الأراضي اليمنية تتعرض يوميا لهزات أرضية قد لا يعرف أحد بالانهيارات إذا ما كانت صغيرة وحدثت في مناطق غير مأهولة

> «الأيام» د. خالد عوض الرباكي:

>
المكلا
المكلا
إن الكارثة التي حلت بقرية الظفير في بني مطر محافظة صنعاء، والتي أودت بحياة عشرات الضحايا من مختلف الفئات، جعلت الكثير من الناس ينظرون الي ما حولهم من جبال وتلال بعين من الحذر، وجعلت الحكومة تبادر على الفور بإصدار التوجيهات اللازمة للجهات المختصة لمعرفة أسباب الحادث وتقييم وضعية بعض القرى والمدن التي تقع أساسا على حافات الجبال الشاهقة المهددة لتلك المناطق. مدينة المكلا، عروسة البحر العربي، واحدة من أجمل المدن اليمنية، تقع على مساحة صغيرة فاصلة بين البحر والجبل - المكلا القديمة - الذي يحتضن المدينة وكأنه يحميها من كل مكروه، ويجعل أهلها ينامون في أمان وسلام. فهل ننتظر منه المفاجئات؟ وهل يقع مثلما وقع في الظفير؟ وما هي تنبؤات المختصين في هذا الجانب؟ بكل هذه الأسئلة ذهبنا للدكتور خالد عوض الرباكي الأستاذ المساعد بكلية العلوم البيئية والأحياء البحرية و المختص في علم الجيولوجيا والتلوث النفطي ليعطينا صورة واضحة عن هذه التطورات الأخيرة في البلاد وعن وضع مدينة المكلا من الناحية الجيولوجية وخصوصا الانهيارات الصخرية.

< هل لكم في بداية الحديث ان تعطونا فكرة عن الانهيارات الصخرية ومسبباتها و أين تحدث بالذات؟

- في بداية حديثي أحب أولا ان أشكركم في صحيفة «الايام» على متابعتكم لكل المستجدات التي تحدث في الوطن وفي والعالم، واستيعاب دروسها والاستفادة من نتائجها. الانهيارات او الانزلاقات (Landslides ) هي ببساطة حركة لكتلة من الصخور من نقطة معينة الي أخرى اقل منها ارتفاعا وذلك بفعل الجاذبية. حيث قد تكون المسافة التي تقطعها هذه الكتل بضعة سنتيمترات او أمتار وقد تصل أحيانا الي كيلومترات. وقد لا يَعرف احد بحدوث هذه الانهيارات إذا ما كانت صغيرة وحدثت في مناطق غير مأهولة، إلا ان الانهيارات الكبيرة التي تحدث في المناطق الحساسة، سكنية او صناعية، تتصدر عناوين الصحف ونشرات الأخبار وذلك لما تخلفه من خسائر بشرية و مادية فضيعة. غالبا تحدث الانهيارات في الصخور التي تعرف بالصخور الطينية(Clay ) والصخور غير المتماسكة (Unconsolidated rocks) ونادرا ما تحدث في الصخور الصلبة المتماسكة مثل الصخور النارية او الصخور الجيرية، لهذا السبب ترى كثيرا من الناس يبنون بيوتهم بالقرب منها او حتى ملاصقة لها. ولكن إذا ما حدثت في هذه الصخور المتماسكة انهيارات، فإنها تسبب دمارا كبيرا للمدن والقرى المجاورة. بشكل عام هناك عاملان رئيسيان مسببان لحدوث الانهيارات وهما: العامل الطبيعي والعامل الذي له علاقة بالنشاط البشري. ويقصد بالعامل الطبيعي الانهيارات التي تصاحب الهزات الأرضية، الأمطار الغزيرة، الانهيارات الجليدية الخ من عوامل طبيعية. أما العامل الثاني الذي يسبب حدوث الانهيارات فهو الإنسان وما يسببه من تدخل في الطبيعية وزعزعة النظام البيئي القائم في منطقة ما، وذلك من أعمال حفر وإزالة لصخور الحمل القائمة عليها الصخور العليا، ومن تفجيرات لأغراض خاصة او عامة، كذلك السحب غير المدروس للمياه الجوفية القريبة. هذه الأعمال تُخلخل الصخور، خصوصا الصلبة، وتعمل على إضعاف قوة الشد بين جزيئاتها وكذلك تعمل على زيادة الفجوة بين الشقوق و الصدوع الموجودة أصلا مما يؤدي في نهاية الأمر الي سقوط الكتل الصخرية الضخمة مثل تلك الكتل التي سقطت في قرية الظفير. العالم شهد الكثير من الانهيارات سواء كانت طبيعية ام بفعل الإنسان. نذكر منها الانهيار الذي حدث في ولاية كانشو في الصين عام1920م وراح ضحيته حوالي 200,000 شخص، والانهيار الذي حدث في البيرو عام 1970م وراح ضحيته حوالي 18,000 شخص، طبعا هذه الانهيارات أتت نتيجة للزلازل التي كانت بمثابة العامل الطبيعي المحفز. اما ما أصاب قرية ريسا في النرويج عام 1978م فكان سببه الرئيسي الإنسان وذلك عندما أزال ما يقارب 700 متر مكعب من صخور الأساس لأغراض مختلفة.

< ماذا عن مدينة المكلا.. هل من الممكن حدوث مثل هذه الانهيارات فيها؟

- للإجابة على هذا السؤال لا بد من معرفة طبيعة بعض العوامل المحفزة لنشوء الانهيارات و قد أشرت الى بعضها في بداية حديثي ومنها: نوعية الصخور، زلزالية المنطقة، شدة الأمطار، انحدار الصخور، التأثير البشري على الصخور و..الخ.من عوامل تمثل الضوء الأخضر للانهيارات. و لنبدأ بجيولوجية المنطقة واقصد هنا مدينة المكلا وضواحيها وبالذات تلك المناطق المهددة بحدوث الانهيارات الصخرية وهي المكلا القديمة (حي الصيادين، حي السلام)، باجعمان، الغار الاحمر، منطقة ما قبل أربعين شقة ومنطقة أربعين شقة نفسها. فالتركيب الاستراتجرافي لهذه المناطق مختلف نوعا ما. حيث نرى مثلا في منطقة المكلا القديمة ظهور صخور الأساس (Basement) في الجزء السفلي لجبل قارة المكلا المطل على المدينة وكذلك في منطقة خلف، وهي صخور نارية (Igneous rocks) قديمة العمر الجيولوجي، شديدة الصلادة ومتماسكة وغالبا فقيرة النفاذية. وتعلوها صخور جيرية(Limestone) ذات اللون البني- المحمر وهي صخور حديثة العمر وتعرف بمجموعة فوة. أما المنطقة الواقعة قبل أربعين شقة او بالأصح المقابلة لمدرسة الخنساء فهي مشكلة كبيرة، حيث تبنى البيوت على صخور غير متماسكة وهشة في بعض الأماكن. وإذا ما اتجهنا الي منطقة أربعين شقة، فإننا نرى أن مجموعة أم الرضومة، وهي كذلك صخور جيرية ضخمة تشكل خطرا كبيرا على البيوت التي تحتها. ومجموعة ام الرضومة هي أقدم من مجموعة فوة الموجودة في جبل المكلا من ناحية العمر الجيولوجي. طبعا كل هذه الصخور، سواء كانت في جبل المكلا او في أربعين شقة، هي صخور جيرية متماسكة نوعا ما ولكن تتأثر كثيرا بعوامل التعرية وهي كثيرة التشقق(Fractured) ولديها نفاذية متوسطة، مما يساعد المياه على التغلغل بين فراغاتها والنحت فيها من الداخل وعمل ما يسمى بالكهوف وبالتالي إضعاف قوتها. ان هذه الصخور هي التي تمثل التهديد الأكبر للمدينة. خصوصا ان وجد أي من العوامل المحفزة لزعزعتها وإخراجها من أماكنها، مثل التفجيرات او الزلازل.او...

< هل تريد القول بان المنطقة معرضة للزلازل لا سمح الله؟

- ربنا يبعد عن بلدنا كل مكروه، وموضوع احتمالية وقوع الزلازل في المنطقة موضوع حساس. ولكن هل تعلمون بأن الأراضي اليمنية بما فيها البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، تتعرض يوميا و بمعدل من 3 الى 6 هزات أرضية وربما أكثر في بعض الأحيان. نعم هذه الهزات ضعيفة القوة، من1 الى 3 درجات على مقياس ريختر، لا نشعر بها ولكن هناك بعض الهزات التي تجاوزت قوتها الخمس درجات وهو ما حدث في منطقة ساه - حضرموت في العام الماضي وبالتحديد يوم الجمعة الموافق 6/5/2005م في الساعة الثالثة وخمس دقائق ووصلت قوتها الي 5,3 بمقياس ريختر، وشعر بها الكثير حتى في المكلا. كذلك يعرف المختصون أن الحركات التكتونية المستمرة التي تحدث في قاع البحر الأحمر و خليج عدن تؤثر على كثير من التراكيب الجيولوجية الموجودة داخل الأرضي اليمنية وتزيد من إجهادها، ونتيجة لهذه الضغوط، تظهر بؤر زلزالية في مناطق مختلفة. ولا ننسى أن هناك بعض الدراسات تشير الى النشاط الزلزالي في الجمهورية ومنها الخارطة زلزالية للجمهورية والتي وضعت من قبل احد الباحثين اليمنيين، وهي محاولة أولية ونتمنى ان تكون تفصيلية وأكثر دقة! تبين لنا بأن المناطق الساحلية للجمهورية صنفت على إنها أكثر المناطق سييزمية.(seismic) أي نشطة.

< إذن احتمال حصول انهيارات صخرية وارد.

- أقول الله وحده يعلم ذلك. ولكن إذا تكلمنا من منطق علمي، وعلى أساس ما تم سرده في الأسطر السابقة أقول نعم وارد. وهناك عامل آخر مهم وهو شدة الأمطار ودوريتها. وهنا نحمد ربنا بان الأمطار موسمية وقليلة. وإذا ما أراد الله غير ذلك فستكون كارثة. وهناك كثير من الأمثلة لانهيارات حدثت بعد هطول أمطار غزيرة في مناطق مختلفة من العالم.

< هناك بعض الأعمال التي قامت بها الدولة مثل اصلاح الممرات المائية في بعض الشُحر خصوصا في المكلا القديمة فهل لهذه الإجراءات دور في مواجهة الانهيارات الصخرية؟

- إن ما قامت به السلطة المحلية من رصف وإنشاء الحواجز الجانبية والمدرجات التكسيرية للموجة المائية المتدفقة بسرعة كبيرة والحاملة للرواسب، خصوصا في وجود الانحدار الكبير لجبل قارة المكلا وارتفاعه الشاهق نسبيا (402 متر)، قد ساعد نوعا ما على إضعاف القوة التدميرية لهذه السيول وبالتالي خفض سرعتها وإلقاء حمولتها من الرواسب في أماكن معينة. حيث نعلم ان القوة التدميرية للسيل تعتمد بدرجة كبيرة على ما يحمله من رواسب وأشياء أخرى. هذه الأعمال من قبل السلطة ممتازة وتستحق الثناء والتقدير. إلا ان هناك فرقاً بين الانهيارات والسيول. فليس من الضرورة ان يكون الانهيار سببه الأمطار، أما السيل فهو نتيجه للأمطار. يعني ذلك ان الانهيارات لن تسلك تلك الممرات، فهي بحد ذاتها كتل صخرية ضخمة لا يمكن التحكم بها. وقد حصل في الماضي سقوط بعض الكتل الصخرية التي تسببت والحمد لله بخسائر مادية وليست بشرية.

< أشرت في البداية حول دور العامل البشري في زعزعة التوازن البيئي .. فهل لكم ان تشرحوا ذلك بالتفصيل؟

- بشكل عام الإنسان سبب كثير من المشاكل البيئية. العامل البشري هو احد العوامل المحفزة لحصول الانهيارات. نرى جميعا أن المدينة تشهد توسعا معماريا ملحوظاً ويوما عن يوم نرى هذا التوسع يتجه نحو الجبال لقلة المساحة وكذلك الكل يريد العيش داخل المدينة. والمشكلة الكبرى هنا هي الإزالة المستمرة لصخور الحمل، أي الصخور التي ترتكز عليها الكتل الصخرية العليا والواقعة عليها الكثير من البيوت، وذلك لغرض البناء على الشوارع من قبل بعض الأشخاص الذين يفكرون فقط بمصالحهم. ولكن أنا لا ألوم هؤلاء الأشخاص بقدر ما ألوم الجهات التي تصرح بالإزالة والتوغل في أعماق تلك الصخور. وحتى وإن لم يتم التصريح فهم ينظرون دون الحيلولة لإعاقة وتوقيف مثل هذه الأعمال. وخير مثال ما يحدث في المنطقة الواقعة قبل أربعين شقة من إزالة لصخور الحمل لغرض البناء على الشارع العام. هذه الإزالة قد تؤدي لانهيارات الصخور العليا وما عليها من بشر و معمار. وهناك أماكن كثيرة في المدينة تُجرى مثل هذه الأعمال فيها والله يستر.

< ما هو الحل إذن؟ وهل من الممكن تجنب وقوع الانهيارات الصخرية؟

- الحل الأفضل هو عدم زعزعة التوازن البيئي الذي وجد في هذا الكون. حيث تتميز الطبيعة كما خلقها الله بخاصية التوازن، فكل شي في الطبيعة موجود بقدر معين، وذلك لحكمة بالغة وهي اتزان الكون وثباته وملائمته للحياة. وقد أشار الله تعالى الى ذلك في قوله {إنّا كلُّ شيء خلقناه بقدر} (سورة القمر/ الآية 49).

ونحن بإمكاننا فقط التنبؤ بالانهيارات وبشكل عام بالظواهر البيئية وذلك لتقليل الخسائر البشرية والمادية. أما الطرق التي من شأنها التحذير بالانهيارات فهي المسوحات الميدانية الدورية للمناطق التي تشكل تهديدا وكذلك دراسة الصور الجوية التي تعتبر في هذه الحالة من المواد الأساسية لتقييم مناطق الانهيارات كذلك عدم السماح بالعبث بصخور الحمل في بعض المناطق، ورسم الخرائط الجيولوجية الدالة على المناطق الخطرة.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى