هل أصبحت لغة التسامح والتصالح محرمة علينا؟

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
لا أعتقد أن أحداً (ما) كان سيخابر (الغلابة) في مكتب الشئون الاجتماعية والعمل بعدن من أجل إصدار القرار رقم (1) للعام الجديد 2006م، الذي تم بموجبه تجميد نشاط وأموال جمعية ردفان الخيرية، فيما لو أن القائمين عليها قد اهتدوا إلى تنظيم لقاء احتفالي لصالح السلطة على سبيل المثال، عوضاً عن ذلك اللقاء الذي حدث من أجل (التسامح والتصالح) ما بين فرقاء أحداث 13 يناير المأساوية بمناسبة مرور 20 عاماً على اندلاعها .. أوَ لم تنظم الجمعية ذاتها بالأمس القريب لقاءً احتفالياً بمناسبة فوز أحد أبنائها بعضوية اللجنة العامة للحزب الحاكم!

ومنذ متى، وفي أي مكان في العالم .. ووفقاً لأي مبرر وأساس يعتبر (التسامح والتصالح) ما بين الأفراد والجماعات أو حتى الدول عملاً يستحق الغضب والعقاب؟ وهو ما حدث في ذلك اللقاء الذي ضم أكثر من (350) شخصية جاءت إلى مقر الجمعية وهي مسلحة بروح العفو والمحبة والوئام والتسامح، ثم كان أن تحدثت بما تطمح وتأمل مشاهدته وحدوثه في وطنها وما تنشده وتحلم بتحقيقه في إطار (الأحلام) المشروعة ليس إلا ..فهل أصبحت لغة التسامح والتصالح لغة محرماً علينا أن نتحدث بمفرداتها الجميلة؟.. وفي المقابل هل أصبحت لغة التشاحن وتأجيج الصراعات والفتن الأهلية هي اللغة المرغوبة، وهي العمل المطلوب تحقيقه وإنجازه وعقد اللقاءات الجماعية والمنفردة من أجلها؟

ثم إنه لم يكن عيباً في حق الذين اجتمعوا بجمعية ردفان الجمعة المنصرمة، أن استمعوا إلى نداء ألم واستغاثة، صرخ به أبٌ حزين معبراً عن فاجعته الكبيرة لما تعرض له ابنه (ماجد) من اعتداء بأعيرة نارية من قبل قوات حكومية أدى إلى بتر رجله كاملة ..ولم يكن نقيصة ولا عيباً لأولئك الذين تحدثوا وعبروا عما يشعرون به من مرارة وخيبة أمل نتيجة للأوضاع التي يعيشونها ويتعايشون معها بصعوبة بالغة، خاصة وقد اكتشفوا فجأة أنهم وبعد مضي عقود طويلة من الزمن ومن النضال الشاق المكلف قد عادوا إلى المربع رقم (1)، حتى إذا ما تعرفوا على هذه الحقيقة المرة وبشكل جماعي إذا هم فجأة يجدون من يعاقبهم بقرار التجميد المجحف رقم (1) أيضاً.

نعم .. إلى حد كبير كان اللقاء معبراً عن تلك الآمال والأحلام العريضة التي طالما منوا النفس بها ذات يوم، وكيف أنها قد تحطمت على صخور (المصالح الضيقة) الصلبة التي اختصرت مساحات الوطن الشاسعة بسهولها وصحاريها وجبالها وهضابها ومعانيها الكبيرة إلى معان صغيرة ضيقة تخضع لمنطق غاية في الغربة والأنانية، منطق لا يعرف ولا يعترف إلا بنفسه ولا يعرف ولا يعرّف الوطن سوى في عبارة واحدة قصيرة وبليدة تقول ..إذا لم تكن معي فأنت ضدي!!

أوَ لم تكن هذه العبارة الخطيرة والمتضمنة كل مقومات ومكونات (رفض الآخر)، هي التي أنتجت قرار تجميد نشاط جمعية ردفان الخيرية، وهي ذاتها التي تختصر الديمقراطية بكل معانيها الكبيرة إلى معان فارغة من مضامنيها، وهي التي تصنف أبناء الوطن الواحد إلى تصنيفات تتنوع ما بين (الوطني الغيور والخائن العميل).. إن هذه العبارة هي المسؤولة بكل تأكيد عن إنتاج وإعادة إنتاج كل الاحتقانات السياسية في وطننا وعلى مر الزمان، فعلى أساسها ووفقاً لفلسفتها يتحتم عليك أن تلغي فكرك، وهويتك، وعقليتك، وقناعاتك السياسية لتنضم إلى الفريق الوطني الغيور .. فريق (أنت معي).. غير مدركين أن الوطن معنى كبير، وقيمة كبيرة، وحقوق كبيرة، وواجبات أكبر.. ولكنها متساوية ما بين جميع أبنائه بكل تأكيد ..فمتى سيفهمون هذه الحقيقة ويتعاملون معنا على أساسها؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى