دمعة في وداع عصام

> احمد شرف سعيد:

> بالرغم من ايماني العميق بأن الموت حق، فهو مصير كل حي ونهاية كل انسان..الا أنني ظللت لوهلة غير قادر على تصديق نبأ وفاة الفقيد العزيز الزميل والصديق عصام سعيد سالم.. فقد كان وقع الخبر قاسياً وشديداً على النفس أصابني بالصدمة والذهول.. وأفقت من الذهول وأنا أستعرض شريط الذكريات طوال مسيرة طويلة من الزمالة والصداقة والاخاء والوفاء.. فقد كنت قبل يومين أهنئه بالعيد.. وقبل أسبوع كنت اجلس معه في مقيل جمعنا ومعنا الزميل فراس اليافعي، وكعادتنا حين نلتقي حقاً كان يحلو للفقيد السؤال عن الزملاء والاصدقاء ويتحدث عنهم بود وحميمية.. تحس وهو يتحدث عنهم، في نبضات قلبه وعطر أنفاسه، بإنسانيته وشهامته وعاطفته وتجد فيه روح الود والمحبة والوفاء.

لاحظت وأنا استمع إليه شحوباً على وجهه، رجوته أن يخلد إلى الراحة، وأن ينظم أوقاته.. قال لي إنه قد شرع في تنفيذ هذا البرنامج وسيواصل ذلك.

بدأت علاقتي بالأخ والزميل والصديق عصام قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، وبالذات من العام 1969م حين كنا في مدينة تعز أثناء مرحلة دراسة الثانوية العامة.. كنا في تلك المرحلة نعيش الحياة بكل ما تزخر به حياة الشباب من صراعات وأزمات، ومن آمال وتطلعات، ومن أشواق كبيرة إلى غد أفضل ووطن أكبر.. كان الفقيد عصام شعلة من النشاط والحيوية والتفتح والتطلع، وإليه يعود الفضل في توسيع دائرة الاصدقاء بحكم ما كان يمتاز به من ملكة كسب الاصدقاء وما كان يختزنه من عواطف انسانية ومشاعر فياضة بالود والمحبة لزملائه وأصدقائه.

ثم افترقنا، أثناء فترة الدراسة الجامعية، ذهب كل منا إلى بلد، ذهب عصام إلى القاهرة وذهبت أنا إلى دمشق لمواصلة الدراسة الجامعية، وانقطعت الصلة المباشرة بيننا ولكن الصلة الروحية لم تنقطع .. وعدنا إلى الوطن في منتصف السبعينيات.

عاد عصام إلى عدن وعدت أنا إلى صنعاء.. وحالت ظروف التشطير آنذاك دون اللقاء المباشر، ثم التقينا صدفة في عدن في مطلع الثمانينات اثناء أحد اللقاءات الوحدوية التي كانت تجرى بين قيادة شطري الوطن بحكم عملنا في مهنة الصحافة، كان عصام مندوبا لصحيفة «14 أكتوبر» وكنت مندوباً لوكالة (سبأ) للأنباء.. وتعانقنا عناقا اخوياً حاراً ولم تستطع ظروف الرقابة الأمنية التي كانت سائدة آنذاك في كلا الشطرين أن تحول دون ذلك. وبقينا طوال الفترة التي انعقد فيها اللقاء في عدن نسير معاً ونجلس معاً نستعيد الذكريات ونقلب الصفحات، وفي اعماقنا يضطرم الشوق العميق إلى يوم الوحدة، واسعدنا القدر بأن نشهد معاً يوم الوحدة في عدن، وأن نحتفل معاً بالميلاد الجديد في ذلك اليوم الاغر الذي اغرورقت فيه اعين اليمنيين وهم يشاهدون ارتفاع علم الدولة اليمنية الواحدة فوق سارية العلم بدار الرئاسة في التواهي، ومنذ ذلك اليوم تواصلت لقاءاتنا ولم تنقطع، كنت اجد في صداقته وداً ونقاءً، حباً ووفاءً.. لزملائه وأصدقائه ومحبيه جميعاً.. كان نموذجاً اصيلاً يفيض نبلاً وشهامة.

اتذكر مرة ذات يوم ونحن نصل إلى دمشق قادمين من المانيا ضمن الوفد الإعلامي الذي رافق الأخ علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية في إحدى زياراته إلى عدد من الدول الاوروبية والعربية. أنه اقترح علي أن ننتهز الفرصة لزيارة الاستاذ المرحوم محمود موعد، فلسطيني الجنسية، وكان يدرسنا مادة اللغة العربية في أواخر الستينيات بمدرسة الثورة الثانوية بتعز.. وكان يأتي إلى منزل أحد الزملاء في تعز ليعطينا دروس تقوية في اللغة العربية بدون مقابل في السنة الثالثة ثانوي وكان قديراً وبارعاً في مادته.. جعلنا نحب اللغة والشعر العربي من خلاله .. وفور وصولنا إلى الفندق استقل عصام سيارة واتجه إلى مخيم اليرموت في دمشق يحمل شوقه ووفاءه لاحد أساتذته.. ويا لخيبته وأساه حين وصل إلى المنزل ولم يجده ولكنه وجد جموع المعزين بوفاته.. ولم يفته واجب العزاء.. وأنا حين أورد هذه الحكاية اتخذ منها مثالا للوفاء النادر الذي تميز به الفقيد العزيز عصام.. فما أجدرنا ونحن نودعه أن نستلهم من حياته الحافلة بالوفاء مثالاً لنا في هذا الزمن الذي ندرت فيه قيم الوفاء.. فقد كان الفقيد عصام سعيد سالم الاوفى لزملائه واصدقائه واساتذته ومحبيه، وكان الأوفى لوطنه ووحدته

رحم الله الفقيد .. وعزاءنا لاولاده أسرته وذويه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى