كـركـر جـمـل

> عبده حسين أحمد:

> الحياة كلها (تعب).. والجسم إذا أصابه التعب يمرض .. واذا اشتد المرض على الإنسان.. تحول هذا الإنسان من كائن حي إلى كائن شبه ميت.. ولذلك يجب على الإنسان ألا يتعب نفسه كثيراً.. ولا يرهق جسمه أكثر.. إن لجسمك عليك حق.. أن يرتاح بعد العمل المرهق والمضني.. وليس من حقك أن تخرج من تعب وتدخل في تعب آخر.. وبمعنى آخر أن تنتقل من عمل إلى عمل.. فالعمل المتواصل هو الذي يقتل الحياة في جسمك.. ولا توجد وسيلة للخلاص من التعب إلا بالراحة والاسترخاء والنوم العميق.

< (والتعب) شر لا بد منه .. فالإنسان لا بد أن يعمل .. فإذا لم يعمل لن يأكل ولن يشرب ولن يلبس .. وسوف يموت من الجوع هو وزوجته وأولاده.. إذن لا بد أن يعمل الإنسان وأن يتعب من العمل .. ولكن يجب عليه أن يرتاح بعد العمل.. أن يذوق طعم الراحة.. أن يشعر بالارتياح.. لأن الإنسان عادة يضيق بالآخرين.. وإذا شعر بهذا الضيق فمعنى ذلك أنه في حاجة إلى أن يشغل نفسه بأي شيء.. إلى أن يملأ فراغه.. وإلى أن يجعل حواسه كلها تعمل .. اللسان يجب أن يتكلم .. والأذن أن تسمع .. والعين أن ترى .. والأنف أن يشم.. وهذه هي الحياة.. عمل يتبعه (تعب) .. فلا عمل بدون تعب .. ولا تعب بدون عمل.

< إن شهرزاد كانت تروي للملك شهريار قصة كل ليلة.. وكانت قصصها عجيبة ومثيرة .. ولكنها كانت عندما تنتهي من رواية القصة تتثاءب .. في نهاية كل قصة .. في نهاية كل ليلة .. وهذا التثاؤب كان له معنى واحد فقط.. هو أنها تعبت بعد رواية القصة.. هي التي تعبت أو أن المؤلف هو الذي تعب .. فالتثاؤب كان في (ألف ليلة وليلة) مضبوطاً مع صياح الديك في الصباح.. فاذا طلع الصباح .. سكتت شهرزاد عن الكلام المباح.. ثم غرقت في نوم عميق .. ومعنى ذلك أن هناك عملاً .. وأن هناك تعباً .. ولو عرفت شهرزاد قدر هذا التعب الذي كانت تعاني منه في كل ليلة.. لقتلت نفسها في الليلة الأولى .. وأراحت نفسها وأعصابها.

< والعلاقة بين الرجل وزوجته علاقة مقدسة .. ولكن حتى هذه العلاقة المقدسة فيها (تعب) في النهاية.. فقبل الزواج يكون كل شيء في نظر الزوجين جميلاً .. ويكون كل شيء مبالغاً فيه .. درجة حرارة الحب مرتفعة جداً.. والعيون ترى كل شيء أمامها بلون الورد.. والزوج قادر على حل كل المشاكل والصعوبات.. فالحب يصنع المعجزات.. كل هذا قبل الزواج.. وفي النهاية تحدث الصدمة.. وتصيب هذه الصدمة الرجل أو المرأة بخيبة الأمل.. فقد وجد كل واحد منهما شيئاً آخر غير الذي كان يتوقعه.. وخيبة الأمل تصيبهما بالفتور.. وينتهي الفتور بالتعب .. وبسبب التعب يفقد كل شيء في حياة الزوجين قيمته الحقيقية .. ومتعته الرائعة.

< هذه هي طبيعة الحياة.. فالرجل الذي يبيع في دكان.. يشكو من الرقعة أو المساحة الضيقة التي يتحرك فيها.. ويتسرب (التعب) إلى نفسه.. فالتعب هنا نفسي أكثر منه عضلي .. لأنه يدور في داخل حلقة مفرغة عشرات السنين دون أن يعرف الراحة .. ولاعب الكرة أيضاً يجيء يوم يشكو من أنه (تعب) من اللف والدوران داخل الملعب ويعتزل الكرة.

< وفي بلادنا (تعب) ليس مثله أي (تعب)!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى