الأسماك كأطفال بحاجة إلى رعاية

> محمد عبدالله باشراحيل:

>
محمد عبدالله باشراحيل
محمد عبدالله باشراحيل
يساهم قطاع الأسماك بنسبة 1-1.5% من إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد الوطني حسب المصادر الرسمية، وفي رأينا أنها نسبة أقل من الواقع وتعكس حقيقة أن البيانات المجمعة لا تغطي كافة الأنشطة التي تندرج ضمن هذا القطاع بشكل صحيح. وعلى أية حال فإن مساهمة القطاع السمكي في الدخل القومي تمثل نسبة لا يستهان بها إذا ما روعيت التغطية الكاملة لإنتاج الأسماك والتشابك مع الأنشطة الأخرى المرتبطة به من إنتاج وتصدير وتصنيع وتجميد وتدخين وتشميس وغيرها، كما تعمل بهذا القطاع شريحة كبيرة من السكان القاطنين على سواحل البلاد وجزرها والتي يبلغ طولها أكثر من 2000 كيلومتر، وإذا كانت الثروات المعدنية و في مقدمتها النفط تنضب وتنتهي كمياتها بعد فترة زمنية، فإن الثروة السمكية تتصف بالديمومة والاستمرار وهي الاحتياط الغذائي الدائم لمواطني البلاد في الظروف العادية ووقت العوز والأزمات، ففي فترة المجاعة التي رافقت وتزامنت مع الحرب العالمية الثانية لجأ ونزح الكثيرون من المواطنين القاطنين في السهول والمناطق الجبلية هرباً من حالتي القحط والمجاعة التي سادت حينذاك إلى المناطق الساحلية التي يتوفر فيها السمك على الأقل، وهذه أمور تاريخية مازال كبار السن من المواطنين يتذكرونها والتي مرت عليهم عندما كانوا صغاراً.

ومع ارتفاع أسعار السمك بصورة غير مألوفة وقلة عرض الإنتاج في الأسواق المحلية، وفي المدن الساحلية بوجه خاص وبروز عدد من الاستفسارات حول هذه الظاهرة، فلقد وجدتها فرصة خلال زيارتي الماضية لحضرموت أن التقي بعدد من رؤساء جمعيات الصيادين وأعضائها والخبراء في الشأن السمكي وأتحدث اليهم علّي أجد الردود على أهم الاستفسارات المطروحة والاستفادة من تجاربهم والتزود بمعلومات إضافية عن هذا القطاع الهام. وفعلاً عرفت منهم الكثير مما أجهله عنه وقد خلصت إلى الآتي:

يمكن تقسيم الأسماك إلى نوعين أولهما الأسماك المقيمة والمستوطنة على مقربة من الشاطئ وهي التي تعيش في الصخريات والقشور بدرجة أساسية، وثانيهما الأسماك المهاجرة والعابرة في مواسم محددة كالثمد والتي تساعدها البيئة على التكاثر والنمو.

إن موسم سمك الثمد (التونة) خمسة شهور يبدأ من شهر أكتوبر ويبلغ ذروته في شهري ديسمبر ويناير، ثم يعود إلى الانخفاض في شهر فبراير والأشهر التي تليه تدريجياً. ويتزامن هذا الموسم مع موسم العيد (العيدة) التي يتغذى عليها أساساً الثمد والأسماك الأخرى الكبيرة كالديرك (الطرناك) والصخلة (الغودة).

تنزل العيدة (الساردين) إلى قرب السواحل نهاراً، حيث توجد مراعيها لتتغذى وتعود ليلاً إلى الأعماق وعند نزولها إلى السواحل يتبعها الثمد ويقوم الصيادون باصطياده عن قرب نهاراً.

تكمن المشكلة الأساسية في الخروقات القديمة التي كانت تمارسها بواخر صيد السمك حينذاك وكذا خروقات بعض البواخر الحالية في جرف المراعي أو برميها الأسماك التي لا تحتاجها في البحر، إضافة إلى حدوث خروقات من قبل قلة من الصيادين المحليين أصحاب القوارب الصغيرة التي طاقتها حوالي طنين وذلك بقيامهم بعملية الحوي (التحليق) للعيدة بكميات تصل إلى سبعة أطنان تفوق طاقة القارب، فيضطر هؤلاء الصيادون إلى رمي الفائض في البحر. كل هذه الأمور في مجملها تؤدي إلى التأثير السلبي على المراعي وتلويث البيئة السمكية.

اتخذت جمعيات الصيادين بحضرموت قريباً قراراً بمنع حوي العيد (عملية التحليق) من قبل القوارب الصغيرة في المواسم وإلزام الجميع بالتقيد به.

هذه الظروف هي أحد الأسباب الهامة التي جعلت الأسماك الكبيرة كالثمد تبقى نهاراً في الأعماق وبعيدة عن الشاطئ، وأصبح وصول الصيادين إليها صعباً ومكلفاً بعد ارتفاع أسعار البترول. وهذا بطبيعة الحال أثر سلباً وأدى إلى انخفاض كمية السمك المنتج وارتفاع أسعاره.

على غير العادة وفي ذروة موسم سمك الثمد في مدينة الشحر مثلاً تحول حوالي 70% من الصيادين إلى المناطق الشرقية نحو محافظة المهرة بحثاً عن السمك الذي قل في منطقتهم، والصيادون هناك في حيرة واستغراب من هذه الظاهرة غير المعهودة في موسم الثمد.

رفع اتحاد جمعيات الصيادين بحضرموت ملاحظات حول مسودة قانون تنظيم صيد واستغلال الأحياء المائية وحمايتها، ولكن وبكل أسف صدر القانون رقم (1) لعام 2006م دون الأخذ في الاعتبار كثيراً من تلك الملاحظات.

وختاماً: إذا كان الطفل بحاجة إلى رعاية في تربيته وإطعامه وتعليمه وصحته حتى يكبر، فإن الأسماك أيضاً أكثر حاجة وخاصة في الوقت الراهن لمن يحمي مراعيها ويحافظ على بيئتها من التلوث، ضماناً لنموها واستمرارها.

وإذا كانت الأسماك الكبيرة تأكل الأسماك الصغيرة، فإن عكس المنطق ينطبق على المفسدين، فالمفسدون الكبار يحمون المفسدين الصغار، ولا يأكلونهم.. إلا إذا أخرجوا عن المسار المرسوم لهم.. فهذا الليث ابن ذاك الأسد.

كبير خبراء ورئيس قسم الإحصاءات الاقتصادية بالأسكوا - الامم المتحدة (سابقا)

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى