كـركـر جـمـل

> عبده حسين أحمد:

> قبل يومين كنت أقلـّب صفحات المجلد الأول للسنة الأولى من صحيفة «فتاة الجزيرة».. وهي أول صحيفة عربية صدرت في جنوب الجزيرة العربية عام 1940م.. لصاحبها ورئيس تحريرها الأستاذ الكبير محمد علي لقمان المحامي رحمه الله .. كان المجلد الأول يضم أعداد الصحيفة منذ صدورها في 1 يناير 1940م ..كنت أقرأ صفحات المجلد وقد ثار فيَّ الشوق والحنين وعادت بي الذكريات إلى دار صحيفة «فتاة الجزيرة» المنهوبة في عدن.

< كنت أقرأ الأعداد صفحة صفحة وكأنني أمام شيء جديد علي .. شيء لم يسبق له مثيل في حياتي.. وكنت أشعر أن أشياء كثيرة ولدت من جديد في داخلي.. كان العمل الذي نقوم به في الصحيفة كأنه قصة حب.. لا يمكن أن يقوم به أي إنسان آخر ..كنا نتسابق في كتابة الخبر والمقالة والقصة والشعر والاستطلاع والريبورتاجات الصحفية.. وكانت ماكينة الطباعة تدور وتدور بدون توقف.. وكان فمها مفتوحاً يلتهم كل شيء نكتبه.. ونحن نواجه الخطر.. ونتحدى القيود ..ونقاوم السلطة.. وكلنا إيمان واستعداد للتضحية بكل شيء من أجل الحرية والاستقلال من حكم الإدارة البريطانية في عدن والحكم الإمامي في شمال الوطن.

< كنت في (منتدى الأيام) عصر أمس الأول.. وأنا أقلب صحفات (فتاة الجزيرة) قبل 66 عاماً.. قرأت أخبار الحرب العالمية الثانية.. وقرأت المقاولات المطولة للأستاذ محمد علي لقمان المحامي.. وقرأت المقالات النارية للأستاذ أحمد محمد نعمان رحمهما الله.. كان الأستاذ لقمان يكتب في السياسة والاجتماع والقصة.. وكان هناك إعلان صغير عن صدور أول رواية بعنوان (سعيد) تباع (بآنتين) في الأسواق للأستاذ لقمان.. وكان الأستاذ نعمان يكتب ضد الحكم الإمامي في شمال الوطن.. ينشر الوعي ويبين للشعب اليمني مساوئ وفساد وظلم واضطهاد هذا النظام.. ويحثه على الثورة من أجل الحرية والاستقلال.

< واستمتعت كثيراً بقراءة بعض القصص القصيرة المنشورة في صحيفة (فتاة الجزيرة).. وكانت متعتي أكبر وأنا أقرأ الكثير من القصائد الشعرية.. قرأت قصائد للأستاذ محمد عبده غانم.. باسمه الصريح أحياناً.. وبإمضاء (صدى صيرة) أحياناً أخرى.. وكانت أكثر القصائد المنشورة للأستاذ علي محمد لقمان.. فقد كان ينشر في كل عدد قصيدة تقريباً.. وكانت كل القصائد من عيون الشعر العربي.. وتذكرت أستاذي علي لقمان وأنا أقرأ شعره الجميل.. وكان أكثر شعره في تلك الفترة في الوصف والغزل والسياسة.. والظلم الذي كان يعاني منه الناس وهم يتطلعون إلى إدارة حكم بلادهم بأنفسهم.. والشعور بالقهر والضياع وهم يرون إدارة بلادهم بأيدي أبناء الجاليات الأجنبية من الإنكليز والهندوس والفرس.

< والأستاذ علي محمد لقمان هو الصحفي والأديب والشاعر والسياسي المعروف.. وهو صاحب دار (الأخبار).. ورئيس تحرير صحيفة (الأخبار) اليومية.. وكان كل عدد يصدر من صحيفة (الأخبار) يُذكّر الناس بحقوقهم المسلوبة.. كان يكتب وينشر كل يوم عن هموم وعذاب الناس.. وكان يشعر بأن هذه الهموم والمتاعب والمشاكل هي التي تأكل جسده وتمتص دمه.. إذا لم يخرج الشعب ويشارك في تحطيم قيوده وأغلاله.

< ورحل علي لقمان.. ولم يكن يدري أنه سيجيء اليوم الذي تنتهي فيه دار (الأخبار) التي انطلق منها صوته عالياً.. وهو ينادي بالحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان.. ولكن يقيني أن الشيخ الجليل عبدالله بن حسين الأحمر الذي بنى فوق أرضها مسجداً.. سوف يُعوّض ورثة علي لقمان خيراً.. ولن يبخل عليهم بشيء!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى