(اللاكنيون) العرب ..ومعنى الوفاء لديهم

> احمد عمر بن فريد:

>
احمد عمر بن فريد
احمد عمر بن فريد
ظهرت هذه المفردة العربية (اللاكنيون) في أعقاب الاجتياح العراقي لدولة الكويت مطلع التسعينات، وترادفت مع مصطلح سياسي آخر في الزمان والمعنى وهو مصطلح (دول الضد) وقصد بها من أطلقها، مجموعة الدول العربية التي كانت تقول إننا ضد اجتياح العراق للكويت (ولكننا) ضد التدخل الأجنبي في هذا النزاع (العربي- العربي) الذي لا ينبغي حله إلا على الطريقة العربية - بحسب رأيهم .. وإن كانوا يعلمون حينها علم اليقين، أن الآلية العربية (الدبلوماسية أو العسكرية) لا تملك أن تخرج جندياً عراقياً واحداً من أرض الكويت المحتلة، ومع ذلك أراد هؤلاء (اللاكنيون) أن يكون مصير دولة الكويت وشعبها تحت رحمة هذه (اللاكن) العربية العجيبة.

هذه السذاجة العربية في السياسة- إن جاز التعبير- لم تنته بنهاية تحرير الكويت وإنما استمرت كظاهرة سياسية رائجة يمتطي صهوتها كل من قرر في مرحلة معينة، أن يرفع صوته عالياً في خطاب (ديماغوجي) في هذه الساحة العربية أو تلك، أو أمام هذا الاجتماع الحزبي العاصف (المصفق) أكثر ما يكون لهذه (اللاكن) العجيبة، التي ما بين ثناياها ومعانيها اللا محدودة تذهب عذابات الجماهير وتتراجع من الأولويات في أداء الحكومة، إلى مقدمة ضرورية في علم المزايدات السياسة، ويكون الأغرب من كل ذلك مقدرة (هؤلاء الخطباء) على انتزاع التصفيق الحار من بين السواعد والأصابع المنهكة والمتعبة.

كنت أستمع مؤخراً لخطاب سماحة السيد حسن نصر الله وهو يتحدث بحماسته المعهودة عن الوفاء للبنان، وللحريري، ولسوريا ..إلخ، غير أن أكثر ما استوقفني في خطابه كان مقطعاً آخر تحدث فيه عن تفضيله الانخراط في تحالف يبدأ من بيروت ويمر بدمشق وينتهي بطهران، على محور آخر يبدأ من تل أبيب- على حد قوله - ويمر بباريس وينتهي بواشنطن.

وهنا نجد أنفسنا أمام هذا النوع من الخطاب السياسي الذي يجعل من روح العداء العربي الفطري لإسرائيل هدفاً تضربه مفرداته الزاعقة بكل قوة، وهو يعلم أنه بهذا الضرب أو التمويه سيحتل قلوب البسطاء - أينما كانوا وحلوا- حينما لا تقوى (بساطتهم) على فك تناقضات الكلام التي تتوه وتتلاشى بشكل طردي مع ارتفاع وتيرة الصوت وحشرجاته وعنفوانه، لأن من سمع خطاب نصر الله يومها، سيوقن أن تحالف قوى (14 أذار) التي احتشدت في ساحة الحرية قد بدأت مسيرتها من تل أبيب وانتهت في واشنطن!

فمن الحقائق الكبيرة الواضحة التي تتوه وتتبخر أمام مثل هذا الخطاب حقيقة أخرى، تخبرنا أن التحالف (المفاجئ) الأخير الذي حدث ما بين حزب الله والعماد ميشيل عون، هو تحالف مع رجل افتخر ذات يوم من باريس بأنه كان خلف القرار الشهير 1995، الذي يلعنه نصر الله في اليوم الواحد ألف مرة، ويصفه بأنه ليس سوى خلطة صهيونية تستهدف سلاح حزب الله، فكيف إذا جاز لهذا التحالف الجديد الذي (لا يمر) بتل أبيب أن يتحالف في لحظة (خاصة جداً) مع من اتهمه نصر الله أنه كان يسير في تحالف بدأ من تل أبيب؟

إن مثل هذا التناقض الكبير، يمكن أن يفقد شكله الواضح ويتحول إلى شكل هلامي حينما تتصدر وتتصدى له هذه (اللاكن العربية) السحرية التي تمتلك المقدرة الخارقة على تفسير الأمور، وقلب الحقائق وتعسفها وجعلها تبدو منطقية ممكنة الحدوث للمنطق العربي وحده - بطبيعة الحال.

وهذه (اللاكن) العربية يمكنها أيضاً أن تقنع من شارك، ومن شاهد الحشد الجماهيري الضخم الذي أخرجه حزب الله قبل عام تقريباً في بيروت، أن نقيضين كبيرين يمكنهما أن يلتقيا بانسجام وتناغم في تظاهرة سياسية واحدة، وحتى في شعار سياسي واحد ينادي ويصرخ بكل ما أوتي من قوة: فلنكن أوفياء لسوريا ولنتعرف على حقيقة: من قتل الشهيد رفيق الحريري؟!! وحينما ينتهي العرس والمشهد وينفض الحشد الهادر، ربما ينسى هؤلاء أنه سيكون من حسن حظنا حينما ستأتي إلينا الحقيقة (زاحفة ودامغة) وبالدليل القاطع المانع - حتى وإن كانت مكوناتها تلوح في الأفق (واضحة) - أننا سنطالبهم بكل تأكيد وبكل أدب وكياسة، التكرم بفك شفرة هذه (اللاكن العربية) العجيبة سواء في خطابات نصر الله أو غيره من خطباء العرب (العظام) .. وما أكثرهم وما (أقل) فائدتهم وخيرهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى