كلمتان عن الأسماك في البلاد

> محمد عبدالله باشراحيل:

>
محمد عبدالله باشراحيل
محمد عبدالله باشراحيل
غادرت عدن التي تعاني هذه الأيام من قلة الأسماك فيها من جهة ومن أسعارها الباهظة والجنونية من جهة ثانية، وتوجهت في زيارة لمحافظة حضرموت وفي مخيلتي أنه عند وصولي إلى مدنها الساحلية سأعوض حرماني في عدن من الأسماك الشهية وسأنهال على مختلف أنواعها صباح مساء حتى أروي وأشبع شهيتي المتلهفة، فهي المشهورة بأسماكها الكثيرة والهائلة والمنوعة والرخيصة، فإذا بي أفاجأ عندما دخلت أسواقها بمدينتي المكلا تنطبق عليها المقولة (الشعبية) التي تقول «جئتك ياعبد المعين تعينني لقيتك ياعبد المعين تنعان» أي بحاجة لمن يعينك، فأصبت بالصدمة والحسرة لقلة الأسماك فيها من حيث النوع والكم وكذا من الغلاء الفاحش الذي لا يتناسب مع الدخول والأجور المتدنية لعامة الناس وحينها أحسست بخيبة أمل وخاصة في مدينة الشحر المعروفة بغزارة أسماكها، حيث يعمل في نشاط صيد الأسماك فيها أكثر من (3000) صياد، الأمر الذي اضطرني كباحث اقتصادي أن أطرح الموضوع وأناقشه مع بعض ذوي العلاقة من المسؤولين والصيادين للتعرف على الأسباب والتي ألخصها وبإيجاز في الآتي:

1- عدم التزام بعض بواخر الاصطياد وخرقها للقواعد والضوابط المرعية، فهي تجرف كل شيء وتحدث الأضرار الجسيمة حتى بمراعي الصيد وتجرفها فلا تجد من يحميها، فالكبار لم يبقوا شيئاً للصغار.

2- استخدام الصيادين وسائل تقليدية وعدم إدخال التقنيات الحديثة للاصطياد لدى معظمهم.

3- قصور وعي الصيادين وتقصير وزارة الثروة السمكية في الجانب الإرشادي وربما لا توجد دائرة مختصة بالإرشاد السمكي فيها واستغربت عندما حدثني بعض الصيادين عن سمك الثمد بقولهم : «إن الثمد أصبح لا يأكل الصني (الطعم) الذي نصطاده به عادة ولا ندري لماذا؟!» ربما فاق وعيه وعي الصياد وطبق المثل القائل: «لا يلدغ المرء من جحر مرتين».

4- تغلب على عقلية معظم سكان المناطق الساحلية في البلاد استهلاك السمك الطازج المنتج في نفس اليوم ولا تستهلك الأسماك المبردة أو المجمدة، وارتبطت بهذه العقلية بالفترة التي يصطاد خلالها صغار الصيادين فهي بين الساعة الرابعة فجراً والثانية عشرة ظهراً فقط ولا يتم غالباً الاصطياد في غير هذه الفترة.

5- أصبح ذهاب الصياد لمراعي الصيد البعيدة مكلفاً للغاية وصعباً أيضاً مع ارتفاع أسعار البنزين وزيادته بنسبة تفوق 70% الأمر الذي يعكس نفسه سلباً على انخفاض كمية الأسماك المنتجة من جهة وارتفاع أسعارها في السوق من جهة ثانية.

6- تجاوزات بعض زوارق خفر السواحل وتعرضها للصيادين تارة بتهمة تهريب مخدرات وتارة بإبعادهم عن بعض المناطق وخاصة في المساء مع أنها ليست مواقع أمنية ولكنها مواقع مشبوهة على حد تعبير أحد الصيادين والذي أضاف قائلاً: «حاميها حراميها وأفهمها يا فهيم».

7- زيادة الطلب العالمي على الأسماك نتيجة العزوف عن لحوم الدجاج بسبب مرض أنفلونزا الطيور، زادت من طلب الأسماك المصدرة وبوجه خاص إلى الدول المجاورة وعلى حساب المعروض في الأسواق المحلية.

وفي الختام: قال أحدهم: إن الأسماك قررت الهجرة من البلاد لأنها لا تستطيع تحمل ما تشاهده من حالتي الجوع والفقر التي يعيشها الناس وهي بعد أن جرفت شركات الأسماك مراعيها في أراضيها وعدم اكتراث واهتمام الدولة بها، لا تريد أن يصل بها الحال إلى درجة المجاعة والتشرد ففضلت مغادرة البلاد والهجرة إلى بلدان أخرى تجد فيها الأمان وتحسين المستوى المعيشي.

وباختصار فإن الأسماك الكبيرة في هذه البلاد لا تأكل الأسماك الصغيرة فقط بل تأكل كل شيء ولم تبق شيئاً.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى