في منتدى شبام حضرموت قراءة فيلم تو ثيقي ألماني عن المدنية قبل أربعين عاماً..مخرج الفيلم جاكوب: استوحيت فكرة الفيلم من سورة قرآنية كريمة

> «الأيام» علوي بن سميط - عبد الله بن حازب:

>
المخرج والباحثة في احد الملاعب الرياضية بشبام
المخرج والباحثة في احد الملاعب الرياضية بشبام
عام 1962م قام السينمائي والمخرج جاكوب ولتر بتصوير فيلم وثائقي لا تزيد مدته عن عشرين دقيقة سماه «زمن الصحراء»وفي 8 فبراير من هذا العام الجديد 2006م وتحديداً يوم الخميس 9/2 وبعد 44 عاماً شوهد الفيلم لأول مرة بمدينة شبام واليمن عموماً إذ نظم منتدى شبام الثقافي جلسة لهذا الغرض استضاف فيها المخرج جاكوب وزوجته كارمن التي ألفت كتاباً عن اليمن وحياة الناس وعاداتهم وتقاليدهم وسارت بمفردها خلال 98م على الطريق القديمة ووصلت من البيضاء إلى شبام عبر سلاما وصولاً إلى الصعيد، عتق، عزان، بير علي، وادي حجر، دوعن، شبام تقود جملاً فسكنت في العراء وعاشت بين الناس. الزوجان أحبا اليمن حتى النخاع وسكنت محافظة حضرموت فؤاديهما فترددا على زيارتها.

واستعرض الفيلم على جهاز الفيديو وتسمرت أعين حضور المنتدى على الشاشة ومعظمهم لم يحضروا تلك الفترة التي صور فيها الفيلم، لأنهم لم يلدوا بعد وران الصمت وبعد الانتهاء منه عاد الجميع إلى واقعهم إثر هنيهة قضوها كحلم شاهدوا فيه حراك بالمدينة وازدحام في الستينات إذ لم تكن الكهرباء أو الماء موجودة بشبام زمن تصوير الفيلم، وعاش الحضور روعة القديم رغم قسوته وجمال الحاضر ولكن صورة واحدة تتغير ومشهد كامل يتبدل ألا وهو شموخ وعلو المنازل الطينية الشبامية.. وقبل استعراض الفيلم رحب الزميل علوي بن سميط رئيس المنتدى بالضيوف الألمان والحضور متمنياً التأمل في لحظة تأريخية وثقت قبل أربعين عاماً مضت سجلها باحثان رحالان هما بيننا اليوم.

محافظ حضرموت: الترويج السياحي
من أولويات اهتمامات المحافظة

تنامى إلى علم الأستاذ عبدالقادر علي هلال، محافظ حضرموت تواجد هذين الباحثين فوجه بدعوة كريمة إلى جاكوب وكارمن لزيارة المكلا شاكراً لهما حبهما لليمن وأهل اليمن وتسجيل تراث شبام حضرموت فلماً والحديث عن اليمن كتابة وبثت رسالة الأخ المحافظ هاتفياً مباشرة وبعد استعراض الفيلم، وذلك ينم عن اهتمام المسؤول بأمثال هؤلاء القادمين وإشعارهم بمستوى الاحترام تجاههم إزاء ما قدموه للوطن اليمني، وقال في حديثه الهاتفي للضيوف والمنتدى: «أشكر المنتدى لاستضافته هذين الرحالين والباحثين اللذين وثقا لليمن وكتبا عن اليمن فقط منذ فترة وتسجيل التراث وفق رؤيتهم الفنية والأدبية، فهذا النوع الثقافي أو أدب الرحلات كما يقال في الأدب العربي نحن بحاجة لقراءته والوقوف أمامه ومتابعته، قصص وأساطير ووصف من البيضاء إلى شبام إلى عدن إلى صنعاء إلى سيئون نقف أمامها كما وقفنا أمام مكتبة الرحالة الكبير نيبور، واليوم أمام شخصين أبيا إلا أن يتحديا الصعاب والزمن وهما السيد يعقوب والسيدة كارمن، تحديا الزمن ليبرزا لنا رؤيا من منظور آخر وسوف يساعد بالطبع ما صوراه وكتباه على الترويج السياحي إذ أننا بالمجلس المحلي بالمحافظة نضعه في أولويات المهام.. أنا سعيد بسماع انطباعات وآراء الباحثين وأن يسمعهما الحضور بالمنتدى وأشكر مرة أخرى المنتدى على هذا الاهتمام وأجدد الدعوة للسيدة كارمن والسيد يعقوب لزيارة المكلا وأهلاً بهم في اليمن ولكم الشكر».

المضمون: الماء والحياة في قالب فني سينمائي توثيقي
وكان المخرج جاكوب - يعقوب- تحدث في البداية شارحاً فكرة الفيلم بقوله: «وصلت شبام آنذاك وقرأت سورة قرآنية وتحديداً آيات منها كان ذلك قبل أربعين عاماً وفهمت معناها طبعاً حسب فهمي بأن حياتنا كالماء والمطر الذي يسقط من السماء ويعتقد الناس بأن من حقهم أن يفعلوا باستخداماته كيفما يشاؤون ولكنهم يبذرونه ولا يدخرونه فيذهب. وهذا الفيلم مستوحى من هذه الآية التي أعطتني فكرة نفذتها في 62م فالمطر الذي يهبنا إياه الله لا نستغله الاستغلال الأمثل، فمثلاً تأتي السيول وتجرف وتكسر وتهبط إلى باطن الأرض والفيلم كذلك يبدأ بالماء وهو الحياة وجزء منه أي الفيلم عن القوافل التي تأتي محملة وتفرغ حمولتها ثم تعود فارغة إلى الصحراء بمعنى أن الحياة تدور، وأنتم سوف تشاهدون الفيلم وهو بالأبيض والأسود ومدته قصيرة وأرجو أن تسعدوا به وتعطوني ملاحظاتكم أو أي سلبيات ترونها وسأعطيكم وجهة نظري.

ثم أدار الأستاذ عوض عمر حسان الجلسة التي تضمنت مداخلات وملاحظات وتساؤلات ومقترحات من معظم الحضور وهم: عوض حسان، علوي بن سميط، هود باظريس، سالم بن سميط، صالح باخبيرة، عبدالقدوس المتوكل، محمد باصويطين، ثابت العزب، خالد باجندوح، محمد فيصل باعبيد، عبدالله شعيب، أحمد محفوظ باذيب.

وتلخصت الطروحات في الآتي: أجمع المتحدثون بأن الفيلم صور بعض أوجه الحياة بمدينة شبام بداية الستينات ويمثل حالة توثيق نادرة جداً وبالمقياس الفني والتقني فإنه أيضاً حالة فريدة استطاع فيها المخرج وبتقنية ذلك الزمان توظيف موفق لاختيار المادة تصويراً، إخراجاً، مؤثرات صوت، دقة ووضوح وإتقان وتركيز مدهش متابعة للقوافل والصحراء وحول شبام وداخلها واستطاع ايضاً نقل المعاناة التي ارتسمت على الوجوه بداخل السوق القديم أو أثناء قيام النسوة (بنزح) المياه من (الأحساء) آبار المياة ببطحاء شبام وحملها في قربة واسعة حتى المنزل وكذلك حركة التجارة والمساومة في السوق بيعاً وشراء للحطب والفحم والحبوب والماشية ثم دخول البدو وقوافلهم من بوابة شبام (السدة) قامين من الصحراء، ومن الأسئلة والطروحات أظهر الفيلم معاناة الآباء والأجداد لاستخراج الماء عام 62م ولكن أهل شبام وفي نفس العام اجتهدوا في تأسيس شركة أهلية لتوصيل المياه حتى المنازل وتعتبر شبام أقدم وأول مدينة في حضرموت وقبل العاصمة المكلا حينذاك يتم ربط الماء عبر الأنابيب والحنفيات إلى المنازل.. لماذا اختتم الفيلم بخروج القافلة من شبام لا تحمل شيئاً وهبوب عاصفة رملية غطت المدينة، لماذا اختار المخرج هذه (القفلة) للفيلم، هل يعني أن ذلك يمثل شيئاً سوف يحل بشبام؟

نحن بحاجة إلى إعادة المجد التليد للمدينة تجارياً إذ أظهر الفيلم حركة غير عادية في السوق آنذاك، اليوم نراها انحسرت أو تلاشت، فلماذا لا نعيد أو نفكر بإحياء هذه الوضعية التي امتازت بها شبام قديماً.. نريد تحديداً معرفة لماذا تم التركيز على الحركة مثلما ظهر نوع من خنافس الصحراء وحشرات تسير بسرعة على الرمل ثم حركة الأقدام الحافية وأقدام الجمال والتركيز على حركة الأيادي أيضاً أثناء البيع والشراء ثم أن المخرج وبإتقان ربط دورة استخدام الماء منذ رفعه من الآبار ثم خروجه من ميازيب البيوت.. لو اختار المخرج إيقاعا أو موسيقى تصويرية سيكون أفضل حضرمياً كي تتناسب مع الموضوع على الرغم من أن الموسيقى المصاحبة للمشاهد جميلة هي أيضاً.. لم يلتقط من قرب منازل المدينة العالية أو النقوش التي بداخلها.. هل يتذكر المخرج شخصيات ساعدته أو مهدت له أثناء وجوده لتصوير الفيلم حينذاك.. أظهر الفيلم أيضاً فئة السماسرة (الدلالين) الذين لهم دور في الحركة التجارية، هل يرغب بالمزيد عن أدوارهم وهي مهمة حينذاك في البيع والشراء؟

لوحظ في الفيلم أن الحياة تعتمد على أدوات طبيعية ومن البيئة المحلية أدوات الماء والطاقة والغذاء كل ذلك من البيئة وصناعتها وليس مستورداً مما يتوجب الاستفادة مما كان يستخدمه الأجداد فكل شيء مصنوع محلياً.. صاحب الفيلم أذان للفجر ولكن اللقطة ظهرت في الصباح مما يتوجب توافق اللقطة مع رفع الأذان.. استطعنا أن نلاحظ أن مستوى النظافة لشوارع المدينة في الستينات أفضل مما هي عليه اليوم.

هل يوجد تفكير في مشروع فيلم قادم يصور الفروقات بين ذاك الزمان والوقت الحاضر.. أيهما الأفضل من وجهة نظر المخرج كمشاهدات للمدينة أمس أو اليوم.. هل ترجم الكتاب الذي اصدرته كارمن إلى لغة أخرى أم أنها اكتفت بالطبعة الألمانية وهل الكتاب يخاطب الشعب الألماني أم أنه للتعريف باليمن من مختلف الأوجه؟

وجاءت ردود جاكوب وكارمن في الآتي، أقول: «من جانب فلسفي أين نذهب، من أين نأتي ثم إن هناك مقولة سمعتها حينذاك بأن نهاية المدينة على السيول(عمر شبام على ماء) وكما ذكرت في البداية رؤيتي للفيلم وفكرتي كل شيء في حياتنا ينمو ويكبر ثم يعود وينزل .. كل شيء .. حضارات انتعشت ثم خفتت أو انتهت هكذا هي الحياة وصورتها كالقافلة وأخذت شبام نموذجاً تدخل قافلة وتخرج فارعة، هذه رؤيتي للحياة وكما أراد الله فلكل شيء عمر» وتضيف زوجته: «نأتي من عند الله ونعود إليه لا نعلم كيف ستكون هيئتنا أو حياتنا». «إن الفيلم ما هو إلا نموذج لفلسفة الحياة أما عن الملاحظات فإنني فعلاً أفكر في فيلم تسجيلي وهذا هو هدف زيارتي الحالية وسوف أعمل على إيجاد خلفية موسيقية حضرمية لذلك العمل والفيلم الذي شاهدتموه لدي رؤيتي عندما صورته وطبعاً لا مقارنة اليوم مع الأمس، اليوم لاحظت بالمدينة ثروة كبيرة كثروة الشباب والأطفال وهم مستقبل شبام وسعدت جداً عندما شاهدت كتاب (شبام في عيون أطفالها) خرجت بانطباع بأن الاطفال يدركون احتياجاتهم لذلك فهم يفكرون في مستقبل مدينتهم، أتذكر أنني حصلت على تعاون أثناء انجاز هذا الفيلم وتعرفت على د. أحمد عبد الجليل وهو باكستاني كان يعمل حينها بوادي حضرموت وشخص آخر اسمه محسن يأتي كل أسبوع من المكلا إلى شبام بالأسماك».. ورداً على سؤال ما هي السورة أو الآية القرآنية الكريمة التي قرأها وأوحت له بالفكرة فهي سورة الحجر وتحديداً «فأنزلنا من السماء ماءً فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين» آية (22) سورة الحجر.

أما السيدة كارمن فقالت عن انطباعاتها وإمكانية ترجمة الكتاب:

«لم يترجم إلى اللغة العربية ولكن هناك عقد موقع مع الناشر لترجمته قريباً بالإنجليزية وأتمنى أيضاً ترجمته إلى العربية، وكان هدفي نقل حياة الناس في اليمن كما هي، وقضيت سنة كاملة وكانت رحلة موفقة لم تحصل لي أي مشاكل مع أنني لم أتحرك بسيارة ولم يكن عندي مرشد سياحي، حاولت أن أفهم اليمن وبالفعل الناس يعلموننا اللغة ويضيفوننا وعرفت حياتهم وطبيعتهم وجمال اليمن وروعتها».

وفي نهاية اللقاء تقدم المنتدى بالشكر الجزيل للأستاذ خالد جعشان على الترجمة الفورية التي نقلها أثناء الحديث وطرح الأسئلة على الرحالين، وقدم منتدى شبام للمخرج والباحثة والتي هي عالمة أحياء أيضاً صورة كبيرة (لقلعة سعيدية بشبام) من تصوير المنتدى وكذا أشرطة فيديو وسيدي بها أفلام وثائقية عن اليمن وشبام وموسيقى تراثية من الأعمال التي جمعها المنتدى واحتفالات عيد الوحدة التي جرت بالمكلا (لوحة أعراس الجذور).

جانب من الحضور في جلسة المنتدى
جانب من الحضور في جلسة المنتدى
«الأيام» تنقل مشاهد الفيلم بالكلمة
الفيلم توثيقي وهو نقل واقعي ولكنه بعين خبيرة تلتقط جزئيات من مجموع لتعطي أبلغ صورة للحياة، فتبداً اللقطات بصحراء رملية مقفرة لا تسقط عليها الأمطار إلا نادراً ولا حياة على كثبانها، وفجأة يظهر في الفضاء المترامي (جعران) خنفساء أو ما نطلق عليه بالعامية فخسوس أو باجعالة، يأتي ذهاباً وإياباً وتتضح آثار حركته جلياً ولعل ما أراده المخرج بأن قسوة الرمال واستحالة الحياة عليها نظرية مغلوطة، فأظهر الحياة في هذا الحيوان الصغير ثم فجأة تظهر أقدام بدون نعل ثم خف بعير وتلتقط الكاميرا من على بعد لا بأس به قافلة محملة تظهر من بين الكثبان، فإذن الحياة تدب هنا وثانية بثانية تبدو مدينة شبام حضرموت بوسط الصحراء والوادي وذلك موقعها وبتحت المدينة ترفع النساء المياه من آبار البطحاء ثم ترتفع باتجاه سدة شبام وظهورهن تنوء بحمل قرب الماء الكبيرة المصنوعة من جلد الماعز، وتعبر بوابة المدينة في هذه اللحظات القافلة ويسألها سائل عن الحمولة وتمرق أيضاً النعاج والأبقار، هنا يصور المخرج أنه من الصحراء ووسط الوادي تدخل الحياة إلى مدينة الحياة شبام، ويتابع سيره حيث تدخل النساء بالمياه (المستقيات) بوابات البيوت ونشاهد المياه تندلق من ميازيب البيوت إذن يتم استخدامها وفجأة تتنقل العدسة إلى السوق القديم المحيط بجامع المدينة وتتعالى وتتداخل الأصوات .. وازدحام .. إنه البيع والشراء وتقترب الكاميرا من الوجوه لتتابع التقاطيع والانفعالات وتقرأ من الصورة تميز أهالي المدينة والقادمين من خارجها فيما الجمال أنيخت تحت البيوت الطينية وارتاح البدو وسط السوق وبين الناس ليوقدوا ناراً يطبخون أكلهم وسط المدينة، وتشتد حركة البيع ويتلمس الناس البضائع المعروضة لمعرفة جودتها وتقدير أسعارها، وبعد الزحام يسمع صوت المؤذن وصورته فوق المنارة فتبدو ساحة السوق فارغة ثم تدب الحركة مرة أخرى فيما بنّاءان يرصان مدر أحد المنازل ويحمل رجلان عوداً على كتفيهما يتوسطه دلو كبير جداً مملوء ماء، وتختلط الأصوات بأصوات الديكة المنبعثة من بين شوارع المدينة وتعود الكاميرا إلى البوابة ومنها تعبر النساء نحو الخارج حيث الآبار وتخرج القافلة وكل بعير بها لا يحمل أثقالاً سوى سنامه فقد أفرغت الحمولة لتعود من حيث أتت، وخارج أسوار شبام تهب العاصفة وتغطي البيوت المتراصة ولم تعد ترى شيئاً .. وهكذا أيضاً تختفي القافلة بين الرمال.

ونحن نرى أن هبوب العاصفة لا يعني زحزحة شبام بل أنها من وجهة نظرنا تغيير لمستقبل قريب يحفظ المدينة والاهتمام بها، فهي ربما ليست عاصفة خطر بل عاصفة تصد الخطر المحدق بالمدينة كما أن القافلة التي ذهبت خاوية بالتأكيد ستعود محملة بالخير نظير اهتمام الدولة والعالم بمدينة قديمة ثم أليس النساء اللواتي خرجن من البوابة نحو المسيال لنقل الماء من الآبار في الستينات عُدن بعد وقت يحملن أنابيب الماء حتى المنزل ليرتحن من عناء نقل الماء يومياً على ظهورهن، نعم قلت الحركة التجارية عما كانت في الستينات لكن المدينة لم تفقد حيويتها فهي تتجدد فإذا انتفت وظيفة مميزة لها فإن وظائف ريادية أخرى سوف تحصل عليها، ثم أليست شبام قبلة الزوار من أقاصي وأصقاع العالم؟

إذن هي ذاتها شبام صامدة بوجه كل الأعاصير، فقط هي تحتاج لأبنائها لبنائها بمنهاجية وطرق مدروسة بعيداً عن الشطط والمزايدات الممجوجة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى