رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

>
عبدالملك اسماعيل مع رئيس الوزراء الأسبق محمد علي هيثم ومحسن ابراهيم من (لبنان)
عبدالملك اسماعيل مع رئيس الوزراء الأسبق محمد علي هيثم ومحسن ابراهيم من (لبنان)
1- عبدالملك اسماعيل محمد: بدأ حياته في درب النضال واختتمها في درب الشورى..من مواليد مدينة التواهي في 26 نوفمبر 1937م وتلقى دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس عدن، وتلقى دراسته العليا في جامعة عين شمس في القاهرة حاضرة جمهورية مصر العربية وحاز فيها درجتي بكالوريوس كلية التجارة ودبلوما عاليا في ادارة الأعمال.

عبدالملك اسماعيل متنوع النشاطات

اذا قيل إن «الإنسان كائن اجتماعي» فإن هذه الفرضية الفلسفية تنطبق الى حد كبير على عبدالملك اسماعيل، الذي تشهد له كل الوثائق الواردة في كافة الكتابات عن الحركة الطلابية والنقابية والسياسية والرياضية.

اذا وقفنا امام وثائق الحركة الطلابية سنجد أن عبدالملك اسماعيل كان من أقطاب الحركة الطلابية اليمنية في الخارج، حيث شغل منصب سكرتير اتحاد طلاب اليمن والطلاب العرب في جمهورية مصر العربية، وفي ذلك اعتراف ضمني بالمقومات المتوفرة لدى عبدالملك اسماعيل منها قدرته وحنكته في التواصل مع الاوساط الطلابية اليمنية والعربية وخلفيته الثقافية والسياسة وهي المرتكز الأساس الذي انطلق منه.

اما المحطة الثانية لعبدالملك اسماعيل فقد كانت محطة النقابات والتي انطلق منها باعتباره من موظفي وعمال شركة شل البترولية الشهيرة، حيث بدأ نضاله النقابي سكرتيراً لنقابة شل بعدن، وصعد عبدالملك اسماعيل درجات السلم ودخل دائرة الضوء عندما شغل منصب «رئيس النقابة العامة لعمال البترول» والتي شملت مصافي عدنB.P.) ) و«شل» و«موبيل» و«كالتكس» و«ايسو» وغيرها من الشركات الأجنبية وكان ذلك دليلاَ ساطعاً قاطعاً مانعاً أن عدن هي مهد مؤسسات المجتمع المدني (نقابات وأحزابا وصحفا وجمعيات واتحادات نسوية وطلابية وغيرها)، وصعد نجمه ليصبح نائب رئيس النقابة العامة لعمال البترول العرب وأصبحت عدن برموزها النقابيين أرقاماً يشار اليها بالبنان ومنهم: عبدالله عبدالمجيد الأصنج ومحمد عبدالله الطيطي ومحمد سعيد باشرين وعبدالله عبدالمجيد السلفي ولا ننسى الشخصية الوطنية والنقابية المعروفة الشهيد علي حسين قاضي.

عبدالملك اسماعيل من رجال حركة القوميين العرب وجمعية عدن الرياضية

ساد التيار القومي ساحة العمل السياسي في عدن في أواخر النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي حيث برز تيارا حركة القوميين العرب وحزب البعث العربي الاشتراكي ودخل فيصل عبداللطيف الشعبي التاريخ كمؤسس لفرع الحركة في اليمن وشاركه من الرعيل الأول: سلطان أحمد عمر، عبدالكريم الإرياني، مالك الإرياني، سيف احمد ضالعي، عبدالباري قاسم، نورالدين قاسم، سالم زين محمد، علي أحمد ناصر السلامي، عبدالرحمن العبسي، عبدالملك اسماعيل، احمد صالح الشاعر، محمد صالح عولقي وغيرهم، كما كان عبدالملك اسماعيل من مؤسسي الجبهة القومية (سترد التفاصيل في سيرة ناصر علوي السقاف).

كان عبدالملك اسماعيل من الأعضاء القياديين الفاعلين في الجبهة القومية وأهله ذلك ليصبح في قوام القيادة العامة للجبهة ولجنتها التنفيذية، إلا أن الانعطافات التي شهدتها الجبهة القومية بعد نيل الاستقلال اقصت عبدالملك اسماعيل والعديد من القيادات السياسية والميدانية (سبق وأن تطرقنا اليها في تناول تراجم قحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف ومحمد علي هيثم وغيرهم في حلقات سابقة من «رجال في ذاكرة التاريخ»).

تشير وثائق الحركة الرياضية في عدن الى الدورالبارز الذي لعبه عبدالملك اسماعيل داخل الجمعية الرياضية العدنية ADEN SPORTS ASSOCIATION عندما كان ممثلاً لفرق اندية مدينة التواهي وابرزها: نادي شباب التواهي الرياضي ونادي الشعب الرياضي.

الوزير عبدالملك اسماعيل

كان عبدالملك اسماعيل عضواًَ في أول مجلس وزراء في جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ورئيسها قحطان محمد الشعبي في 30 نوفمبر 1967م، وكانت حقيبة العمل والشؤون الاجتماعية من نصيب عبدالملك اسماعيل وعندما شكل فيصل عبداللطيف الشعبي حكومته في ابريل 1969م آلت حقيبة الاقتصاد والتجارة والتخطيط الى عبدالملك اسماعيل.

خسر عبدالملك اسماعيل موقعه الوزاري اثر التقلبات التي شهدتها اليمن الجنوبية في 22 يونيو 1969م وشكلت الحكومة الثالثة برئاسة محمد علي هيثم وصدر قرار بتعيين عبدالملك اسماعيل مديراً عاماً لمكتب رئيس الوزراء بدرجة وزير ( أو بدرجته كما يقال في العرف الإداري).

السفير عبدالملك اسماعيل

انتقل عبدالملك اسماعيل للعمل في السلك الدبلوماسي الخارجي لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في مطلع سبعينات القرن الماضي حيث بدأ مشواره سفيراً مقيماً لبلاده في جمهورية مصر العربية وسفيراً غير مقيم في جمهورية السودان .

رشحته بلاده في ظل قيادة علي ناصر محمد للحزب والدولة للعمل في جامعة الدول العربية، وأبلى فيها عبدالملك اسماعيل بلاء حسناً، حيث عمل مديراً لبعثة جامعة الدول العربية في كينيا ومندوباً دائماً لبعثة الجامعة لدى منظمة الوحدة الافريقية (الاتحاد الافريقي حالياً) ونائباً لرئيس الدائرة الإعلامية في جامعة الدول العربية (تونس) وسفيراً مناوباً ومندوباً دائماً للجامعة لدى الأمم المتحدة، وكان عبدالملك اسماعيل أحد نواب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الدورة 26 . شغل عبدالملك اسماعيل منصب سفير الجمهورية اليمنية لدى جمهورية باكستان الإسلامية عام 1995م وسفيراًَ غير مقيم في بنجلاديش واعتمد بذلك اسم عبدالملك اسماعيل كأحد سفراء دولة الوحدة اليمنية.

عبدالملك اسماعيل وعضوية مجلس الشورى

اصبح عبدالملك اسماعيل في قوام المجلس الاستشاري (مجلس الشورى حالياً) عام 1997م ونشط من خلال لجنة السياسات الخارجية المختصة بالشرق الاقصىFAR EAST وتوقف عن نشاطه في المجلس اثر ظروف صحية قاهرة ألزمته الفراش وأخضعته للعلاج في الداخل والخارج حتى وفاته.

عبدالملك اسماعيل وعضوية اللجنة الدائمة للمؤتمر

بعد قيام دولة الوحدة في 22 مايو 1990م، فتح المؤتمر الشعبي العام الباب للقادمين من المحافظات الجنوبية الذين انقطعت صلتهم بالحزب الاشتراكي اليمني نتيجة صراع المراحل وعقد مؤتمراً استثنائياً وتم رفد اللجنة الدائمة بأعضاء جنوبيين جدد كان بينهم عبدالملك اسماعيل.

عبدالملك اسماعيل ينتقل الى جوار ربه

انتقل عبدالملك اسماعيل الى جوار ربه في قاهرة المعز حاضرة جمهورية مصر العربية يوم الأحد، الموافق 22 يناير 2006م عن عمر ناهز التاسعة والستين عاماً. ووري جثمانه الطاهر في ثرى أرضها المباركة.

الفقيد ناصر السقاف وعلى يساره الفقيد عوض الحامد في القاهرة عام 1959م
الفقيد ناصر السقاف وعلى يساره الفقيد عوض الحامد في القاهرة عام 1959م
2- ناصر علوي السقاف: خدم قضية وطنه بلا كلل وخذله الشلل..من مواليد عام 1929م في قرية الحافة بمنطقة دثينة تقع حالياً ضمن التقسيم الإداري لمحافظة أبين، ونشأ وترعرع في كنف والده السيد علوي ناصر السقاف منصب دثينة، وهي أسرة تمتعت بحضور اجتماعي بارز في محيطها من حيث أياديها البيضاء في حل الخلافات القبلية.

تلقى السيد ناصر السقاف تعليمه الأولي في رباط العلامة الحداد في مدينة نصاب (العوالق السفلى).. حيث تلقى دروساً وهو في سن العاشرة في القرآن الكريم وأصول الدين واللغة العربية.

أول المشوار مع عوض الحامد في «آرم بوليس»

في نهاية اربعينات القرن الماضي التحق السيد ناصر السقاف بصفوف الشرطة المسلحة ARMED POLICE وتعرف هناك على كوكبة من الشباب الذين اصبحوا من طلائع المناضلين ضد الوجود البريطاني، منهم المناضل الوطني المعروف عوض الحامد، وقد عرف السيد ناصر السقاف بين زملائه بحبه للقراءة والاطلاع.

عاد السيد ناصر السقاف أدراجه الى دثينة في بداية خمسينات القرن الماضي ليتحمل مهام والده منصباً لآل دثينة عقب انتقال والده السيد علوي ناصر السقاف الى جوار ربه وأهّله منصبه ليصبح عضواً في مجلس الدولة، لأن دثينة كانت مستقلة عن اي سلطنة مجاورة.

رياح الناصرية تغريه بترك المنصب وامتيازاته

تأثر السيد ناصر السقاف برياح ثورة 23 يوليو 1952م المصرية واستفاد من وضعه الاجتماعي في التأثير على مجاميع من قبائل من آل بالليل والعواذل والسعيدي والميسري والحسيني والمراقشة وآل السقاف في أبين. توجه السيد ناصر السقاف الى شمال اليمن في نوفمبر 1957م ومعه 700 مقاتل من تلك القبائل، وطالب الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين ملك المملكة المتوكلية اليمنية بتوفير السلاح لهم لبدء حرب التحرير ضد الوجود البريطاني.

السقاف ومشوار منظم مع فيصل عبداللطيف

انضم السيد ناصر السقاف الى حركة القوميين العرب - فرع اليمن - بواسطة المناضل الوطني الألمعي فيصل عبداللطيف الشعبي عام 1958م، وبعد عام واحد عقد أول اجتماع للمؤسسين الأساسيين لحركة القوميين العرب - فرع اليمن - ضم فيصل عيداللطيف الشعبي وقحطان محمد الشعبي والسيد ناصر علوي السقاف وعلي أحمد السلامي.

في العام نفسه 1959م قام السيد ناصر السقاف مع المناضلين محمد ناصر الجعري وعبدالله صالح غرامة بقيادة اول حملة مسلحة مكونة من 60 مقاتلاً من ابناء آل فضل والعواذل ودثينة ومعهم 18 لغماً و6 مدافع بازوكا و120 بندقية و40 ألف طلقة لدعم انتفاضة آل دمان وحمير في أبين ضد الوجود البريطاني.

السقاف في اول تشكيل جنوبي للعمل المسلح

تداعى مناضلون جنوبيون في فبراير 1963م في صنعاء، عاصمة الجمهورية العربية اليمنية، لتشكيل تنظيم مسلح تكون أرض عملياته المحافظات الجنوبية وشكلت لجنة تحضيرية من 11 شخصاً لوضع ميثاق جبهة للنضال، وكونت من قحطان محمد الشعبي وناصر علوي السقاف وعبدالله المجعلي ومحمد علي الصماتي وثابت علي المنصوري ومحمد احمد الدقم وبخيت مليط واحمد عبدالله العولقي وعلي محمد الكازمي وعبدالله محمد الصلاحي وعيدروس حسين الكافي.

وفي مارس 1963م التقى الجنوبيون في صنعاء لمناقشة العمل في جبهة واحدة لخوض معركة التحرير ضد الوجود البريطاني، وبذلت الجهود لتأسيس جبهة التحرير الوطنية لتحرير الجنوب اليمني المحتل، إلا ان المحاولات المبذولة باءت بالفشل.

وفي اغسطس 1963م أعلن السيد ناصر السقاف مع عدد من المناضلين منهم قحطان محمد الشعبي وسالم زين محمد وعلي احمد السلامي وعبدالله محمد الصلاحي ومحمد علي الصماتي وغيرهم عن تأسيس الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل، وعند وصول اخبار المعارك في ردفان واستشهاد الشيخ راجح بن غالب لبوزة الذي كان من اصدقاء السيد ناصر السقاف في 14 أكتوبر 1963م صدر اول بيان للجبهة القومية بإعلان ثورة 14 اكتوبر في جنوب اليمن.

السقاف ينأى بنفسه عن الصراعات العقيمة

جمد السيد ناصر السقاف نفسه في مطلع عام 1966م عقب انعقاد المؤتمر الأول للجبهة القومية في تعز (يونيو 1965م) بعد أن قدم عدداً من المقترحات الهامة لتصحيح الأداء التنظيمي والفدائي وتوحيد صفوف الثوار والمناضلين. تكررت اجراءات السقاف بتجميد نفسه عدة مرات رغم مطالبات قواعد الجبهة القومية بقيادة العمل الفدائي والتنظيمي إلا انه فضل البقاء بعيداً عن القيادة نظراً لاحتدام الصراع في الجبهة القومية وكان يتردد على صنعاء والقاهرة وتعرض لعدة محاولات اغتيال نجا منها جميعاً.

السقاف وتجربة مرة في السلك الدبلوماسي

تقديراً لدوره النضالي عينت السلطات العليا في عدن السيد ناصر السقاف قنصلاً عاماً لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية لدى دولة الكويت ثم قائماً بالأعمال لسفارة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجماهيرية الليبية ثم سفيراً لليمن الديمقراطية لدى امبراطورية اثيوبيا.

ترك السيد ناصر السقاف مقر بعثته في اديس ابابا عام 1973م وهو لا يملك سوى جواز سفره، وظل متنقلاً بين دمشق وبغداد والكويت طالباً اللجوء السياسي .

وقرر البقاء في القاهرة عام 1974م حيث منحته سفارة الجمهورية العربية اليمنية منحة مالية شهرية رمزية ضاعفها له الرئيس علي عبدالله صالح عام 1979م بمتابعة من الفقيد العميد يحيى المتوكل الذي كان حينذاك سفيراً في القاهرة الذي ربطته بالسيد ناصر السقاف علاقة قديمة وقوية.

السقاف يسأم المنفى الاختياري

شد السيد ناصر السقاف الرحال الى عدن عام 1982م بعد أن سئم حياة الشتات وساورته رغبة البقاء في قريته «الحافة» بمديرية لودر (محافظة أبين) والتي حرم منها طويلاً بسبب نشاطه السياسي والفدائي والنضالي.

في العام 1983م اصيب السيد ناصر السقاف بشلل نصفي فنقل الى الخارج للعلاج بتوجيه من الرئيس السابق علي ناصر محمد، وبعد فترة علاج طبيعي تحسنت حالته كثيرا ً وعاد الى قريته. داهم الشلل السيد ناصر السقاف مرة أخرى وتدهورت حالته الصحية ورقد في مستشفى باصهيب العسكري بعدن وصعدت روحه الطاهرة الى بارئها يوم 10 يونيو 1999م عن عمر ناهز السبعين عاماً مخلفا وراءه سجلاً كفاحياً ووطنياً ناصع البياض.

أتوجه بجزيل الشكر إلى السيد عباس ناصر السقاف، نجل الفقيد، الذي أهداني نسخة من كتاب تأبين والده والذي اسعفني عند إعداد مادة هذا الموضوع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى