الوضع السياسي وقرار اللجنة العليا للانتخابات

> علي هيثم الغريب:

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
الانتخابات في حد ذاتها لا تؤسس الديمقراطية.. والديمقراطية لا تكفي في حد ذاتها لتأمين التمتع الفعلي بالحقوق,الأمين العام للأمم المتحدة (1991م) هناك العديد من المواثيق الدولية التي لا تشير إلى الانتخابات تحديداً كمخرج لمكافحة الظلم والاستئتار بالثروة، بل اعتبرت الانتخابات تتويجاً لحقوق الإنسان الأساسية.

فإذا غابت حقوق الإنسان تصبح الانتخابات شكلية، ولا بد أن تسود العملية الانتخابية روح التراضي والوفاق والانسجام وتكتسي كل حق من الحقوق المنصوص عليها في التشريعات المحلية والدولية: حرية الرأي والتعبير والإعلام والتجمع وتكوين الجمعيات واللجان الشعبية المستقلة لمراقبة الانتخابات والحماية من التمييز والدعاية السياسية وأنشطة تثقيف المواطنين.. وعزل الإعلام الرسمي والمال العام والوظيفة عن تأثير الجموع الحاكمة.. وتعليق القوانين مثل قانون (تنظيم المسيرات والمظاهرات) التي يمكن أن يكون لها أثر إحباط المشاركة في الانتخابات وتؤمن المشاركة المتساوية من خلال الإعلام الرسمي، واتخاذ التدابير غير التميزية.. كما يجب أن تتميز الانتخابات بعدم وجود عوامل إلغاء أو تخويف.. ولكل إنسان الحق في المشاركة أو عدم المشاركة، أو في اعتناق الآراء دون تخوين أو مضايقة.

وهنا نتساءل: هل قرار اللجنة العليا للانتخابات الاخير بشأن استبعاد أحزاب اللقاء المشترك من المشاركة في اللجان الأصلية والفرعية قرار سليم؟ خاصة وأن تلك الأحزاب ما انفكت تشارك منذ نشأة اللجنة العليا للانتخابات من خلال مختلف فروع اللجان الانتخابية في إجراء الانتخابات العامة (محلية، برلمانية ورئاسية)، وقد بدأ عمل اللجنة العليا للانتخابات في اجراء الانتخابات بالاشراف الكامل على انتخابات 1993م البرلمانية ومنذ ذلك الحين ظلت اللجنة «تتولى الإدارة والإعداد والإشراف والرقابة على إجراء الانتخابات العامة والاستفتاء العام»، «على أن تشكل جميع اللجان المشار إليها بموافقة ثلثي أعضاء اللجنة العليا للانتخابات ولا يجوز تشكيل أي لجنة من حزب واحد» (المادة 24، 24- د من القانون رقم 13 لسنة 2001م، بشأن الانتخابات العامة والاستفتاء).

وظلت مشاركة أحزاب اللقاء المشترك في اللجان الانتخابية عنصراً أساسياً من العناصر المكونة لنجاح سير الانتخابات العامة، وهكذا ساهمت مختلف الأحزاب في السلطة والمعارضة في إنجاح الانتخابات العامة السابقة. واليوم، ولعدة ظروف داخلية ظهر اتجاه من قبل أحزاب اللقاء المشترك نحو إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وأصبح الاهتمام المتجدد بجداول الناخبين والمشاركة في اللجان الانتخابية الأصلية والفرعية من أهم أسباب الاختلاف داخل اللجنة العليا للانتخابات، ولا يوجد حتى الآن قرار إيجابي صادر عن الأغلبية في اللجنة العليا للانتخابات التي تبرر ذلك بعدم توفر الوقت الكافي للقيام بالمصالحة داخل اللجنة العليا للانتخابات.

والانفراد بإدارة الانتخابات من قبل لجنة ناقصة لا ينطوي على أي نتيجة صريحة لحرية العملية الانتخابية ونزاهتها، ولا يمكن أن يعزز ثقة المجتمع بالعملية الانتخابية، وينهض بنوعية الممارسة الانتخابية.. وحسب القانون لا توجد أي جهة لمعالجة الحالات المتنازع فيها، ولا توجد منهجية انتخابية واحدة تلائم أحزاب السلطة والمعارضة. واعتمدت اللجنة العليا للانتخابات في قرارها الأخير السير بالعملية الانتخابية دون مشاركة أحزاب اللقاء المشترك على نص إضافي للقانون رقم (13) بشأن الانتخابات العامة والذي ينص على «...... على أن تشكل جميع اللجان المشار إليها بموافقة ثلثي أعضاء اللجنة العليا للانتخابات» المادة (24 -د). مع أن القانون يحمي حقوق الناخب والمنتخب التي يعد التمتع بها حاسماً لقيام عملية انتخابية ذات معنى. ومن حق أحزاب اللقاء المشترك التي تمتلك عضوية برلمانية أن تشكك بأي مرحلة من مراحل العملية الانتخابية، وهذا الحق الأساسي معترف به في القانون والدستور ويؤكد «تشكل اللجنة العليا للانتخابات من سبعة أعضاء يتم تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية من بين قائمة تحتوي على (15) اسماً يرشحهم مجلس النواب» (المادة 19-أ)، كذلك تقرير مصير الانتخابات ونزاهتها.

ويحمي قانون الانتخابات وغيره من القوانين وصكوك حقوق الإنسان الدولية التي صادقت عليها بلادنا عدداً من حقوق الإنسان الانتخابية والسياسية التي يعد التمتع بها حاسماً لنزاهة الانتخابات.. وأي تغييب لها يؤثر في واقع ومستقبل الديمقراطية في بلادنا.. ونخشى أن ترتبط هذه الاشكالية التي ظهرت بقوة داخل اللجنة العليا للانتخابات، أو من خلال علاقتها بأحزاب اللقاء المشترك، بنفس القيود التي لازمت الصحافة وحالت دون إطلاق حرية الرأي والتعبير إضافة إلى عدم الاتفاق بين جميع الأحزاب حول المقصود بالنظام البرلماني أو الآثار التي ترتبت عليها حرب 1994م في المحافظات الجنوبية. كما أن اللجنة العليا للانتخابات سمحت دون أن تستند إلى قانون الاحزاب بظهور واستيعاب أحزاب صغيرة لا تمثل قوى أو تيارات سياسية موجودة في مجلس النواب أو في الساحة السياسية. وقد خلقت هذه الأوضاع مشاكل معقدة انعكست بالسلب على اللجنة العليا للانتخابات وخطابها الأخير، فضلاً عن ازدواجية عمل هذه اللجنة.. وفي ظل هذه الاوضاع لا يمكن أن تكون الأحزاب سواءً أكانت في السلطة أو المعارضة مؤسسات سياسية منظمة وذات فاعلية، وقادرة على فهم الظروف المحلية والمتغيرات الدولية. وقد لاحظنا مؤخراً كثرة مظاهر التخبط والاختلافات داخل الأحزاب.. كل هذا أدى إلى ضعف المشاركة في الانتخابات وفي الحياة السياسية، وإلى هيمنة الحزب الحاكم على الساحة السياسية وعلى أغلبية مقاعد البرلمان والمحليات لا بفعل قوته بل نتيجة اندماجه في السلطة التنفيذية.

وفي ضؤ ذلك يمكن القول بأن قرار الأغلبية في اللجنة العليا للانتخابات بشأن الانفراد بتشكيل اللجان الفرعية والأصلية مع حزب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب المجلس الوطني للمعارضة سيكون سبباً ونتيجة في آن واحد لأزمة الديمقراطية وحقوق الإنسان والمشاركة السياسية في بلادنا. وستؤثر هذه الحالة بعمق في المشاركة في الانتخابات، وستختلط مشاعر الإحباط في امكانية تغيير النتيجة داخل مجلس النواب أو في إمكانية تداول السلطة أو حتى تداورها.

وعلى مستوى آخر تفتقر أحزاب اللقاء المشترك إلى رؤية واضحة لمستقبل الوطن وتتبادل مع السلطة خطاباً دعائياً يومياً قائماً على الفعل ورد الفعل وجاءت بمشروع للإصلاح السياسي يملي التحول الذي طرأ على جزء من الوطن ولم يمثل أي استجابة ولو بحدها الأدنى لأبناء محافظات الجنوب، ولا يستند إلى إجراءات لوظيفة السلطة وتوليها وصلاحياتها وتداولها سواءً أكانت رئاسية أم برلمانية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى