عفوا مولانا الإمام: رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) ليس مجرد شخص ميت..!

> «الأيام» عن « الأسبوع» المصرية:

> قبل أن نشرع في كتابة هذه السطور .. نؤكد ان القلم توقف لساعات طويلة دون ان نعرف من أين وبأي كلمات نبدأ .. وماذا نقول أو نكتب .. مزيج من مشاعر الصدمة والاحباط والحزن والحيرة عجزت أمامه كل الكلمات عن التعبير.

هذه المشاعر شاركنا فيها كل من تحدثنا معه من علماء الأزهر بعد أن اطلعنا على الكلمات التي أدلى بها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وإمام المسلمين أثناء مقابلته التي التقى فيها مع سفير الدانمارك بالقاهرة صباح الأربعاء بمشيخة الأزهر .. لم نصدق أنفسنا ولم نصدق حتى الأوراق التي صدرت عن مكتب شيخ الأزهر والإدارة المركزية للعلاقات العامة والإعلام به والتي تحوي هذه الكلمات التي صدمتنا أكثر من الإساءات الدانماركية أو غيرها من إساءات موجهة للإسلام والمسلمين ونبيهم الكريم .. لأن هذه الكلمات صدرت عن فضيلة الإمام الأكبر وعجزت عن الدفاع عن الرسول واكتفت فقط بوصفه ميتا انتهى أجله ولا يستطيع الدفاع عن نفسه وانه ليس من الحكمة ان يسيء العقلاء لمن لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم.

وقد لا يصدق الكثيرون ان تصدر هذه الكلمات عن شيخ الأزهر وإمام المسلمين الذي وجب عليه الدفاع عن الإسلام والمسلمين بصفة عامة فما بالنا بما يوجه إلى رسولنا الكريم من إساءات ولذلك نفضل ان نستعرض هذه الكلمات كما وردت بنصها في الأوراق الرسمية الصادرة عن مكتب شيخ الأزهر.

البيان الصدمة
فقد أكد شيخ الأزهر وفق ما جاء بالبيان الصادر عقب لقائه بسفير الدانمارك أن مصر تربطها علاقة طيبة بدولة الدانمارك، موضحا أن الدراسة بالأزهر الشريف تقوم على السماحة وعلى الاخاء الإنساني وان شريعة الإسلام تعتبر الناس جميعا إخوة في الإنسانية. ويضيف البيان 'ثم تطرق فضيلته في حديثه إلى ما نشر بإحدى الجرائد الدانماركية التي اساءت إلى نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم) .. مشيرا إلى ان الإساءة إلى الأموات بصفة عامة تتنافى مع المبادئ الإنسانية الكريمة سواء أكانت هذه الإساءة إلى الأموات من الأنبياء أو المصلحين أو غيرهم الذين فارقوا الحياة الدنيا .. فالأمم العاقلة الرشيدة تحترم الذين انتهت آجالهم وماتوا، وهذا ما تقتضيه العقول الإنسانية السليمة وفي الوقت نفسه نحن نقدس الحرية .. ولكن الحرية في حدود ما أباحته القوانين والشرائع .. كما نوجه رسالة إلى العالم أجمع بأن نترك الإساءة إلى الأموات الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم كما ان شريعة الإسلام تحترم جميع الأنبياء من سيدنا إبراهيم وحتى سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم).

انتهي كلام فضيلة الإمام ورده على الإساءات التي تم توجيهها للرسول الكريم في بيانه وكلماته للسفير الدانماركي .. فهل يعقل ان يذكر إمام المسلمين أو حتى أي فرد مسلم عادي الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأنه ميت لا يستطيع الدفاع عن نفسه .. وان كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد مات فهل مات المسلمون جميعا ولم يعد محمد (صلى الله عليه وسلم) يجد من يقول كلمة حق يتصدى بها لمن يسيء إليه.

كيف طاوعك لسانك فضيلة الإمام كي تختزل كل المعاني التي يمثلها رسول الله المصطفى خاتم الأنبياء في قلوب ملايين المسلمين في كل بقاع الأرض لتضعه في صف واحد مع زمرة الأموات وفيهم المفسدون والمصلحون وبينهم الشخصيات العامة والتاريخية التي يباح نقدها ونقد تصرفاتها حتى بعد موتها بمئات السنين.

وهل يعقل ان نختزل مكانة الأنبياء في نفوس اتباعهم لهذه الصورة؟! .. وهل افتقدنا القدرة والجرأة حتى عن مجرد ذكر ما يمثله الرسول من مكانة لدى المسلمين ووصف ما تسببه الإساءة إليه من إيذاء وجرح لمشاعرهم.

كلمات السفير
الأعجب من هذا هو ان تأتي كلمات سفير الدانمارك أكثر منطقية واحتراما لمشاعر المسلمين من كلمات شيخنا الجليل فيقول طبقا لما ذكره البيان ان سبب زيارته تأتي من منطلق احترام حكومة وشعب الدانمارك للأديان وخاصة الإسلام الذي يعتبر هو أكبر الأديان في العالم ويعتبر من أكبر الأديان في الدانمارك مما يؤكد رغبة الحكومة في ان تكون علاقتنا قائمة على الاحترام .. كما اننا نحترم هذا الدين وان السيد رئيس وزراء الدانمارك أعرب عن استنكاره الواضح تماما لأي تصريح أو عمل أو تعبير عن الرأي بقصد التشويه لصورة مجموعة من الناس بناء على انتمائهم الديني أو العرقي حيث ان مثل هذا العمل لا مكان له في مجتمع يقوم على احترام الفرد .. والأزهر في بيانه الذي أصدره أكد على توضيح صورة الإسلام الأمر الذي دعا السيد وزير خارجية الدانمارك ان يرسل خطابات لأمين عام الجامعة العربية، ولسكرتير عام المؤتمر الإسلامي أكد فيها على احترام الدانمارك للأديان، كما أشار رئيس الوزراء في خطابه إلى أهمية الأخذ في الاعتبار ان حرية التعبير لا تؤدي إلي تشويه أو ازدراء للأديان فيما بيننا وترغب حكومة الدانمارك في ان يعيش الشعب في الدانمارك باختلاف أديانه في وئام تام وفي سلام'.

وجدير بالذكر انه قد سبق أن عقد مجمع البحوث الإسلامية جلسة طارئة الشهر الماضي التقى فيها بوفد مسلمي الدانمارك وأصدر بيانا يدين فيه هذه الإساءات.

المفتي يرفض
وقد رفض الدكتور علي جمعة مفتي الديار ان ينطلق تصدينا للدفاع عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) من مجرد انه شخص ميت ولا يستطيع الدفاع عن نفسه وذلك حين سألناه عن رأيه في هذا المنطق في الدفاع عن الرسول. مؤكدا ان محمدا (صلى الله عليه وسلم) لم يمت وإنما يعيش في نفوس ملايين المسلمين وانه لا يمكن وضعه في صف واحد مع أي من الأموات أو حتى الزعماء وان ازدراء الأديان بصفة عامة لا ينتج عنه سوى العداء بين البشر ويمثل عدوانا على حقوق الإنسان .

وان الإسلام يرفض الإساءة إلى أي نبي أو دين لان الإيمان بالرسل واحترامهم جزء من العقيدة الإسلامية .. مؤكدا اننا لابد وان نقف صفا واحدا ضد هذا الالحاد والفساد في الأرض.

صدمة وغضب
وقد أصاب بيان شيخ الأزهر العديد من علمائه وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية الذين اتصلنا بهم وقرأنا عليهم نص هذا البيان بالصدمة والحزن والدهشة التي أعجزت بعضهم عن الحديث واكتفى عدد منهم بأن اعتبر هذه الكلمات اساءة أكبر من اساءة الصحف الدانماركية لانها صدرت عن شيخ الإسلام والمسلمين .. وان اقتصار الدفاع عن الرسول لمجرد انه ميت فقط يمثل إهانة لشخصه الكريم، كما ان الموت ليس معيارا للدفاع عن كل من ماتوا فمنهم المفسدون ومجرمو الحروب الذين يخضعون للنقد والتقييم في كل زمان ومكان .. وان القرآن الكريم نفسه قد ذكر بعض الطغاة ممن انتهت آجالهم وماتوا مثل: فرعون وهامان وقارون وقوم عاد وثمود وغيرهم .. فكيف نضع رسولنا الكريم في صف واحد مع هؤلاء وغيرهم وأكد عدد منهم انه كان من الأجدى والأحرى بشيخ الأزهر ان يكتفي بما قاله السفير الدانماركي وانه لم يكن مطلوبا منه ان يدلي بأية بيانات خاصة وان كانت ستصدر بهذا الأسلوب والشكل.

وتساءل البعض: ألم يجد شيخ الأزهر سوى هذه الحجة الضعيفة التي لن يقتنع بها أحد في دفاعه عن رسولنا الكريم؟!

وانه كان عليه ان يؤكد على ان محمدا (صلى الله عليه وسلم) يعيش بقيمه وتعاليمه وأحاديثه وآدابه في نفوس ما يزيد على مليار مسلم وان الاساءة إليه تمثل اساءة لكل المسلمين وايذاء لمشاعرهم وان الإسلام يرفض ازدراء أي دين.

وعلق البعض بأن شيخ الأزهر يحرص على عدم اغضاب أية فئة إلا انه غالبا ما يغضب المسلمين بما يصدر عنه من بعض البيانات والتصريحات .. في الوقت الذي أكد الكثيرون ان هذا البيان لا يجب ان ينسب إلى مجمع البحوث الإسلامية ولكنه يعبر فقط عن شيخ الأزهر وينسب إليه .

الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق يؤكد ان هذا الكلام لا يجب ان يقال عن أي نبي وان أسلوب البيان غير موفق تماما وانه كان يجب ان يكون أقوى وأشد من ذلك ويتساءل إذا كان البوذيون والوثنيون يدافعون عن عقيدتهم وما يعتنقونه .. ألا يستطيع المسلمون الدفاع عن نبيهم؟ .. وهل ماتت الأمة الإسلامية حتى نقول ان الرسول لا يستطيع الدفاع عن نفسه؟ مؤكدا ان التصدي لهذه الاساءات هو فريضة وواجب علي المسلمين في كل انحاء العالم .. فكما نحترم كل الأنبياء والعقائد لابد وان نرفض أي مساس بعقيدتنا وديننا ورسولنا .. وكان ينبغي التأكيد على ان المساس بشخص الرسول يمس قلوب وضمائر ومشاعر وحياة المسلمين كافة.

الضرب في الميت
أما الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بالأزهر فقد سألت بدهشة: هل وصلنا إلي هذه الدرجة من الهوان والتي لا نستطيع معها ان ندافع عن نبينا بما يليق بشخصه العظيم؟! .. وأكدت انها كانت تتمنى ان يكون في هذا البيان ما يؤكد ان أمة الإسلام ليست رخوة أو متضائلة، أمام الثقافة الغربية ومفهوم الحرية الذي يدعيه الغرب والتي تحتاج إلى يقظة إسلامية حقيقية لمواجهته في تعدياته علي مقدساتنا.

وتتساءل أيضا: هل وضعت أمة الإسلام نفسها موضع الضعف والاستكانة حتى تواجه مثل هذه الاساءات بهذه النعومة في الكلمات وهذا البيان الذي لا يرقى إلي عزة المسلم بنبيه الكريم.؟ مشيرة إلى ان مجرد أي تصريح أو نقد يمس أي شخصية إسرائيلية حتى وان كانت من السفاحين الذين يمتليء تاريخهم بسفك الدماء والمجازر يواجه بحملة شديدة من الاتهامات بمعاداة السامية وغيرها من الشعارات والبيانات شديدة اللهجة.

فكيف يكون هذا هو ردنا علي إهانات وردت لشخص نبي هذه الأمة التي يصل تعدادها إلي ملايين البشر ومن مقومات القوة الاقتصادية والسياسية التي يجب ان تدرك به هذه الأمة موقعها بين الأمم.

وانه وان كانت هذه الاساءات قد تركت في نفوسنا أثرا مريرا فإن الأسوأ منها هو ان يكون رد الفعل عليها بهذه الصورة الهشة التي تسيء لكرامة كل مسلم وتترك آلاما لا تمحوها الأيام.

فهل يعقل ان ندافع عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) ونتحدث عنه بمنطق 'الضرب في الميت حرام'.

وتضيف ان ما ورد من الاعتذار المهذب من قبل الوفد الدانماركي مسألة طال انتظارها لاننا كما نحترم الحرية الفكرية والإعلامية لدى دول الغرب فقد استأنا كثيرا وشعرنا بالمرارة لعدم احترام الدين الإسلامي ونبي الإسلام بما يرقى لحضارة هذه الأمة التي كانت الشعاع الحقيقي الذي بنيت عليه حضارة الغرب في الأندلس وغيرها.

الدكتور محمد مختار المهدي أستاذ الدراسات الإسلامية علق قائلا: ان هذا الأسلوب في الحديث عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) غير موفق لانه يضع الرسول (صلى الله عليه وسلم) موضع اتهام ويعتمد على انه لا يجب اتهام من لا يستطيع الدفاع عن نفسه لانه مات وانتهى أجله 'حاشا لله'.

مشيرا إلى ان الرسول عليه السلام هو خير خلق الله ورحمة للعالمين اختاره الله واصطفاه وانه مبرأ من أي داء أو تهمة فالله لا يختار إلا من يستحق هذه المكانة الرفيعة واننا كمسلمين مكلفون بأن نحافظ على الا يمس أحد هذه المكانة أو يجرح هذه المنزلة لان الهجوم على الرسول ليس هجوما أو اتهاما لشخص عادي ولكن هو تهجم على الدين الإسلامي ذاته والدفاع عنه هو واجب شرعي على كل من يعتنق هذا الدين.

مؤكدا ان هذا لا ينطبق على كل من مات فليس كل من مات مبرأ فكثير من الأموات ماتوا وتركوا الذكر السيئ.

الرسل أحياء
'كم كنت أود ان تختلف لغة هذا البيان عن هذا الأسلوب الضعيف' .. بهذه الكلمات بدأ الدكتور العجمي الدمنهوري رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين ورئيس جبهة علماء الأزهر حديثه مؤكدا اننا نقدس ونجل ونحترم الأنبياء جميعا وان مشاعرنا واحترامنا لنبينا الكريم لا يستند إلى العاطفة فقط ولكن يستند إلى العقل والمنطق والواقع فلم يكن محمد مجرد رسول فقط ولكنه خاتم الأنبياء وإمامهم واجتمع فيه ما تفرق في غيره وتعهد الله بحفظ ميراثه دون تبديل أو تحريف!

ويتساءل: ما فائدة هذه الأمة ان لم تدافع عن نبيها ورسولها .. وكيف نتحدث عنه ونساويه بأي شخص ميت؟ .. وان كنا مكلفين كمسلمين بالدفاع عن الأنبياء جميعا والإيمان بهم لا نفرق بين أحد من رسله .

فكيف يكون هذا هو موقفنا من سيدنا ومولانا محمد (صلى الله عليه وسلم)! .. الذي بقيت سيرته وسننه وأحاديثه وأقواله وأفعاله؟.

مؤكدا ان الرسل أحياء في الكون بحكمة من الله وان سيدنا محمد قد رآهم في رحلة الإسراء وكان إماما لهم وانه يرد علينا السلام حين نبلغه التحيات في كل صلاة واختصه الله بقوله: 'والله يعصمك من الناس'.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى