما هو أكثر دلالة من فترات التوحد السياسي التي عاشها اليمن: التشكيل السيكولوجي للانسان في اليمن متماهياً بالذهينة القائمة غريزياً على حقيقة وحدة الارض والانسان اليمني بغض النظر عن التقطع او الوصل، فالثابت ان الوحدة اليمنية اصحبت (هاجساً رومانسياً أبدياً في وجدان الشعب اليمني، إنها الآمال الكبار التي تجسدت تاريخياً بتلاقح الانسان اليمني الفاعل مع الطبيعية الخصبة الخضراء وبمقدار الممارسة العملية للانتاج والابداع البشريين كانت تتشكل رويدا رويداً أحلام التوحد للارض والانسان من خلال وحدة التعدد والتنوع، تنوع السهل والجبل، الماء والخضرة ومياه البحر ورمال الصحراء وحبات المطر «الحياة» عبر قنوات وسدود تحيي الارض والانسان وتبدع حياة روحية واقتصادية واجتماعية وحضارية لليمنيين وللعالم. ومن هنا لا نغالي في القول بأن الوحدة اليمنية اصبحت عملاً يومياً وخبزاً يومياً وهماًُ يومياً وحلماً يومياً للانسان اليمني عبر مسيرة التاريخ اليمني على الجغرافية الطبيعية اليمنية رغمكل عوادي العزلة والاعداء والانتكاسات والزمن) محمد سعيد شكري، محطات ومواقف للثورة اليمنية في تطورها التاريخ والمستقبلي، وثائق ندوة الثورة اليمنية، ج1، 2004م، ص 222. والاستنتاج ان الفكر قد اشتغل يمنياً على هذا الاساس بأبعاده الجمالية والتحريضية والسياسية من المرويات والاشعار والزوامل والغناء الى المنشور والبيان والبرامج الحزبية والتنظيمية وكأننا -هنا - مجبولون على إفصاح مكنونات ذواتنا، ابتداءً من (صرخة امرئ القيس المدوية في المكان والزمان من دمون- إنّا معشر يمانيون وإننا لأهلنا محبون) شكري، المرجع السابق ص 223، من ثنايا كندة وصحراء حضرموت الى ثنائية الحادي والعيس في لحج المحروسة بعد رحلة الموافاة بالخير، بين ذهاب وإياب، بين الجبل والبحر في رحاب اليمن:

تقول عيسي وقد وافيت مبتهلاً

لحجاً وبانت الاعلام من عدنِ

أمنتهى الارض يا هذا تريد بنا

فقلت كلا ولكن منتهى اليمن

فالعدون هنا، في منتهي الارض، عدن مدعاة لقراءة الاسفار والتاريخ المتحرك لمدينة أوقدت جذوة الفعل الوطني الوحدوي باكراً ليخترق عزلة رهيبة غطت مساحة الفضاء السياسي في اليمن، بسبب من أحكام قروسطية متخلفة ارتضاها الإمام ان تكون حماهُ من نور عميم يحاك نسجة وخيوطه بأيدي ابناء اليمن. فكان لابد من صنعاء وان طال السفر انطلاقاً من عدن التي (شكلت مركز جذب للقوى العاملة بينما شكلت المنطقة اليمنية الداخلية مراكز طرد لمعظم اليمنيين الذين عانوا ضيق الحياة في ظل مساوئ نظام الامامة في الشمال، ومساوئ النظام الاقتصادي في الجنوب، فأدى هذا التوجه نحو عدن، الى كثافة سكانية يمنية في المستعمرة شكلت مساهمة فعلية في التصدي لمخططات بريطانيا وتحدياً لأبعادها السياسية المستقبلية وذلك بتغليب العنصر العربي على الأجنبي) شفيقة عراسي، وحدة الارض والانسان عبر التاريخ، الندوة العلمية فبراير 2001م، عدن ص 123، فأعطى أبناء هذه المدينة صورة واضحة لمواقفهم الوحدوية المبكرة باحتضان الثوار والاحرار القادمين اليها هرباً من بطش الظاغية وشكلوا جميعاً لحمة وطنية واحدة، بالرغم من افتقار بعض التجمعات السياسية المبكرة لنضوج الفكرة الوطنية في برامجها النظرية لاعتبارات قد تكون مبررة حينها. الا ان الامر برمته لم يكن حجراً يرمى في مياه آسنة، بقدر ما كان خصالاً من تكاملات متوائمة بالقول والفعل والاستفادة من معطيات مدينة عصرية، بالنضال السلمي بشتى الوسائل القانونية المتاحة التي تفضي الى كسب لصالح الارادة اليمنية الواحدة. يقول الحاج عبده حسين الادهل: (..على الرغم من القانون البريطاني الذي يحرم العرب غير مواليد عدن من دخول المدارس الحكومية في عدن، فإن هذا القانون لم يعجز الاسر العدنية من التعاون مع الاخوة الاشقاء العرب غير مواليد مدينة عدن ومعظمهم من الشمال ومناطق الجنوب الاخرى التي عرفت بالمحميات، وذلك بإضافة أسمائهم الى البطاقة العائلية- السكونية) المرجع السابق ص 125-126. كما حرص رجال المال في عدن على تأسيس مدراس أهلية توفر التعليم الاساسي لأبناء اليمن من الوافدين الى عدن وحرموا من القبول بالمدارس الحكومية، فشيدت مدارس: مثل مدرسة بازرعة الخيرية، ومدرسة الانقاذ الاسلامية، والمعهد الاسلامي، والمعهد التجاري، المدرسة الاهلية، مدرسة النهضة العربية، معهد الحصيني وثانوية بلقيس (المرجع السابق ص 127).

وقد يطول المكوث بناء اذا أقمنا سنة البحث في المواقف الوطنية، للافراد والجماعات، الاحزاب والتنظيمات السياسية، النقابات والجمعيات الاهلية، التعليم والصحافة العدنية في فتر ة نهوض شهدتها المدينة العريقة بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) انطلاقاً من وهج الاعتمال الحضاري والحياة المدنية حيث تبلورت الرؤى والاتجاهات السياسية الوطنية باطراد، في عدن وغيرها من المدن اليمنية في الشمال والجنوب، في سياق الخط المتصاعد لترمومتر الحركة الوطنية اليمنية وصولاً الى احداثيات الثورة اليمنية في الشمال والجنوب على السواء، فكانت هذه الثورة (فعل اجتماعي على مستوى عال من الخصوصية لم تكن ولن تكون تحت وصاية ايديولوجيا مذهبية لانها -أي الثورة- وهي بالمفهوم السابق فعل اجتماعي جاءت كثورة ضد المذهبية، وحتى عندما حاول أعداؤها توظيف المجتمع المحلي المذهبي لنظام الامامة، كان انتصار الثورة وبقاء الجمهورية عام 1970م هو انتصار حقيقي على الايديولوجيا المذهبية للنظام السياسي الامامي الى الابد) شكري، المرجع السابق ص 218.

وفي حال افتقار الثورة والنظام السياسي الذي جاءت به لتغطية ايديولوجيا معينة وواضحة (الشمال) فإن الخط الوطني الآخر لما اسفرت عنه الثورة في (الجنوب) قد استطاع -منذ البداية- ترسيخ مدامكه على اساسيات عقائدية وايديولوجية. وظل -في الحالة الاولى- (الهم الايديولوجي لنظام الحكم في الجمهورية العربية اليمنية يعكس هماً سياسياً واجتماعياً حتى ظهر الميثاق الوطني وقيام المؤتمر الشعبي العام بقيادة فخامة الاخ الرئيس علي عبدالله صالح عام 1982م) المرجع السابق ص 218 . على أن لا نغمط نظامي الحكم في صنعاء وعدن من حق مكتسب لا يتنكر للوحدة اليمنية على المستوى النظري على الاقل. بينما كانت افرازات الخصام السياسي لنظامين متباينين -وقد وصلت الى ذروة الاقتتال الفعلي مرتين عام 1972م و1979م- تخرج كما يخرج الطيب من الخبيث: برؤى توحيدية، ان بالاتفاقيات الموقعة بين الشطرين، او تفعيل عمل اللجان الوحدوية وصولاً الى دستور دولة الوحدة، وكأن الوحدة بالنسبة للشعب اليمني البلسم الشافي لأوجاع الاحتقان والمواجهة والاقتتال، فقد خرج بشطريه من مأزق حرب الى مائدة التفاوض والحوار البناء بين أبنائه، لنصل الى موعد قدري عظيم، تاريخي بكل الدلالات، وببصمات يمانية واضحة، يتحقق فعل الوحدة اليمنية يوم الثاني والعشرين من مايو 1990م بإسناده الى مشروعيته التاريخية المأصلة عمقاً في وجدان الانسان اليمني قديماً وحاضراً ومستقبلاً، فارتفعت راية دولة الوحدة في ذلك اليوم المشهود على يد فخامة الاخ الرئيس علي عبدالله صالح في سماء مدينة عدن، دون ان يغفل الجميع نجاعة مواءمة الوحدة بمبتكرات عصرية لايمكن السير دونها، وأعني الديمقراطية باعتبارها (نسق خاص لتنظيم العلاقات الإنسانية له هياكله السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي حسب التعريف الشائع حكم الشعب بالشعب وللشعب) المرجع السابق ص 241.

وفي أكثر من مناسبة، يكون التأكيد على الديمقراطية رديفاً حياً ومتحركاً لفعل الوحدة اليمنية، آت من أعلى المرجعيات السياسية فخامة الاخ الرئيس علي عبدالله صالح صاحب الرؤية الواضحة بشأن التسريع بخطى السير على رقعة التقدم والتنمية مشفوعاً بآلية الجديد المتحرر على حساب آلية القديم المتخلف الذي يخسر مواقعه التقليدية يوماً بعد يوم. لكن الدخول الى بوابات العصر الجديد ليس سهلاً بمثل هذا الزخم الذي مثلته الوحدة: بدمج دولتين، واتساع متطلبات الحياة العامة للمواطنين في ظل موروثات لا يستهان بها ظلت عالقة بجسد الوطن المتوحد من بقايا الكيانين السابقين، ناهيك عن خليط العلاقات الاجتماعية القائمة على الولاءات القبلية والعشائرية التي لم تؤثر فيها برامج الدولة اليمنية الحديثة، واستطاعت هي ان توثر سلباً في البنى القانونية للدولة. ويضاف الى ذلك طبيعة النظامين السابقين لشطري الوطن، والتغذية الخارجية، مع طبيعة المتغيرات الدولية منذ العام 1989م، علاوة على مصاعب الحياة الحزبية في اليمن سواء في الاحزات القديمة او التقليدية او الجديدة، من حيث تعقيدات الانتماءات الحزبية والفكرية، وعدم وجود الحياة الديمقراطية داخل هذه الاحزاب مما يلقي بظلاله على التجربة الديمقراطية الوليدة، مع هشاشة الاقتصاد وطابعه الاستهلاكي، والتفاوت في التنمية بين الريف والمدينة وارتفاع نسبة الامية.. الخ مما يؤثر على البنى الاجتماعية للاحزاب والعملية الانتخابية في الترشيح والتصويت، فسوف تتحكم في التصـويت ظـروف المجتمـع بكل تعقيداته.

ولكن ما نراه من صعوبات ترمي بظلال قاتمة على التجربة الديمقراطية مما قد يوحي برداءة الفكرة الديمقراطية والوحدة، هو خلط للاوراق واساءة للوطن والانسان على السواء، بالتصوير المبالغ للازمات وكأنها عصية على الحل. فليس غائباً ان الارادة السياسية ممثلة بـ «كاريزما» فخامة الاخ الرئيس علي عبدالله صالح تستطيع ان تفعل الشيء الكثير لإصلاح أوجه الخلل والاعوجاج الذي يلازم التجربة، وبدعم واسناد من الشعب الذي يتوق للتغيير الاجتماعي نحو الافضل. وللتدليل على صحة ما نذهب اليه فإن الاجراءات الاخيرة من اقالة محافظين ومسئولين كبار على خلفية حوادث خطف الاجانب من بعض ضعاف النفوس، والتوجيه الرئاسي بإلقاء القبض على متهمين بقتل على خلفية نزاعات على أراض في عدن ولحج واخلاء معسكرين في عدن لصالح تحديث المدينة وتأهيلها وتطويرها هي عبارة عن مقدمات لمتغيرات آتية تصب في طاحونة الإصلاح المنتظر.

ونرى ان يكتسب زخم الإصلاح وضع حد لعدد من المنغصات التي يلجأ اليها البعض ممن يتصيدون الاخطاء للاضرار بقضايا وطنية راسخة في الضمير الجمعي للشعب اليمني، مثل: - التلاعب بأموال الشعب من قبل بعض المرابين والمرتشين في الجهاز الاداري للدولة ومحاسبة هؤلاء وكل من يتورط في أعمال غير شرعية.

- حل مسألة المبعدين من وظائفهم واحلال الكفاءات من أبناء المحافظات في محافظاتهم وتعزيز خطوات الحكم المحلي الواسع الصلاحيات ليغدو بديلاً عن المركزية الشديدة التعقيد والتي تفسح مجالاً للفساد الاداري والمالي.

- وضع حل لمشاكل الاراضي في لحج وعدن بعيداً عن المضاربة والتلاعب اللذين يقوم بهما بعض السماسرة والمتنفذين والمتسترين وراء الوظيفة العامة بما يخدم أبناء هاتين المحافظتين والملاك والمستثمرين الحقيقيين.

- وضع رؤية سياسية للمرحلة القادمة بالاستفادة من المهام الماثلة أمام القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني سواء في البرامج او التصورات الإصلاحية بعد تنقيتها من الغلو والمبالغة والترصد واحتكار الحقيقة، وافساح مساحة للحوار والتعاون المشترك لصالح الوطن، وبما يعزز نهـج الشراكة الوطنية والديمقراطية اليمنية».

وخلصت مداخلات ونقاشات المشاركين في الندوة الى التأكيد على مصيرية الوحدة اليمنية، ووجوب وضع مشروع سياسي للفترة المقبلة بمشاركة كافة قوى المجتمع اليمني، وتنفيذ اصلاحات جدية تدعمها إرادة سياسية في مختلف القطاعات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى