قصة واحترقت الانفاس على الشفاه

> «الأيام» شمس الدين البكيلي:

> على تلك التلة الصغيرة التي تحتضنها المروج المنبسطة والسهول المترامية الأطراف، كانت الأنفاس على شفاهنا تلتقي، لتعتصر الرحيق الشهي الندي، وتداعب أنفاسنا الدافئة الخدود الوردية الملتهبة، معانقة تلك الروائح العطرة التي كانت تنفثها الورود والأزهار المتراقصة على تلك المروج الخضراء لتنثرها في كل أرجاء السهول الرائعة حيث لم نكن وحدنا في ذلك الصباح الربيعي الجميل، فالفراشات الجميلة بألوانها البديعة المنتشرة على مساحات شاسعة من تلك المروج المنبسطة هي الأخرى كانت ترتشف من رحيق الأزهار والورود بكل ألوانها الجميلة النضرة، فترى المنظر وكأن الأرض قد اكتست بسجادة خضراء، مطرزة بأروع ما يتصوره العقل من ألوان ورسومات بديعة اضفت لروحينا البهيجة الطمأنينة وأيقظت فينا أحاسيس الحب بكل المشاعر والعواطف الفياضة الكامنة في نفسينا.. وفي تلك اللحظات الساحرة سحر جمالها وروعة بهائها وهي مستلقية بجانبي في ذلك الهواء الطلق بين الحشائش الخضراء الكثيفة وكأنها غيمة فضية رائعة نثرت من جمالها ذرات متلالئة امتزجت بجمال تلك السهول الخضراء باشجارها الباسقة وأزهارها الجميلة العطرة فشكلت اللوحة الأنقى والأجمل والأروع في هذا الكون البديع، وحينها.. داعبت أناملي خصلات شعرها المنساب على جسدها الرقيق كغلالة تحيط بوجهها الباهي الجميل وعلى صدرها العاجي انتشت روحي للحب وفاضت مشاعري وخرجت كلماتي المهموسة إليها.

نعم أيتها الحبيبة الحسناء، أعلم أنك منبع الحسن والجمال والرقة والدلال، وأنت تبدين مفاتنك التي تفوق (الوصف) إن قلبي المفتون بحبك لا يوصف فأنت أرق الجميلات وأندى الحسناوات وأنقى العذارى، بل أنت أنقى من الماء، وأصفى من الهواء، وأندى من الندى، وأرق من نسمة الربيع العطرة.. إن حبي لك طاهر، أطهر من الطهر نفسه.

إنني يا حبيبتي كلما تأملت فيك، أرى وجهك بنوره المتوهج الآسر الاخاذ. وهذه العيون التي يشع منها بريق ساحر كأنه ماسة مشعة لها بريق متوهج، يحرسها سياج من النبال السوداء يعلوها حاجبان كأنهما هلالان في يومهما الأول.

ليتني يا أميرتي أستطيع أن أنفذ إلى أعماقك لأتمكن من العيش في قلبك بكل أمان ولأتحسس مفاتن روحك الرقيقة الطيبة، وخبايا أحاسيسك الجميلة ومكامن عواطفك المتعطشة للحب. ولتحيا أحاسيسي المرهفة حياة رائعة مطمئنة لتنعم بالسكينة والهدوء.. نعم يا حبيبتي لقد أحببتك مرة.. وعشقتك ألف مرة، ومنحتك حبي الابدي. ولهذا يا أميرتي فقبلات الدنيا لا تكفي أن أقدمها على طبق من ذهب وماس مكنون، وبكنوز الدنيا وما فيها وتراب الأرض وكل الكون، أنت يا أروع مخلوق في الدنيا ضياءً، في قلبي المفتون، نسيني عذابات الأيام، نسيني الماضي المسجون.

يا نسمة شذاها العطر

يا عيون بأحلى جفون

يا أحلى زهرات الدنيا

ياوردة بأجمل لون

همساتك أنت تشفيني

لهواجس قلبي المسجون

قبلاتك أنت تكفيني

لحرارة قلبي المجنون

ثم توقفت للحظة بعد ان تنهدت، فنظرت إلى وتبسمت تكشفت عن لؤلؤ مرصوص كأنه حبات من الثلج المنحوت صانته شفتان حمراوتان مقوستان، وكأنهما قوس مشدود لتطلق ابتسامتها العذبة أوحت من خلالهما برضائها، وعيناها كانتا تفيضان دمعاً يترقرق بأجمل لون، وانتشدت قائلة:

نيران الشوق تؤرقني

وحنين وعذاب وشجون

أنتظر بشوق يا حبيبي

يا أروع ما في الكون

ماعد ت أطيق فراقاً

وعذاباً فيه جنون

بدونك يا أغلى حبيب

لا أعلم ماذا أكون

الروح تتلاشى وقلبي

ينتحب بهدوء وسكون

وبسرعة خاطفة حولت عينيها ونظرت نحو الغروب، ثم نهضت من مكانها والشفق الأحمر يكسو المروج الخضراء فيحولها إلى بساط قرمزي أخاذ، وقد عكست شمس المغيب ألوانها الذهبية على جسدها وتراه وكأنه قطعة من الذهب الخالص.. حتى أوشكت الخيوط الأخيرة من شفق المغيب أن تختفي.. وداهم الليل الأرض والسماء والكون كله، وكدت أحسب أن الوحشة سوف تغزو روحي وكياني. لكني أحسست براحة وطمأنينة، وسعادة لا توصف حينما رأيت السماء وهي مطرزة بالنجوم المتلالئة وكأنها قطرات الندى التي تسكبها أجفان الصباح على تلك المروج الخضراء، وقد جذبتني حديقة غناء، فيها أميرة غانية حسناء، مغمورة بالورد والأزهار وهواؤها وماؤها دواء، وفي ليلتها رأيتها جميلة حوراء، كأنها ضوء القمر تجاوز حسنها الجوزاء، ونورها كالنجم لامعة، براقة كأنها الزهراء، وحدثتني بعيونها الزرقاء، فأطرقت خجلاً متمتماً سبحان خلاق الأضواء، فتصببت عرقاً وكأنها لؤلؤة محارها الماء.. فهمست لفاتنة الأهواء أنت أجمل الأسماء وماء أنزلته السماء.. فضمتني إلى صدرها العاجي الرقيق بلطف وحنان، وداعبت أنفاسنا خدودنا الملتهبة، واحترقت الأنفاس فوق شفاهنا حتى الصباح.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى