يافع.. الدّور والقصور

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
مهما وصف الوصّافون، وقالوا وأعادوا حول المعمار والعمارة اليافعية، وكيف ملأت الأرض واستوت مثل سفينة نوح على (الجودي) فتزينت بها سفوح الجبال وقممها ومنحدراتها ووديانها وشعابها كأنها تيجان على رؤوس الملوك، فلن يعطوها حقها من الوصف والتوصيف والإحاطة والتشريف، وهي فريدة ليس في اليمن بأسره وإنما في المعمورة وقد وصفتها أستاذة العمارة بجامعة لندن سلمى سمر الدّملوجي، بأنها ناطحات السحاب الحجرية الوحيدة في العالم، ورشّحت نماذج منها لنيل جائزة (أغاخان) لفن المعمار وهي أرفع الجوائز العالمية في هذا الميدان الذي يضرب في ميادين الفنون الإنسانية الراقية، وقال لي ذات يوم رئيس الأركان في قواتنا المسلحة محمد علي القاسمي، وقد بهره ما رأى: لو أن أهل يافع اتجهوا بأموالهم التي صرفوها لبناء تلك الحصون إلى الصناعة والتصنيع لكانت اليمن إحدى دول العالم المتقدم التي يشار إليها بالبنان، وقال لي وزير الثقافة والسياحة خالد الرويشان: هل يعقل ما رأيته، إنها ليست قرى وإنما مدن متلاحمة من الأبهة الجمالية والإبداع الأصيل، قلت له: لقد مررت في طرف الهضبة اليافعية ولم تشاهد سوى أقل من عشرة بالمائة مما هو مطلوب مشاهدته في العمق، ولهذا السبب فإن قلوب الناس محروقة للتقاعس غير المبرر عن إنجاز الطريق بين الفرزة والمفلحي حيث يتهرب المسؤولون من عبورها خوف المشقة ولكنهم يخسرون كثيراً لأنهم يُحرمون من رؤية كنوز (علي بابا) الساحرة، وكذلك الطريق بين المحاجي والشرف وخلاقة والطريق إلى اليزيدي والسعدي حيث أحلم بقمم تلك الجبال المواجهة لجبالنا لا يفصل بينها سوى وادي(يهر) منذ الصغر ولكنني لم أتمكن من الوصول إليها كأنها أرضٌ مسحورة محروسة بالجن ،أو أن ذا القرنين قد أتى بزُبر الحديد فأفرغ عليها قطراً فأصبح سكان كل جانب في فلك يسبحون.

تلوح طلائع العمارة اليافعية ذات التشاريف في أركانها الأربعة كما هو المعمار الكلاسيكي من منتصف وادي يهرْ للقادم من عدن، أما للنازل إلى عدن فيرى بحكم اختلاف زاوية الرؤية منظراً بديعاً شاملاً لأعلى (يهر) لأن علو (نقيل الخلا) يعمل بمثابة (بانوراما) كاشفة للمنظر العام كما هو حال برجي القاهرة وبرلين والكثير من مدن العالم التي تتباهى بمفاتنها، وفي قمة نقيل الخلا ترى (سَلَفَهْ) بواديها الأخضر الذي يكسو عمرانها ثوباً مخملياً في مختلف الفصول، ووراءها مباشرة تأتي(المحجبة) وأظن أن اسمها جاء من تحجبها بالجبال وتسلقها الخطر لحيد أملس سحيق وهي مقر سلاطين آل هرهره، وفيها أثر تاريخي في الذردة منها لولا تواضعها لقالت إنه يفوق (دار الحجر) في وادي ظهر بضاحية صنعاء الشمالية، وأنا أقول إنه يماثله جلالاً ويفوقه خطراً.

ما علينا.. بعد (نقيل الخلا) يأتي نقيل شعبان وهو يقود إلى سفح الهضبة اليافعية العليا الكثيفة السكان والمعمار وهي بمثابة متحف في الهواء الطلق للإبداع والتفنن، فعلى يمين القادم من عدن التجمع البعسي المهيب: قرى عديدة تواشجت فأصبحت مدناً واتصلت بمكتب(الضُّبي) حيث يوجد أهل بن صلاح بُناة يافع كابراً عن كابر، وحين تحاذي قرية (عنتر) الشهيرة بقصورها المعلقة وتجارها المحنكين المتمرسين الذين يستقطرون الماء من الصخر تكون قد أوشكت على الولوج إلى (الموسطة) أكبر مكاتب يافع العليا. ولأنني سأواصل معكم الأسبوع القادم حول المعمار اليافعي وأهله فدعوني أختم بنكتة حول مساحات (المكاتب) وهي تجمعات قبلية ضاربة في القدم، فقد عاد طالب من موسكو فسأله أبوه عن (الأتحاد السوفيتي) وهل هو في حجم مكتب(الحضرمي)؟ فقال: لا أكبر بكثير، فقال: في حجم البعسي والضُّبي؟ قال أكبر، فرد الأب: اخرط لك يا ابني اخرط، لكن ما تقول إنه أكبر من (الموسطة) وإلا رميتك من الطاقة، علماً أن بلاد السوفييت هي الأضخم في العالم.. إلى اللقاء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى