مع الأيــام..لحج.. ما بين الأمطار.. والأحلام

> حسن علي أحمد كندش:

>
حسن علي أحمد كندش
حسن علي أحمد كندش
أبذر القمح.. لكي تنبت أسراب الجراد /أخرج النار .. لكي أدخل صبحي في السواد/أنسج الأفراح.. كي ألبس أثواب الحداد /أحفر الأنهار.. كي تغمرني .. أقطع الأشجار كي تشنقني/أزرع الإصلاح .. كي تحصدني كف الفساد

(أحمد مطر)

أفقنا ذات صباح جميل على هطول قطرات من المطر.. وتفاءلنا لعلها تروينا بعد جفاف الأرض والنفوس..أو لعلها تغسل شوارعنا ومدننا وقرانا.. أو تطهرنا من بعض ذنوب علقت بنا ذات يوم من حيث لا ندري.. أفقنا ذات صبح بديع على أمطار في جو ينقلك لساعات إلى الذاكرة أو الخيال.. لتستمع برائحة مطر الصباح وبفنجان من قهوة الصباح .. وتقرأ جريدة الصباح.. وتستمع إلى فيروز في الصباح وهي تغني (وتشرب من فنجانك واشرب من عينيك).. كنا نمني أنفسنا بهكذا أحلام ممطرة نستدعيها من مخزون الذاكرة.. أو نتمناها في الخيال.. أحلام أوروبية المذاق لجمال طقس.. وبعض جمال ينساب في مخيلتك أو يمر من بين أشواقك القديمة التي كادت تدفنها رياح ومآسي الواقع.

أفقنا على صبح انتظرناه زمناً ليكون ممطراً.. ولكن فجأة اصطدم حلم المطر بحق الحياة.. وحق السكن وغرقت الرومانسية بالمستنقعات.. وانتصبت الكارثة.. وتحطمت الأحلام.. وبدلاً من أمطار تروي عطش السنين إذا بنا نحولها إلى وحل يحاصرنا.. كثير علينا إذاً حتى الحلم بالمطر.. لقد حاصرنا أنفسنا حين لم نضع لأحلامنا منفذاً.. وعندما لم نضع للمطر أيضاً منفذاً أو العكس.. غاصت أحلام المطر بحصار المطر.. لينقلب فنجان القهوة الصباحي إلى ماء معكر.. وجريدة الصباح إلى مانشيت انهيار.. وصوت فيروز إلى أنين مبحوح على مأساة نصف منتصبة.. ونصف مؤجلة.

أضحت أحلامنا ترفاً.. لذا لا عليك إلا أن تغوص في مأساتك حتى الغيبوبة.. ولا مخرج في مدن بدلاً من أن تتمدد فيها تنكمش.. ولا منفذ في مدن بدلاً من أن تحميك يحاصرك فيها حتى المطر.. «ولا معبر» في مدن مثل الحوطة يضيع تاريخها بسبب تشوه جغرافيتها.. في وقت يرتفع تأريخ مدن بسبب جغرافيتها..!!

حاصرنا أنفسنا حتى بالمطر.. ونصرخ من الجفاف.. حاصرنا أنفسنا ولم نجد منفذاً للمطر ولا حتى منفذاً لأنفاسنا.. كان ذلك يوماً ما في عدن.. عندما كشرت كارثة السيول حينها عن أنيابها.. وما زلنا حتى اليوم نعتقد أنها تبتسم.. لكن يبدو أنها مؤجلة الحسم إلى حين.. ويتكرر المشهد مرات في لحج.. وشعرنا تدريجياً بخراب كل شيء فينا وحوالينا.. ولم تعد الأمطار بالنسبة لنا حلماً بجو شاعري أو رحلة حب أو موال زرع وحصاد بل أضحت صراعاً بين جيران على جدران.. حاصرونا وحاصرناهم.. وحوصرنا معاً في النهاية.. أضحى المطر تسرب الماء من السقوف والعيون.. وتشققاً لجدران وقلوب.. وشروخاً في الممرات والأنفس وحصاراً للبيوت والعقول.. لنواجه الحقيقة التي بداخلنا.. ولا نراها.. حقيقة أننا محاصرون من داخلنا.. ومحاصرون من أنفسنا ولا مفر.. لأننا نتمرغ بالعشوائية في كل شيء.. ولن ننجو أبداً إذا لم نتخلص منها.. بل سيظل كل شيء جميل بين أيدينا يتحول إلى مأساة، ولنتأمل حوالينا.. مثلاً عندما يدفع طفل بريء نصف حياته ثمنا لخطايا آخرين.. وعندما يحرم أطفال من المدرسة.. ويرون أحلامهم إما تتشقق مع جدران بيوتهم ومدارسهم أو تغلق الأخرى أمامهم لتفتح للإيواء.. وعندما يصل العجز فينا إلى حد نظرة شفقة أو دمعة حسرة في أحسن الأحوال..عندها نفيق فعلاً لنبحث عن ماذا بعد؟!! في علم النفس الإفاقة تأتي من الصدمة ولكن يبدو أننا من كثرة الصدمات نغفو.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى