«الأيام» والكلمة ما بين النور والعتمة

> علي محمد يحيى:

>
علي محمد يحيى
علي محمد يحيى
محطتان..فاتحة أصدق القارئ القول بأنه لا تربطني صلة معرفة مؤكدة أو مصلحة أو منفعة مشتركة بالأخوين العزيزين الناشرين أصحاب «الأيام» الأستاذين هشام وتمام باشراحيل أو الراحل العميد محمد علي باشراحيل له منا بالغ الدعاء بالرحمة والمغفرة، وله عنا خير الجزاء لمكارمة وأفعاله الطيبة. قلت لم تربطني بهذه الأسرة الكريمة صلة إلا من وفاء مشترك نحو «الأيام»، أصحابها وأنصارها، أو من محطات عابرات كان لها بالغ الاثر على النفس عندي:

أولاها.. وقفت عندها وأنا في أول اليفوعة في أوائل الستينات، وقتها كانت الزاوية المعنية بالشباب والطلبة بالصحيفة قد أعلنت عن مسابقة في الرسم والتلوين، وبأن يقوم المشتركون من الطلاب بتلوين منظر لسفينة بخارية، وأن يطلقوا عليها اسماً.. فكان أن اشتركت في المسابقة ولونت رسمة السفينة وأطلقت عليها اسم «اوفيليا» متأثراً برواية «هاملت» إحدى روايات شكسبير الخالدة كانت مقررة علينا في أول مراحل الدراسة الثانوية، وكنت من السعداء بأن حالفني الحظ وفرزت بإحدى جوائزها الثلاث، وبنشر اسمي على صدر الزاوية ودعوتي إلى دار «الأيام» لاستلام الجائزة من يد العميد طيب الله ثراه مباشرة.. وما كان ذلك الطود الشامخ حين قابلته إلا ملاكاً كريماً، رقيق المشاعر، استقبلني استقبال ضيوفه الكبار ببشاشة فائقة، وأنا الطفل، وسلمني جائزتي، مجموعة من أدوات الرسم ومن الكراريس المتنوعة لم أكن أتوقع مقدارها.

أما المحطة العابرة الثانية فقد كانت في مطبعة الجندي في أوائل السبعينات.. هذه المطبعة التي كانت في الأصل هي مطبعة دار «الأيام» كان باعها العميد مكرهاً مضطراً بعد أن تم تأميم الصحافة واحتكارها من قبل السلطة آنذاك، ولم يعد هناك من أمل عنده في إبقاء كامل المطبعة بعدتها وعتادها إلا من الخوف عليها من أن تصدأ وتتآكل مع الزمن وهي قابعة مهجورة في مكانها.. فما كان منه إلا أن قبل عرض بيعها بيعة (الجمل بما حمل) كما جاء في المثل وبأبخس ثمن. في هذه المحطة تعرفت عن كثب بالأستاذ الفاضل هشام باشراحيل الذي كان حينها مسؤولاً كامل المسؤولية عن ماكنة صناعة اكليشيهات الصور وترويسات وعناوين مقالات مجلة «الجندي» التي كانت تصدرها المطبعة، وكنت حينها أعمل مساهماً فنياً بالمجلة، بدعوة كريمة من الأديب والشاعر الأستاذ محمود علي الحاج متعه الله بالصحة وطول العمر ، الذي كان حينها مديراً للتحرير.

كان الأستاذ هشام مسؤولاً عن تلك الماكنة التي كانت وفي يوم من الايام ملكاً له.. وإنني إذ أتذكر هنا كم كان هو وفياًَ لتلك الآلة محافظاً عليها، لا يسمح لأي كان بأن يقترب منها في غيابه أو يمسها خوفاً عليها.. لا لأنها كانت في عهدته فحسب بل أيضاً لأنه هو الذي استجلبها إلى الوطن وكانت أكبر وأحدث مثيلاتها الموجودات في ذلك العهد، ولم يكن يتخلى عنه الإحساس بانتمائها إليه وأنه كان مالكها يوماً ليس ببعيد، فصار موظفاً مشغلاً وحيداً لها، وكان هذا الإحساس يبادله إياه كل طاقم المطبعة وعلى الأخص ممن كانوا ضمن شروط بيعها وتؤول ملكيتها إلى وزارة الدفاع أن تحفظ حقوقهم باستمرارية عملهم فيها وهم الغالبية، ولأنه لم يكن هناك من أحد مختص بصيانتها فكان هو من يقوم بهذا الدور أيضاً طوعياً غير ملزم.

ولأن العمل على هذه الماكنة ممتع ودقيق لتقنيتها غير المعهودة على الأقل عند أمثالي، فكنت أحظى بتغاضيه عن وجودي في الغرفة المخصصة لها بين الحين والآخر وأنا أرقبه وهو منهمك بتصنيع الاكليشيهات شارحاً لي تقنيات إعدادها والفرق في العمل بين اكليشيه وأخرى وبين مادة وأخرى التي كانت تُصنّع منها تلك الاكليشيهات التي كان منها البلاستيكية والمعدنية، وخصائص وطرق التعامل مع تلك الأنواع من الخامات وفي أسلوب تحديد مواصفات وملامح الصورة أو الترويسة.

وللكلام بقية...

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى