عدن .. مدينة من مدن الملح العريقة

> «الأيام» عامر علي سلام:

>
المملاح
المملاح
كما هي عدن.. هي البحر.. وهي الميناء، هي أيضاً مدينة من «مدن الملح» حملت معها مقامات الملاحات القديمة منذ أكثر من (120) عاما من تاريخها البحري والتراثي، حتى غدت تلكم الملاحات إحدى رموز المدينة البحرية .. وصناعة هي من أقدم الصناعات التي عرفت في اليمن وكانت ولازالت لصناعة الملح فيها، مقوماتها الأساسية والضرورية والأقل كلفة، وذات مردود وعائد انتاجي كبير يستفاد منه محلياً وخارجياً لخصوصية موقع البحر ولدرجة الحرارة المرتفعة التي تجعل منه منتوجاً طبيعياً دائم الاستمرارية طوال شهور السنة.

ولم يحظ الملح البحري في اليمن بالاهتمام الذي حظيت به مصادره في محافظة عدن، وهو المستخرج من مياه البحر بعد تبخيره في الملاحات والأحواض بتأثير حرارة الشمس وأشعتها القوية والرياح، علماً بأن الكيلو الجرام الواحد من مياه البحر يعطي من كلوريد الصوديوم حوالي (27.3) جرام.

ولم يكن اختيار موقع المؤسسة العامة للملح في عدن.. اعتباطياً، فهو في نفس الوقت يعتبر (موقعها الاستراتيجي الطبيعي) رئة خاصة للأحياء والمدن القريبة منها.

ففي عام 1886م أنشئت أول شركة في عدن للملح وهي (شركة الملح الإيطالية) ولا زالت مباني الملاحات فيها قائمة، وقد تكللت مؤخراً جهود محافظة عدن ومكتبها التنفيذي وجهود المؤسسة العامة للملح بإعادة ترميمها في مواقعها الأصلية اعتبارا لتاريخها ومكانتها التراثية كمعلم لصناعة قديمة عرفتها عدن منذ عام 1886م، ثم توالت تباعاً الشركة الهندية العدنية للملح عام 1908 في الموقع الحالي للمؤسسة العامة للملح (بمنطقة المملاح - خورمكسر بجانب مطار عدن الدولي). ولأهمية صناعة الملح وسهولة التصنيع وسرعته أنشئت في عدن شركات أخرى، ففي عام 1923م أنشئت الشركة المتحدة لأعمال الملح والصناعات المحدودة في منطقة كالتكس، كما أنشئت في نفس العام (شركة عدن المحدودة) في عدن الصغرى أو كما كانت تسمى بالشركة الفارسية.

وفي بداية عام 1970م صدر القرار الجمهوري رقم (11) لعام 1970م بشأن إنشاء المؤسسة العامة للملح، وقانون رقم (4) لعام 1970م بشأن استخراج الملح وحلت المؤسسة العامة للملح محل الشركات السابقة في صناعة واستخراج الملح.

وكان من أهم أولوياتها في ذلك الحين هو تحديث حقول الملح البحرية واستخراجه بمساعدة صينية عام 1972 حيث تم بناء حوالي (70 حوضاً) وباستثمار بلغ مليون ونصف مليون دينار يمني، حيث أجري تغيير شامل لوسائل وأساليب العمل بالتعاون مع حكومة الصين الشعبية لتصبح قدرة الانتاج بين (120-150) ألف طن في العام الواحد بدلاً من (25) الف طن في العام. وحتى كتابة هذه المقالة لا زالت المؤسسة العامة للملح تعد كبرى المؤسسات الانتاجية بمحافظة عدن وأقدمها، وهي التي تحظى بأصول كبيرة استطاعت خلال السنوات الأخيرة الماضية إنتاج كميات في الملح لتغطية الأسواق اليمنية، كما تمكنت من تصدير كميات كبيرة من الملح إلى عدد من الدول المجاورة، ودول شرق أفريقيا ومنها جزر القمر ومدغشقر، حتى أنها استطاعت خلال العام الماضي بيع إنتاجها لشركة فرنسية، حتى نالت احتراماً دولياً وتجارياً.

ويعتبر الملح البحري بعدن أفضل أنواع الملح في العالم للارتفاع الكبير لملوحة بحر العرب، كما أن التاريخ القديم لملاحات عدن وخلو أحواضها من أي شوائب غير طبيعية، أعطى المؤسسة العامة للملح في عدن إحتراماً دولياً وتجارياً حيث حازت المؤسسة في عام 1989 على الجائزة البرونزية وفي عام 2001 تحصلت المؤسسة العامة للملح على الجائزة الذهبية للجودة من أوربا، فلماذا إذن تتخلى هذه المؤسسة الوطنية الناجحة عن أصولها للمؤسسة الاقتصادية اليمنية؟! ويتم خصخصتها بصورة ربما لا تراعى فيها أهميتها وأهمية مردودها الاقتصادي ونجاحها المتميز.. لما تمتلكه من مقومات طبيعية بحرية نادرة بل من الاستحالة أن نجدها في مدن بحرية وساحلية أخرى!! أو قد آن الأوان لتجريد مدينة عدن من حبيباتها البيضاء الزجاجية عند خصرها الأيمن، كحبات لؤلؤ من ملح البحر تطرز به فستانها الازرق الطويل.. سامقة بعنقها الجبلي المتوج بتاج شمسان وأحجاره البركانية! لتتخلى عدن وتجرد من طبيعتها البحرية ولن تغدو من «مدن الملح» التي قرأناها في رواية عربية بالمسمى نفسه، أو ربما تتخلى عن موقعها التاريخي والمتميز لأكثر من مئة وعشرين عاماً بملاحاتها التقليدية والتراثية كرمز تاريخي لصناعة الملح في الجزيرة العربية! لتتحول إلى مساحات مسلحة من الأسمنت، وهي التي ظلت بموقعها الاستراتيجي الطبيعي رئة طبيعية للأحياء القريبة منها!

فإذا كانت الطبيعة قد أعطت البحر لنا كهبة من الخالق (جل وعلا) في هذه المدينة الملحية الساحلية.. بمناخها الحار وأشعة شمسها القوية الملازمة لمناخ عدن وهي من أهم المقومات الطبيعية لصناعة الملح البحرية.. فلماذا نسعى لإلغائها؟! حيث إنها ذات تكلفة أقل ومردود إنتاجي عالمي بجودة لا تنافس.. وآخر الصناعات التقليدية لمدينة عدن التاريخية!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى