40 يوماً على وفاة عصام سعيد سالم فارس من فرسان الصحافة اليمنية..حزني على عصام

> محمد حسن الشميري:

> صديقي الراحل عصام سعيد سالم، صاحب القلم المملوء بالوطنية الصادقة والحق الصريح الجسور.. عرفته في جمهورية مصر العربية، وذلك في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، حيث درسنا معاً في كلية الآداب، جامعة القاهرة، كنت أدرس في قسم علم الاجتماع، وهو يدرس في قسم الآثار.. كنا نلتقي بين اليوم واليوم، وكانت لقاءاتنا تنسج خيوط علاقتنا شيئاً فشيئاً.. حتى صارت متينة نقية، بعيدة عن الرسميات والتكليف، الا أنه لم يكمل دراسته.. بسبب قطع العلاقة الدبلوماسية بين اليمن الجنوبية - آنذاك - ومصر، إثر زيارة الرئيس السادات لتل أبيب.. فأجبر عصام - وغيره الكثير من الطلاب اليمنيين - على الرحيل من مصر.

خلال تلك الزمالة واللقاءات.. تكشّف كل منا صفات وطباع الآخر.. في المرح وحب النكتة حتى في وقت الأحزان، فكانت متوافقة ومتطابقة، ما زاد من متانة علاقتنا واقترابنا من بعضنا البعض أكثر وأكثر.. كان ما فينا يعنينا نحن فقط، ولا يعني سوانا من الناس.. فنحن نتحمل ونحتمل كل همومنا وآلامنا.. ولا نلقي منها أي قسط على الآخرين، فلا يشكو أحد منا ما حل ويحل به لأي إنسان سوى لصديقه.. كنا نقول الآهات لأنفسنا، ولا نقولها لأحد سوانا.. وهكذا.. كنا نجمع آهاتنا من أوجاعنا ونفرغها في جراب واحد، ونرميه خلفنا.. ونبتسم للناس وللحياة وللآتي بما يحمله لنا من حلاوة ومرارة.. لأن الله أوصى الإنسان بالصبر.. {واصبروا إن الله مع الصابرين} صدق الله العظيم.

رغم أن السنوات الكثيرة مرت على فراقنا عن بعضنا البعض إلا أن (عصام) لم يفارق مخيلتي ولم يغادر قلبي، حتى رجعت الى ارض الوطن.. فالتقيته يعمل في مؤسسة «14 أكتوبر» للصحافة والطباعة والنشر.. فشاءت الأقدار أن التحق بالعمل في قسم الاستيراد وتوزيع المطبوعات والإعلان.

كان عصام يعمل محرراً آنذاك.. ثم عُيّن رئيساً لأحد أقسام الصحيفة.. فكان في بعض الأحايين - عندما يكون مشغولاً - يكلفني بكتابة موضوعات أو أعمدة، حول كذا وكذا.

بعد ما تمت الوحدة المباركة.. أخبرني أنه ينوي إصدار مجلة (كاريكاتورية) ساخرة، بعنوان «صم..بم» وطلب مني أن أكون بجانبه عونا له، وأكون أحد محرريها.. ومصححاً للأخطاء التنضيدية واللغوية، وأن يفرد لي فيها صفحة تهريجية ضاحكة، أتلقى أسئلة القراء وأرد عليها. فاخترت لها عنواناً (فشفشي.. يعرف كل شيء).

تم إصدار العدد الأول منها في شهر يناير عام 1992م. إلا أن ذلك العدد تم احتجازه من قبل (عدنان البيض) عندما كان مديراً للأمن في محافظة عدن.. فأخبرني عصام بذلك الحجز.. وأنه سيتوقف عن إصدار المجلة.. فقلت له: لا تخف فالعدد سيرى النور بعون الله، وستستمر في إصدار المجلة. وفعلاً بعد متابعة، تم الإفراج عن العدد واستمرت المجلة في الصدور وظللت أعمل فيها حتى عام 1999م فأعفاني عصام من صفحة (فشفشي يعرف كل شيء) وذلك نظراً لسوء حالتي النفسية التي معها لم أعد أنتج المطلوب فأبقاني مصححاً لموضوعات المجلة.

عندما عُيّن رئيساً لتحرير صحيفة «22 مايو» عام 2000م طلب مني العمل معه فيها، فكان له ذلك حتى قدم استقالته منها بسبب خلافات حدثت له مع من وصفهم بمحبي الهيمنة النرجسيين الأنانيين.

عاد عصام للعمل في صحيفة « 14 أكتوبر» نائباًَ لرئيس التحرير وفي عام 2005م تم تعيينه نائباً لرئيس مجلس الإدارة، نائباً لرئيس التحرير في الصحيفة.

كان يعشق العمل الصحفي كثيراً، ما جعله يقضي معظم أوقاته صباحاً ومساءً في العمل، ولم يعبأ بالإرهاق الذي كان بادياً على ملامح وجهه.. كنت أنصحه أن يعطي جسمه قسطاً من الراحة ليحافظ على صحته البدنية والعصبية والنفسية، فكان تارة يقول لي إن المسئولية تفرض عليه أن يبذل قصارى جهده، وتارة يعدني بأنه سيحاول العمل بنصيحتي، خصوصاً عندما يشتد عليه الإرهاق ويشعر بآلام المرض بالسكري.

ولكن عصام لم يفعل ما وعدني، ولم يرحم نفسه حتى رحمه الله باختياره الى جواره.

إنا لله وإنا إليه راجعون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى