«الأيام» تسلط الضوء على صاحب أول مدرسة لتعليم اللغة الإنجليزية في حضرموت الأستاذ الفاضل محمد سالم باشريف..بدأ تدريس اللغة الإنجليزية في المكلا عام 1947م وترأس نادي الشباب منذ تأسيسه عام 1954م..آلاف الخريجين استفادوا على مدى 59 عاماً من مدرسة (باشريف) ومنهم الفنان د. عبدالرب إدريس ووزير المالية الأسبق وحسين باغويطة

> «الأيام» صلاح العماري:

>
الاستاذ باشريف والزميل صلاح العماري
الاستاذ باشريف والزميل صلاح العماري
في الحياة رجال لعبوا أدوراً وكانت لهم بصمات.. عاشوا من أجل هدف.. ومازالوا.. لم يكترثوا لمغريات الحياة ومساقط النفوس.. فأصبحوا رجالاً صالحين حفروا أسماءهم في طابور المخلصين.

لذا ارتأينا أنه من الواجب تسليط الضوء عليهم.. وأحدهم الأستاذ القدير محمد سالم باشريف - أطال الله في عمره- صاحب أول مدرسة لتعليم اللغة الإنجليزية بجهود ذاتية.. تخرج على يدية الآلاف من طلاب حضرموت الذين تبوأوا مناصب عليا في الدولة.. وكانت له نشاطات اجتماعية ورياضية ملموسة.

- اسمه محمد سالم كرامة باشريف.. من مواليد مدينة المكلا محافظة حضرموت عام 1932م، تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي في المدرسة الأهلية بالمكلا وكان من أوائل الطلاب، درس اللغة الإنجليزية على عدد من مدرسي المكلا منهم الأستاذ مكرم خان والأستاذ مبارك بلال وكان شغوفاً باللغة الإنجليزية ويعشقها بل ويحتاجها كحاجته للماء والهواء. يقول الأستاذ محمد باشريف (74) عاماً -أطال الله في عمره - لـ «الأيام»: «كنت مغرما باللغة الإنجليزية وكنت أواصل دراستها عن طريق المراسلة مع المعاهد الإنجليزية في عدن، ثم توظفت وعمري لا يتجاوز الـ (18) عاماً في إدارة الخدمات الصحية إبان السلطنة القعيطية في الخمسينات ضابط مستودع ثم تحولت للهيئة العامة للمياه مساعداً إدارياً ثم عينت مديراً للمياه بالوكالة عام 1960م وفي عام 1967م ذهبت عن طريق إدارة المياه إلى بريطانيا في منحة دراسية في الشئون الإدارية والاجتماعية».

كانت تلك الدورة التي استغرقت سنة كاملة مهمة للأستاذ باشريف بل جاءت في وقتها.. يقول حول ذلك : «كانت أمنيتي في الحياة السفر إلى بريطانيا ورؤية الإنجليز وطباعهم وحياتهم، كانت عندي رغبة جامحة في الاطلاع وهي فرصة تمنيتها في حياتي، ذهبت إلى مدينة (توركي) جنوب بريطانيا وعشت هناك عاماً كاملاً مع أسرة إنجليزية وكانت (توركي) مدينة سياحية جميلة». وأضاف : «لقد استفدت من تلك الدورة في حياتي الكثير خاصة في إجادتي للغة الإنجليزية وفي الشئون الإدارية والاجتماعية وقانون الإدارة المحلية والتنمية التربوية والاقتصادية وفي المجال الزراعي أيضاً».

بعد عودته من بريطانيا استأنف باشريف عمله مديراً بالوكالة لإدارة المياه في المكلا إلى أن أحيل على المعاش عام 1980م.

59 عاماً من العطاء
بدأ الأستاذ محمد سالم باشريف بتدريس اللغة الإنجليزية لأبناء المكلا عام 1947م عندما كان يعمل في مستشفى المكلا (باشراحيل سابقاً) حيث طلب منه أحد العاملين في المستشفى أن يقوم بتعليم ابنه، ثم توافد إليه زملاء العمل في المستشفى وطلبوا منه تعليم أبنائهم واستحسن الفكرة ومنذ ذلك الحين وهو يعمل على تدريس أبناء المكلا وحضرموت حتى اليوم وعلى مدى (59) عاماً، أطال الله في عمره وأمده بالصحة والعافية.

بعد ذلك وتحديداً في عام 1950م قام باشريف بإنشاء مدرسته الخاصة به التي اشتهرت في المكلا وعموم حضرموت باسم (مدرسة باشريف) والتي لعبت دوراً في تعليم الطلاب وتقوية لغتهم الإنجليزية وكان لها الدور الأكبر في ذلك الجانب نظراً لضعف المنهج الخاص باللغة الإنجليزية في المدارس.. يقول الأستاذ باشريف حول ذلك :«كان الإقبال شديدا عليَّ حتى أنني اضطررت إلى عمل قائمة انتظار وكانت امكانياتي شحيحة جداً، ولعل أكبرهم من عارضني كان الكتب فقد اعتمدت في أسلوبي على تدريس منهج الطريقة الحديثة لأبناء الوطن العربي التي كانت تدرس في المدارس العربية مجتمعة آنذاك، ونظراً لأن العرب وللأسف كعادتهم لا يتفقون فقد أخذت بعد ذلك كل دولة في عمل منهج خاص لها.. وكنت أستورد الكتب من الشركة الأم في بريطانيا عن طريق البريد ثم تواصلت مع لبنان لأخذ احتياجاتي من الكتب كون الشركة البريطانية لم تعد تنتج تلك الكتب لابتعاد الدول العربية تباعاً عن ذلك المنهج، وتابع يقول «ازدادت مشكلة الكتب عندي بعد حرقها جميعاً من المدارس عقب قدوم الجبهة القومية، لكني تواصلت مع الأستاذ حسن باعوم الذي كان حينها مديراً للتربية ووجهني إلى مديري المدارس لأخذ ما تبقى من كتب ولكنها كانت جميعها قد حرقت الا ما ندر، وكنت أدرس مقابل مبلغ زهيد لا يتجاوز الـ 5 شلن أو الـ 10 فيما بعد و20 شلن، كانت الرسوم رمزية جداً».

آلاف الطلاب تخرجوا في مدرسة باشريف التي كانت عبارة عن غرفة صغيرة أسفل منزله القديم ما يزال يحتفظ بمكوناتها إلى اليوم من سبورة صغيرة وطاولة وكرسي، وتبوأ بعضهم مناصب عليا في حضرموت والوطن والبعض منهم ما يزال يمارس بشرف مهنته موظفاً عند الدولة ولعل أبرز من درس في مدرسة باشريف الفنان الدكتور عبدالرب إدريس، ومحمد محفوظ باحشوان، وزير المالية الأسبق والمرحوم حسين سالم باغويطة، مدير المالية في حضرموت رئيس نادي المكلا الأسبق ود. عمر سهيل، نائب مدير مكتب الصحة بحضرموت وغيرهم كثيرون.. ولعل ما أثار اندهاشنا أن الأستاذ محمد باشريف ما يزال يحتفظ بأسماء كل الطلاب الذين قام بتدريسهم منذ الاربعينيات في سجلات خاصة أطلعنا عليها عند اصطحابه لنا لمعهده الجديد.

الاستاذ باشريف في معهده الجديد
الاستاذ باشريف في معهده الجديد
رئيس الوزراء يفتتح معهد باشريف
كان الأستاذ باشريف يحلم بتحويل المدرسة إلى معهد خاص ليكون نتاج جهوده في التعليم، وبالفعل شاء الله تعالى أن تتحقق أمنيته وأنشأ معهداًَ حديثاً رائعاً في المكلا يشمل تقنيات العصر تدرس فيه اللغة الإنجليزية وعلم الحاسوب وهو يشرف عليه ويقوم بالتدريس فيه أحياناً.. وقد افتتح الأخ عبدالقادر باجمال رئيس الوزراء المعهد تقديراً لدور الأستاذ باشريف ومسيرته الطويلة في التعليم وذلك يوم الأربعاء 21/12/2005م برفقة الأخ عبدالقادر علي هلال محافظ حضرموت.

حول ذلك قال الأستاذ باشريف: « أود أن أعرب عن جزيل شكري وامتناني للأستاذ صالح عباد الخولاني محافظ حضرموت، عضو مجلس الشورى الذي منحني قطعة الأرض التي قمت بإنشاء المعهد عليها، فله مني كل الشكر والتقدير والعرفان، وكذلك أشكر من كل قلبي دولة رئيس الوزراء عبدالقادر باجمال، الذي شرفنا بافتتاح المعهد وكذلك الأستاذ عبدالقادر علي هلال، محافظ حضرموت لتقديره للرعيل الأول ووقفته الطيبة معنا».

نشاطات رياضية واجتماعية
إلى جانب ذلك كانت للأستاذ محمد باشريف نشاطات رياضية واجتماعية عديدة، فقد كان أول رئيس لنادي الشباب الرياضي بالمكلا منذ تأسيسه في عام 1954م إلى عام 1967م كان يقوم مع زملائه بنشاطات أدبية واجتماعية وتمثيل روايات في قصر 14 أكتوبر بالمكلا ومشاركات في غيل باوزير والشحر واستقدام فرق وأندية من عدن، حيث استضافوا نادي شباب الجزيرة من عدن ومعهم الفنان محمد مرشد ناجي الذي أحيا حفلات في المكلا في الستينات وفي مناسبة أخرى استضافوا الفنان المرحوم أحمد بن أحمد قاسم. للأستاذ محمد سالم باشريف خمسة أبناء وثلاثة بنات جميعهم تعلموا اللغة الإنجليزية عند أبيهم ، وهم: د. خالد محمد باشريف، اختصاصي العيون، م. لطفي مدير التشغيل والصيانة بالمؤسسة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية بحضرموت، د. أكرم يواصل دراسته التخصصية في جراحة المخ والأعصاب في الأردن، أ. أشرف يعمل بجامعة حضرموت، ود. أمين يعمل طبيباً في مستشفى ابن سينا بالمكلا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى