مشروع كهرباء كرش الشريجة .. وهم أم حقيقة؟

> «الايام» أنيس منصور حميدة:

>
المولد الذي قدمه رئيس الجمهورية لكرش بجانبه عامل المولد مقبل صالح حربي
المولد الذي قدمه رئيس الجمهورية لكرش بجانبه عامل المولد مقبل صالح حربي
كرش والشريجة محطتان تاريخيتان وذكريات لا تنسى كلما تذكرتها تذكرت البراميل والتفتيش، تذكرت عذابات التزفير، الحدود، القلوب المشطورة، الحمير المراقبة، الخطوط الحمراء، حياة اللا استقرار، نزيف الالتهابات الحدودية الدموية، مساحات لدموع الأحبة.. عند الالتقاء والفراق .. وبعد إعلان الوحدة وذهاب البراميل استبشر مواطنو كرش خيراً ودغدغ عوطفهم صوت العطروش «زغردي يا كرش وارقصي يا شريجة» آملين بحياة أرغد وأفضل لكنهم كانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار، فمن أنات التشطير وحراس الحدود ولمبات الكهرباء والعلاج المجاني إلى عهد الظلام السرمدي، الذي جاء بمثابة دعوة حضارية لإخراج القماقم والنوارات والفوانيس من كهوف العهود البائدة، عهد جديد مشحون بالمعاناة والتعب مسكون بالهم والدفع مقدماً، وما من مسؤول حكومي صغر مقامه أو كبر إلا ورأى كرش والشريجة سواء أكان قادماً من صنعاء وتعز أو العكس ..عشرون ألف نسمة يعيشون تحت وطأة الظلام تحدث لهم مدير المديرية رئيس المجلس المحلي في ثنايا صحيفة «لحج» العدد 9 أن المحرومين من خدمة التيار الكهربائي 500 منزل فقط هكذا عيني عينك يا وطن الثاني والعشرين يا وطن الصفر الدولي يا وطن بلا براميل.

قرى الحميرة قرنة، حدابة، نتير، علصان، الضاحي، ذر، زيق، الشريجة، الحجفة، التي يسكنها فقراء مسحوقون تحت وطأة الحاجة يكابدون ليجدوا لقمة العيش ويتمنون سراجا كهربائيا فقط، ناهيك عن عدم مقدرتهم على انتزاع حقوقهم من بين أنياب وحوش الفساد، وفي هذا التحقيق نضع المجهر على مشروع «شاهد ما شفت لمبة» تدعي سلطة ألف ساعة حرب أنه حقيقة لكنه وهم وخيال لتكون البداية جنوباً من كرش ومشروع الكهرباء الذي وضع فيه الرئيس علي ناصر محمد سابقاً عام 85م لبنات الاساس وبدأ العمل فيه عام 87م بتوصيل الاعمدة والاسلاك مع مكينتي تشغيل ليصل النور إلى حدابة وقرنة و..و...إلخ ورفع الناس آنذاك شعار (وداعاً للفوانيس) واستمر هذا الوضع المضيء حتى عام 94م حين تعرض هذا المشروع للنهب ولحقت به أضرار جسيمة بسبب حرب صيف 94م، ومنذ ذلك العام ظل مشروع كهرباء كرش مسرحاً للمكايدات السياسية والنهب المنظم عبر حلقات متصلة يديرها لوبي فساد يرافقه صمت متعمد من الجهة المعنية العليا حتى يومنا هذا.

وبعد اثني عشر عاما تقف إدارة الناحية ممثلة بالمدير والمجلس المحلي عاجزة عن وضع حد لتلك المهزلة، هكذا ظل مشروع كهرباء كرش يتأرجح بين عدة إدارات وورثة تتناقله من غرفة الاسعاف إلى غرفة الانعاش والعناية المركزة ليستقر به الحال في ثلاجة الموتى خصوصاً الخط الموصل إلى السفيلي- الجربية - حدابة، ليتفرق دمه بين جميع الأحزاب، اما فيما مضى فحدث ولا عجب لا يزال اثنان من المولدات السابقة في المحل، أين ذهب الموالدان ومتى؟ ولماذا الصمت عن ضياعهما؟

وعن المكتبة الموجودة، قال الأخ عبدالعزيز المصرح أحد أبناء قرنة إنها من رئيس الجمهورية عندما افتتح مشروع المياه.

< ومن منطقة حدابة قال الوالد علي مقبل باقش، نائب رئيس الاشغال العامة بالمديرية: «إن منطقة حدابة وقراها تعاني من انقطاع الكهرباء منذ عام 94م وإلى الآن .. الأعمدة قائمة والأسلاك بحاجة للترميم وتوصيل الأماكن المنفصلة فقط. وعبر الأيام نناشد رئيس الجمهورية والمحافظ الالتفات إلى المنطقة وإعادة التيار الكهربائي أو المد من كهرباء الضغط العالي».

< ودخل علينا في الحديث عاقل منطقة الجريبة بديع جوبح متحدثاً: «إن التأزم المعيشي أوصل أهالي حدابة إلى مستويات اليأس والقنوط من شيء اسمه كهرباء».

< وتساءل الأستاذ عمار غانم: «لقد تم اعتماد مبلغ مالي من المجلس المحلي لترميم المشروع، أين ذهب هذا الاعتماد وقد تم التصريح به؟ أم أن الامر مجرد سياسة تخدير وتسكين؟ لقد شبعنا كذبا».

< وطالب عاطف محمد علي الحكومة وقيادة المحافظة «بالنزول إلى قرى حدابة بكثافتها السكانية والعمرانية لترى كيف نعيش على فوانيس، وأعمدة الكهرباء بجانب منازلنا، وإلا فلترحنا هذه السلطة وتأخذ الاعمدة وما تبقى من الاسلاك لأن من يمر علينا من زوار ومثقفين يظنون أن الكهرباء موصلة إلينا، وهذا كان زمان قبل 94م».

< وعن انقطاع الكهرباء في الوحدة السكنية كرش، السوق وقرنة، ذكر الوالد محمد أحمد أدام أنه تم تشغيل مولد الكهرباء فترة ثم انقطع بنظام الساعات، وفي رمضان تم التشغيل ثم انقطع، وهكذا «طفي لصي». فيما عبر بعض الأهالي أن اللجنة الاهلية القائمة بالمشروع كانت ناجحة لكن سبب الانقطاع زيادة الديزل أو الجرعة الأخيرة ورفض البعض تسديد ما عليهم من متخلفات.

< وبأنين موجز قاطعنا العاقل جميل شديق: «عجباً للحكومة وعجباً لوزارة الكهرباء لقد مرت أعمدة الضغط العالي فوق أراضي كرش وقرانا بأمتار فقط ثم حرمنا من توصيل سلك كهربائي، وبقية المناطق التي مر عليها الخط تم التوصيل لهم مثل الضلعة والذبلعي ومناطق الراهدة إلا كرش لا نعلم لماذا تم اقصاؤها من خدمة الكهرو حرارية».

< عضو المجلس المحلي ورئيس المشروع الاهلي لكهرباء كرش الأستاذ داؤود عبده صالح الملازم أفادنا متحدثاً: «في البداية أقدم شكري لصحيفة «الأيام» على تلمس هموم الناس، ونود أن نطلعكم أن كهرباء كرش الأهلية تضم قرى الوحدة السكنية وسوق كرش وقرنة فقط، وقد كلفنا من قبل مدير عام المديرية السابق سعيد قائد الجابري بتشغيل الكهرباء وفعلاً استدعينا الجمعية العمومية في شهر أبريل 2004م وتجاوب المواطنون وتحمسوا لتشغيل المشروع مقابل مساهمة المواطنين كحد أدنى خمسة مئة ريال وألف ريال كحد أعلى، وتم تشغيل المشروع وصيانته وبلغ عدد المشتركين مائة وأربعة مشتركين، كما فتح دورة مستندية ووضع ختم باسم المشروع وتنظيمه وجرد ممتلكاته وأصوله وفتح حساب بنكي للمشروع واستمر مشروع الكهرباء من يوليو 2004م إلى شهر أغسطس 2005 ، وتوقف توصيل الكهرباء بسبب زيادة أسعار المشتقات النفطية، ولم يستطع المواطنون دفع رسوم الاستهلاك لأنها ستكون مضاعفة عليهم، وتوقف المشروع بعد اشعار المستهلكين والجهات المختصة، نأمل من قيادة المحافظة وضع المعالجات. وأما قرى حدابة فهي ايضاً بحاجة إلى اعادة تسليك وربطها بهذا المشروع والحل الامثل للعزلة هو الربط والتوصيل من كهرباء الضغط العالي».

طلاب محتلقون يذاكرون على ضوء الفانوس
طلاب محتلقون يذاكرون على ضوء الفانوس
خلاصة الوضع الحالي لمشروع كهرباء كرش أنه لم يبق لهم غير مناشدة رئيس الجمهورية لينقذهم من دخان الفوانيس والنظر إلى عذاباتهم، والحقيقة أننا في هذا التحقيق عايشنا تذمراً واسعاً بين الناس حتى أن عدداً منهم بلغ بهم التذمر إلى ما يمكن وصفه بالاضراب عن الكلام لشعورهم أنه لا جدوى منه وأنه لن يغير من الأمر شيئاً في بلد كبلدنا، والبعض تجنب الحديث لاعتقادهم أن ما سيقوله لن يكون فيه فائدة بقدر ما سوف يسبب له مشاكل في وظيفته، والبعض تعامل معنا كأنه وجد فرصته التي يبحث عنها لإيصال كم لا بأس به من الشتائم والسباب بأنواعها واحجامها المختلفة والاوصاف غير اللائقة في حق مسؤولي المحافظة وقيادة المديرية، لكننا نترفع عن نشرها كما هو دأب صحيفة «الأيام»، ولكن نكتفي بالإشارة إليها لتؤكد موشرات الاحتقان الشعبي ومشاعر اليأس السائدة في المجتمع الكرشي، وآخرون ربطوا بين مرحلة الانتخابات ومشروع الكهرباء بلسان مقاطعة الانتخابات حتى تتوفر المشاريع وفي مقدمتها تشغيل كهرباء كرش.

الشريجة والدهلزة الكهربائية
الشريجة نفسها قريبة من الخط العام لكنها بعيدة عن عيون السلطة، تجمعت فيها عدة حيثيات جعلتها تعيش خارج نطاق التغطية الحكومية .. فقر مدقع، جهل مستحكم، طبيعة قاسية، ظلام دامس، بضعة كيلومترات بينها وبين كرش، لكن عذابات مواطنيها تنفطر لها القلوب وتدمع لها العيون .. كثيراً ما ينزل فيها مسؤولون مسافرون للاسترخاء من عناء السفر وشراء القات وكثيراً ما ينقل هؤلاء المسؤولون تحيات النظام، وظن بعضهم أن الشريجة مجموعة من صناديق الزنك ولم يعلموا بمناطق الحجفة، العثامنة، الدبي، الرهو هذه المناطق التي غابت من ناظريهم إلا من أضواء خافتة تصدرها الفوانيس والقماقم والمسارج أيام الصيف. ولكي تطلع على موضوع المد الكهربائي للشريجة وتفاصيله جيداً تحتاج إلى التفرغ خمسة أيام بلياليها على الاقل، هكذا تلفظ لي الاستاذ عبدالكريم مفلح. < أما السيد أحمد الزغير أحد وجهاء الشريجة فله بصمات طيبة في المتابعة والبحث لدى دهاليز المحافظة، فوضح في اتصال تلفوني أنه يتأبط في حقيبته ملفا مكتظا بعشرات الاوراق وعشرات التوقيعات والتحويلات، منها ما هو بخصوص مد خط الضغط العالي إلى مناطق الشريجة ومنها ما هو بخصوص توفير مولد تشغيل، لكنها حتى الآن حبر على ورق ولا عجب أنت في دولة المليون ملف والمليون متابع، وعلى نفس الصعيد لدى الشيخ عبدالقوي العثماني شيخ قبيلة العثامنة ملفات وتوجيهات ومذكرات وتوقيعات ارساليات ودراسة كهربائية وصور ومواضيع صحفية عن إمداد الشريجة بالكهرباء، أي أنه يحمل ما تنوء به العصبة أولو القوة من المذكرات تحكي عن رحلة شاقة وتعب أبدي عنوانه البحث عن تيار كهربائي، رغم أن هذا الشيخ قيادي مخلص للحزب الحاكم، إلا أن هذه القيادية لم تشفع له في الحصول على ضوء لمبة كهربائية، وبهذه المتابعات والملفات كان مشروع كهرباء الشريجة مداداً على ورق وكأني أتذكر أن قمة شرم الشيخ التي انعقدت لمناقشة إحدى عشرة ورقة وأبناء الشريجة لم يحصلوا على مشروع كهربائي بأوراق تعادل إمكانية انعقاد عشرين قمة إلا قليلا.

< عضو المجلس المحلي للشريجة أحمد سلام تحدث بشفافية ومصداقية عن الوضع الذي تعيشه مناطق وقرى الشريجة قائلاً: «قرانا باكية، ليلها بنكهة الخوف وطعم المخاطرة، أهلها مقصيون منسيون .. حرمان قائم فقد أبعدتنا السلطة إلى خارج دائرة الاهتمام .. كانت الشريجة تابعة لتعز ومحرومة من ابسط مقومات الحياة، واليوم تابعة لمحافظة لحج ولا زالت محرومة من الكهرباء، انظر أمامك لترى أن خط كهرباء الضغط العالي مر مرور الكرام أمام منازلنا وعلى أراضينا ونحن محرومون بكل معاني الحرمان، أرفع تساؤلي إلى معالي وزير الكهرباء، إلى متى سنظل بهذه المعاناة وهل من نظرة بعين المسؤولية، مشروع كهرباء الشريجة هو حلم من الاحلام الوردية ومع بداية كل انتخابات تكثر الوعود ودق الصدور وما أن تنتهي الانتخابات إلا وتذهب كل الوعود. وعلى كل حال أشكر صحيفة «الأيام» على نزولها وتلمسها أوجاع منطقة الشريجة».

بهذه الألفاظ والجمل المتفاوتة اختزل الأخ أحمد سلام حديثه وقال:

«لا حل لنا الا بتوصيل تيار كهربائي من أعمدة الضغط العالي لنعيش حياة انسانية ونرفع راية بالروح بالدم نفديك يا حكومتنا والسلام».

وفي الأخير لا يسعنا إلا أن نقول يا جمهورية القماقم والفوانيس .. يا ثورة الآلام والتداوي بالدفع مقدماً.. يا سياسة المشاريع الهلام، حاولي ولو مرة واحدة أن تنظري إلى كرش والشريجة لتري صبرهم المسكون بذل الانكسار، وحدقي ملياً في براميل تفتيش كانت ثم ذهبت لتبقى كرش والشريجة ظلمات بعضها فوق بعض ولسان حالها يقول:

كلما قلنا عساها تنجلي قالت الأيام هذا مبتداها

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى