ارتفاع الأسعار وبقاء الأجور والمعاشات على حالها جريمة لا تغتفر

> محمد عبدالله باشراحيل:

>
محمد عبدالله باشراحيل
محمد عبدالله باشراحيل
وعدت الحكومة أنه بعد صدور قوانين الوظائف والأجور وضريبة المبيعات وتعديل التعرفة الجمركية ورفع الدعم عن المشتقات النفطية سينعم الناس وموظفو الدولة خاصة وسيعيشون في رفاهية ورغد وبحبوحة اقتصادية ومستوى معيشي عال، فاذا بالحال يزداد من سيئ إلى أسوأ مع استقبال العام الجديد 2006م، فالشريحة الكبرى من موظفي الدولة خُيّب أملها ولم تحصل حتى على الحد الأدنى مما كانت تتوقعه ونالت زيادات طفيفة جدا لا تذكر ولم تحس بها. ومن الجانب الآخر نرى الأسعار للسلع المنتجة محليا والمستوردة تزداد بشكل جنوني إذ تجاوز معدلها العام أكثر من 30% خلال عام وكان المتضرر الأكبر منها أصحاب الأجور المتدنية والمتقاعدين بوجه عام والقدامى منهم بوجه خاص، وكنا قد كتبنا ملاحظاتنا حول تلك القوانين بإسهاب وبينا الثغرات الواردة فيها من على منبر صحيفة «الأيام» الغراء وفي اعداد مختلفة ولكننا - ومع غيرنا - لم نجد من يسمع وينصت وكأننا نتحدث إلى سلطة صنجاء لا تسمع وسلطة عمياء لا ترى ولا تحس بمعاناة الناس وما تواجهه من جوع وفقر وبطالة وتدنّ في الخدمات الصحية والتعليمية والتي يمكن أن يلاحظها أي مسؤول لديه ذرة من الإنسانية والاحساس بالمسؤولية الملقاة على عاتقه. إن المتابع لأسعار السلع والخدمات في البلاد يلاحظ على سبيل المثال لا الحصر أن اسعار السمك والسكر قد زادت 50% على الأقل خلال عام، ناهيك عن زيادة الأسعار في الكهرباء والماء والتلفون والأدوية نتيجة الضرائب الاضافية عليها. إن هذه الأمور سيكون لها تبعات خطيرة وجسيمة تتمثل في أن البلاد ستواجه زيادة في عدد الفقراء وعدد الأمراض والمرضى وارتفاع نسبة البطالة والجريمة ونسبة التسرب من المراحل التعليم الأولية وزيادة في عمالة الأطفال واستغلالهم وغيرها من الظواهر الاجتماعية السلبية التي لا تخدم التنمية وتعطي مؤشرات تنبئ بمستقبل مظلم إذا لم يُعد النظر (فورا) في سياسات الأجور والضرائب وربطها بالاسعار وإذا بقيت الأوضاع على ما هي عليه دون حراك أو تغيير. فهل يعقل مثلا في الوقت الراهن أن يصل الحد الأدنى للاجور 20000 ريال شهريا؟.. أو أن يظل المعاش الحالي دون هذا الحد لشخص متقاعد كان مديراً عاماً قبل 1995م؟

إن كثيراً من الدول ترفع الأجور عندما ترتفع الأسعار وتبقى لفترة محددة (3-6 شهور) وذلك ضمانا لتحسين المستوى المعيشي لشعوبها أو على الأقل الحفاظ عليه، ويتدرج ذلك ضمن قوانينها التي تضع في الحسبان ارتفاع الاسعار العالمية. وفي بلادنا يتحدث المسؤولون ويبررون الوضع الحالي للاسعار بأنه نتيجة لارتفاع حالة الأسعار التي تسود العالم وهذا صحيح إذا أخذنا الأمور من زاوية واحدة وأغفلنا بقية الزوايا، فهل نتوقع أن تبقى اسعار الاسماك المحلية على حالها بينما أسعار البترول الذي يستخدمه الصيادون قد زادت بنسبة تفوق 70% عما كانت عليه قبل رفع الدعم؟ وهذا يذكرني بالمقابلة التلفزيونية التي أجراها فخامة رئيس الجمهورية عند نزوله إلى الصيادين - مشكوراً- في محافظة حضرموت حيث قال أحدهم في سياق حديثة «نحن ندخل البحر مسافة 20 إلى 30 كيلومترا بحثاً عن الرزق ولكن يا رئيس البترول قطب الظهر»، أي أن أسعار البترول كسرت عموده الفقري وأكلت معظم ما يحصل عليه، وهو تفسير مبسّط من شخص بسيط مفاده إذا زاد سعر البترول ستزيد أسعار كل أو معظم الأشياء وهذا ما حصل فعلاً، كما علينا ألا ننسى أن ارتفاع الاسعار عالمياً رافقه ارتفاع في النفط والذي تسبب في زيادة إيرادات الدولة بشكل كبير. فأين تذهب تلك الزيادات من الموارد الهائلة الناجمة عن تلك الزيادة في أسعار النفط؟ وكيف يتم تخصيصها وإنفاقها؟

. أسئلة كثيرة وكبيرة تطرح حول هذا الموضوع ولسنا بصدد الخوض في تفاصيل حولها هنا، ولكننا نقول إن المؤسسة المالية برمتها بحاجة إلى إعادة تنظيم وهيكلة، وأن الموازنة السنوية في اعتقادنا بحاجة أيضاً إلى إعادة نظر تتضمن تخفيضات كبيرة في الانفاق على الدفاع والأمن والذي يستحوذ حاليا على أكثر من 50% من الموازنة وتخفيض بنود الضيافات والمؤتمرات والسيارات وغيرها من صرفيات المظاهر والترف المفرط في بلد يعيش 48% من سكانه تحت خط الفقر، وتخفيض البدلات للقادمين من محافظاتهم للعمل رسمياً في محافظات أخرى وخير مثال على ذلك فإن المخصص للخدمات الصحية بكاملها في محافظة عدن بلغ 2200 مليون ريال في حين مخصص البدلات بلغ 3300 مليون ريال عام 2003م.

وختاماً فإن بقاء أوضاع الأجور المتدنية والمعاشات الراهنة على حالها يعتبر جريمة ترتكب في حق الإنسان وأن عدم إيفاء الحكومة بوعودها لتحسين المستوى المعيشي وتخفيض الاسعار وما آلت إليه الأحوال من سوء ينذر بالمخاطر والتداعيات التي لا تتحملها البلد، ففيها ما يكفيها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن السلطة ليس لديها وضوح في الاهداف بل غياب في الرؤية. والشعوب لا ترضى لا بسلطة ليس لها أهداف ولا بسلطة ليس لها رؤية.

كبير خبراء ورئيس قسم الإحصاءات الاقتصادية (سابقا) بالأسكوا - الأمم المتحدة.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى