> عند زيارة مدينة رائعة مثل عدن يتوقف الإنسان أمام مجموعة من العلامات التي تعطي للمدينة نكهتها، وترقص أمامه شواهد الروعة فيها بدءا بالجغرافيا بحراً وبراً، ومعالمها التاريخية، وبالمثل بساطة أهلها وجمال روحهم، كما إن لمقايلها ورموزها السياسية والإعلامية جاذبية يصعب تجاوزها، ولعلي عند زيارة عدن أجد من الصعوبة أن أتجاوز علامتين أصافح من خلالهما هذه المدينة، الأولى هي منتدى «الأيام»، والثانية عصام سعيد سالم، فيا ترى كيف سيكون طعم عدن بغير عصام سعيد سالم؟ كيف بالإمكان دخول صحيفة «14 أكتوبر» دون سماع صوت أبي إياد من داخل مكتبه يقهقه وهو يمزح مع هذا الصديق أو ذاك؟

إنها كما هي دائماً الأقدار.. تصر على أن تحرمنا الأجمل في حياتنا.

عصام سعيد سالم ذلك الرائع الذي شعرت منذ اللقاء الأول به أنني أعرفه من زمن بعيد، يأسر بأخلاقه ووداعته، ومعه يبقى للحديث دائماً بقية.

صحفي متمكن صاحب رأي لا يملك الإنسان حتى مع الاختلاف إلا أن يحترمه، لديه خصلة تخلى عنها عديد من المناضلين هي الوفاء، الوفاء لرفاق المراحل الصعبة من النضال، تجده يحتفظ برسائل وصور وتذكارات أصدقاء الشباب والدراسة والنضال ولا يتوانى عن تذكيرهم بين الوقت والآخر بأنهم في ذاكرته ولم ينسهم.

في أحد اللقاءات التي جمعتنا في عدن كان يلح علي أن أسأل والدي عن زملائه من المناضلين في التنظيم الشعبي للقوى الثورية وعن آخرين ممن جارت السياسة عليهم وتم إسقاطهم من كشوفات التكريم وشهادات التقدير، التي كان يرى فيها دلالة رمزية تعيد الاعتبار لمن ناضلوا في سبيل الدفاع عن الوطن ولم ينالوا ما يستحقونه من تقدير. وفي مرة أخرى كان يرافقني لزيارة الصديق عبدالناصر العربي وفور أن قدمته لعصام هتف فرحاً: أنت ابن المناضل العظيم عبدالقوي ناجي العربي، وأخذ يعدد للابن مناقب أبيه وصفاته الوطنية، ولم ينس في آخر اللقاء أن يطلب منه نقل تحياته لوالده، فقد كان يحرص على مشاعر الآخرين ولا ينتقص من أدوارهم.

ولم يكن يتخلى عن ضحكته الآسرة حتى في لحظات الألم.. هذا الألم الذي عرفه عصام سعيد سالم خلال حياته الحافلة بالعطاء وهو الذي لم يخف مواقفه وآراءه حتى في عهود كان الرأي المخالف فيها يساوي فقدان الرأس.

رحم الله فقيد الصحافة ..فقيدنا جميعاً عصام سعيد سالم ..وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.. إنا لله وإنا إليه راجعون.