مع الأيــام..كيف نفهم الحرية؟

> د. سمير عبدالرحمن شميري:

>
د. سمير عبدالرحمن شميري
د. سمير عبدالرحمن شميري
لا أخفي قلقي من شيوع رقعة اللوحات الديكورية المشوهة للحرية التي تزج بنا في زاوية ضيقة مترعة بالخطوب والمنزلقات الخطيرة مرفوقة بخيالات مريضة تثقل جيد الحرية بمفاهيم عقيمة عاجزة عن التفرقة بين عناصر الصلاح والطلاح وبين المصلحة والمفسدة.

ولا أستطيع نفسياً ولا ذهنيا ولا وجدانياً ولا أخلاقياً أن أتقبل الرسومات المسيئة للرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- التي تجرح المشاعر الدينية وتشعل الحرائق في النفوس وتقطع حبل المودة في الوجدان وتسبح في بحر من المغالطات المنطقية والتعبيرية الزائفة، لتمس بشكل صريح عقائد وأخلاقيات المسلمين ولتشوه سمعة حرية الرأي والتنوير والعقلانية متواكبة مع ضباب كثيف من اللغط والصخب والضوضاء وروح الاستعلاء والتبسيط الكيدي للحرية التي نستنشق هواءها العليل.

(فالحرية لغة ملتبسة في كل قاموس لها مواضعها البارزة، الصعاليك أحرار، الغجر أحرار، الثوار أحرار، الفنانون أحرار، التجار، الساسة، المعارضون أحرار.. المهم أن تكون الحرية دافعاً حقيقياً للارتقاء وليس وساماً فخرياً للسقوط) غادة فؤاد السمان.

فاحتقار الأديان والشعوب والثقافات تعصب سوداوي أمقته بكل جوارحي، فحرية الهوس والزيغ والضلال هي التي دفعت جماهير الثورة الفرنسية (1794م) إلى تنصيب راقصة جميلة كآلهة للباريسيين عبدوها في كنسية نوتردام.

فالحرية أيها السادة كما تشير المواثيق الدولية (تقوم على حق ممارسة كل عمل لا يضر بالآخرين..)، وعلى البشر (أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء) فهناك بون شاسع ما بين حرية الرأي والمشاتمة والتجريح والامتهان لعقائد وضمائر البشر، فلا بد من احترام الثقافات والخصوصيات للشعوب الأخرى، فالحرية في جوهرها احترام لكرامة وعزة ومعتقدات الناس وعدم إهانة مشاعرهم.

فالشعارات المجلجلة للحرية لا يمكن أن تخلق وعياً سليماً، فهي خليط مشوش من النزق والفوضى والعنف والتعصب تقع تحت طبقة اللا وعي ولا تحرر العقل من التكلس والأوهام والالتباسات للمفاهيم والمعاني، بل تكرس الشقاق والضغينة بين البشر وتستدرج العامة إلى مصادمات حضارية بين سكان البسيطة وتؤجج العداوات والمنازعات الثقافية والحضارية التي تستخدم فيها الخطابات الجارحة وتخرج عن مدار اللياقة والتفاعل والتسامح والمثاقفة والمساواة والمحبة والوداد وتقضي على ينبوع الخير فتتفشى فيروسات الجهل والضغينة لتصب لصالح جهات خبيثة تؤجج روح الاحترابات العبثية وهواجس الصراع.

يقول المفكر الصيني لين يو تانج: على الإنسان المتعلم (أن يكون أولاً وقبل كل شيء كائناً مفكراً معقولاً يتميز دائماً بحسه المشترك وحبه للاعتدال وضبط النفس وكراهيته للنظريات المجردة ومظان التطرف المنطقي).

فالحوار ضروري للوصول إلى الحقيقة والعقل والمنطق ولتجنب السفاسف وزلات السلوك فلا بد أن يتأسس الحوار على مداميك الحرية المتزنة والتسامح والاحترام المتبادل لتجسير الهوة بين المجتمعات والثقافات بدلاً من سياسة الشقاق والتوتر وافتعال الأزمات لتعزيز قيم العيش المشترك، والانحراط بقوة في عمارة الأرض لخير الإنسان ولكبح الأحاسيس والنزاعات السلبية. فالمناقشة (العقلانية- حسب تعبير أحد المفكرين- مستحيلة ما لم يتقاسم المساهمون فيها إطاراً مشتركاً من الافتراضات الأساسية، أو على الأقل ما لم يتفقوا على مثل هذا الإطار لكي تسير المناقشة).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى