إضراب طالبات كلية البنات 2 فبراير 1962

> «الأيام» اسمهان علس:

> أعلنت طالبات كلية البنات الإضراب عن الدراسة في الثاني من فبراير 1962، والاعتصام في ساحة الكلية، ودعوة زملائهن من الطلبة للتضامن معهن والمشاركة في هذا الاضراب، خاصة أن دوافعهن كانت ترتبط بصميم الحقوق الطلابية، بعد أن أصبحت السياسة التعليمية المنفذة في كل المدارس الثانوية واقعاً يهدد طموح الشباب من الجنسين وآمالهم العلمية والعملية. واستطاعت الطالبات بإعلانهن الإضراب تحديد مكمن الضرر المحدق بمستقبلهن التعليمي.

وكانت كلية البنات قد عاشت قبل أيام من حدوث هذا الإضراب صداماً بين عميدتها وبعض طاقم التدريس من المعلمات الأردنيات، وتم ترحيل المدرسات إلى الأردن وسط احتجاج الرأي العام المحلي. ولم يكن هذا الخلاف في حقيقة الأمر ذا ارتباط بالقضايا التعليمية بقدر ما كان توجساً من قبل العميدة من حقيقة العلاقة الطيبة التي كانت تجمع هؤلاء المدرسات بالطالبات، وخوفها من تأثيرهن على تشكيل قناعات سياسية لدى الطالبات العدنيات.

ومنذ اليوم الثالث من شهر فبراير عم الإضراب كافة المدارس الثانوية الحكومية للبنين والبنات وحدد الطلاب دوافعهم من هذا الإضراب في منشور وجه إلى الجهات الرسمية في عدن. وقام بتقديم مجموعة من الطلبة والطالبات إلى رئيس المجلس التنفيذي لعدن في مقره بمدينة التواهي في وسط تجمهر كبير من الطلبة والطالبات في الساحة المواجهة للمجلس.

وكانت من بين أهم القضايا التي شملها هذا المنشور قضية التفرقة في نظام الامتحان ما بين البنين والبنات. كما احتلت سياسية التفرقة العرقية بين الطالبات موقعاً مهما في مطالب هؤلاء المضربين، إذ كانت عميدة الكلية آنذاك تميز في المعاملة ما بين الطالبات العدنيات والهنديات واليهوديات.

ظل الطلاب والطالبات مضربين عن الدراسة، فيما شكل المجلس التنفيذي لعدن لجنة أهلية وحكومية لمناقشة السياسة التعليمية المنفذة في المدارس الثانوية وأدت نتائجها إلى الإضراب.

وكان من تداعيات هذا الإضرابات أن اشتد تفاعل الأوساط المحلية مع المضربين، فقد أعلنت جمعية المرأة العدنية إلى ضرورة تحقيق المساواة في الفرص التعليمية بين الجنسين واتباع الأساليب التعليمية السلمية في إدارة العملية التعليمية، كما طالبت جمعية المرأة العربية بالتضامن مع الطلبة والطالبات ومنح الدعم الكامل للقضية الطلابية. ونظمت العديد من الفعاليات المشاركة الداعمة للطلاب والطالبات. وفي الوقت نفسه أعلنت المنظمات والأحزاب السياسية عن تشكيل لجنة تضامن، وضمت مقترحاتهم افتتاح مدرسة ثانوية لتدريس الطلبة والطالبات الذين أوقفوا عن الدراسة.

وعلى الجانب الآخر أدت المظاهرات الطلابية المستمرة كل يوم إلى حدوث مواجهات بين الطلاب وقوى الأمن التي استخدمت القوة في تفريق هذه المظاهرات، ونتج عن هذه المواجهات اعتقال 16 طالباً و6 طالبات هن نجاة راجح، عائشة سعيد، هيام معتوق مكاوي، منيرة منيبارى، عادلة أحمد سعيد، رجاء سليمان، وقدموا جميعاً للمحاكمة في يوم 16 مارس 1962م.

كما تداعت الأوساط اليمنية مع هذا الإضراب، فقد وصف الشاعر البردوني ما كانت تموج به عدن في أثناء ذلك الإضراب بقوله: «هتاف هتاف .. وماج الصدا / وأرغى هنا .. وهنا أزبدا». كما جاء على لسان القائد علي عبد المغني أن هذا الحدث جاء في الوقت الذي كانت أوساط الضباط الأحرار يستعدون لتنظيم صفوفهم والإطاحة بحكم الإمامة (للتفاصيل أنظر: رضية إحسان، عدن الخالدة ميناء حر - ص 172 ).

لم تتمكن الطالبات من العودة إلى صفوف الدراسة في أكتوبر 1962 وترك الإضراب تأثيره بصورة غير معلنة على منحى السياسة التعليمية ذاتها. فقد أنشأت إدارة المعارف المدرسة الثانوية للبنات في مدينة كريتر بمواصفات وخصائص المدرسة الثانوية الحديثة Modern School في عام 1965 وأحدثت الإدارة عبرها التوسع المطلوب في أعداد الملتحقات بالتعليم الثانوي، وحقق افتتاحها ارتفاعاً في نسبة القبول إلى التعليم الثانوي وصل إلى 20% وهو إجراء كان ينبغي أن تسعى الإدارة البريطانية إلى التخطيط له منذ وقت مبكر سواءً في خططها الفرعية أو عبر اتجاهات سياسة العدننة.

وامتد تأثير الإضراب ليشمل التغيير في المناهج التعليمية المقررة في كلية البنات، التي حققت تغييراً نوعياً، اشتمل على إدخال دروس الطباعة والاختزال في السنتين الثالثة والرابعة، كما استمر العمل في هذه الكلية لإعدادها مدرسة أكاديمية. واتسع فيها نطاق المتقدمات لامتحان كامبريدج ليشمل كافة الطالبات المقيدات في الصف الرابع بشعبه المختلفة. وجرى توحيد نظام الامتحان للبنين والبنات للحصول على شهادة كامبردج. واستطاع هذا الإضراب أن يحقق نقلة تعليمية نوعية للبنات كانت السياسة البريطانية قد تجاهلت الحاجة الملحة إلى تحقيقها، كما دفع هذا الإضراب الإدارة البريطانية لإعادة النظر في كثير من منطلقات سياستها تجاه تعليم البنات.

وفي الوقت الذي حقق هذا الإضراب انفراجاً نوعياً في السياسة التعليمية، فإنه على المدى البعيد قد خلق تواصلاً مجتمعياً ملحوظاً بين أشخاصه والمنظمات الوطنية والاجتماعية المختلفة، عندما استطاعت هذه المنظمات جذب واستقطاب أعداد من الفتيات إلى أوساط العمل السياسي، ممن لمست فيهن النشاط والرؤية السياسية اللازمة. وسهل اتصال الفتيات بهذه الأطراف في أثناء الإضراب على دمج المرأة وتفاعلها الملحوظ مع الأحداث الوطنية اللاحقة، بحيث أصبحت عنصراً ملحوظاً فيها. ومن خلال ما تركه هذا الاتصال فإن إضراب الطالبات قد شكل معلماً وطنياً من معالم الحركة الوطنية لا يمكن تجاوزه عند التأريخ لها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى