ديك الحافة

> «الأيام» نصر مبارك باغريب:

> لا تستطيع أي دجاجة في الحافة أن تنكر أنها أقامت علاقة طويلة أو عابرة مع ديك الشيخ فرج، فالجميع يعرفون فحولة ديك الحافة ووسامته وشخصيته القوية وهيبته التي أسرت الألباب ليس فقط داخل حدود الحافة بل إن العديد من الروايات تؤكد قدوم الكثير من الدجاجات من (الحويف) المجاورة والبعيدة وتجاوزهن المصاعب والاخطار للوصول إلى حافة الشيخ فرج لرؤية ديكه الهمام أو لإقامة علاقة - كيفما كانت - مع ديك الحافة كأمنية قصوى بعد ان بلغت شهرته الآفاق.

وكثيراً ما شوهدت احدى الدجاجات المعروفات - لا داعي لذكر اسمها هنا حرصاً على سمعة أسرتها- تتوسط حشداً كبيراً من بنات جنسها وهي تصرح أمامهن بكل تبجح ودون خجل أنها أقامت علاقة ليست بالهينة مع ديك الشيخ فرج وتتحدث بكل فخر ان العديد من كتاكيتها وبيضها هي ثمرة لهذه العلاقة، غير الشرعية من وجهة نظر البعض.

وجراء التهافت المتزايد على ديك الحافة وادعاء كل الدجاجات في الحافة والحويف المجاورة والبعيدة وجود صلة ما معه، تعاظم غرور الديك حتى اضحى يتقاعس عن أداء واجبه الاساسي بالصياح المباح وإعلام الناس بقدوم شمس الصباح، وبدت مشيته المألوفة تتحول رويداً رويداً إلى حركة الخيلاء تعبيراً عن التعالي والعظمة. وكف الديك كذلك عن اللف والدوران في أزقة الحافة وأماكن قمامتها بحثاً عن الطعام لأن الدجاجات الهائمات بحبه كن يجلبن له أطيب المأكولات وأشهاها وهو قاعد في مكانه دون ان يبذل أي جهد يذكر.

وقد اتخذ الديك مقاماً بارزاً في الحافة وتوسد جذع إحدى الاشجار الضخمة لتكون عرشاً له ومزاراً للدجاجات الراغبات بالتمتع بالنظر إلى وجهه البهي ومداعبته بالعبارات المادحة لشخصيته الفريدة في الكون، ولا يخفى على المتابع الفطن ملاحظة محاولتهن المستمرة التقرب إلى الديك الأغر وكسب عطفه عليهن لإقامة علاقة غرامية تجعلهن يتباهين طوال أعمارهن أمام الدجاجات الأخريات.

ومع تسامق مكانة ديك الحافة وتوارد أخباره المثيرة وصولاته وجولاته في العشق والهيام، سارع رهط من الديوك ممن يصفون أنفسهم بالمدافعين عن قضية وحدة صف الدجاج إلى التداعي حول ديك الحافة، فجعلهم حاشيته المحظية فالتفوا حوله التفاف السوار بالمعصم وابتدعوا له الهتافات والشعارات والاهازيج التي تمجده وتروي مآثره الخالدة.

وبلغ الأمر مداه حتى أصبح رجال وشباب الحافة من الآدميين يغارون من الديك والتبجيل الذي يلقاه والحظوة التي يتمتع بها بين إناثه من الدجاج المحليات والأجنبيات، رغم أنه ابتعد في الفترة الاخيرة عن الوافدات خشية ان يصاب بانفلونزا الطيور، وما لبث شباب الحافة ان قاموا بمحاكاة الديك بتقليد تسريحة شعورهم لتشبه شكل رأس الديك وغيروا مشيتهم لتماثل حركاته، حتى يقال إن معامل حياكة وطباعة الالبسة جنت أرباحاً مالية هائلة بعد قيامها بطبع صورة الديك على القمصان وبيعها بكميات كبيرة لكل من يرغب ان يصل لمستوى فحولة وجاذبية الديك للإناث بغض النظر أكنّ دجاجاًَ أم آدميات.

وتروي بعض القصص غير الموثوقة - لان البعض شكك بصحتها لعدم توفر الادلة القاطعة عليها - أن الناس كانت تفسح الطريق لديك الحافة وتتوقف المركبات عن الحركة عندما كان يمر الديك بطرقاتها أثناء ممارسته رياضة المشي اليومية قبل مغيب الشمس ببرهة، لكن بعض الشائعات نفت ذلك بشدة وقالت ان ديك الشيخ فرج لم يكن يوماً من الأيام رياضياً ومشواره اليومي قبل المغيب كان بهدف التوجه إلى بعض الاماكن المشبوهة، خاصة وأن طرف الحافة يضم موقعاً ضخماً لأقفاص الدجاج الجميلات وصغيرات السن، إلا أن الشائعات تلك لم تجد من يؤيدها كثيراً نظراً لأن هذا السلوك حسب رأي المحللين لا ينطبق على شخصية ديك الحافة المغرور بسبب ما عرف عنه ظاهرياً على الأقل اعتياده ان تأتي الدجاجات إليه لا ان يذهب هو إليهن مهما كنّ يافعات وخلابات الجمال وممشوقات القوام.

ولم يمض وقت طويل حتى هل هادم اللذات ومفرق الجماعات وكانت الفاجعة المفاجئة عندما قدمت الدجاجات للزيارة المعتادة لديك الحافة في مقامه المعهود على جذع الشجرة الممدود ليجدنه وهو يلفظ أنفاسه الاخيرة، وحينها أدركن أن النهاية أزفت ولا مفر من القدر فانتشر الخبر انتشار النار في الهشيم.

وكانت الصدمة صاعقة لكل الدجاجات في الحافة والحويف القريبة والقصية وأُغشي على بعضهن وانتابت البعض الآخر منهن هستيريا من العويل والنحيب واللطم على الصدور والرؤوس، فمصيبتهن جلل وهن وحدهن اللاتي سيعانين هول المأساة وفقدان الديك الحبيب إلى قلوبهن الذي قلما يجود الزمان بمثله ولن تلد الامهات نظيره.

وتلاحقت الانباء الحزينة عن انتحار العديد من الدجاجات اللاتي لم يتحملن وقع الحدث، وامتلأت المستشفيات بالدجاجات المصابات بحالات الاعياء والهذيان النفسي، وساد الهرج والمرج في الحافة لأسابيع طويلة، وكان الحزن هو السمة السائدة في كل مكان، وقد تضاربت الروايات عن أسباب وفاة الديك، فمنهم من يقول ان موته المفاجئ كان بسبب احدى الدجاجات التي دفعتها غيرتها إلى وضع نهاية لحياته، فيما اشارت تصريحات سربتها إحدى الصحف غير الحزبية عن مستشار ديك الحافة الخاص إلى ان الفحولة الزائدة كانت سبباً وجيهاً لنفوقه، ومنهم من يقول ان حاشيته قتلته عندما فكر باستبدالهم بأعوان أكثر ولاءً من خارج الحافة، في حين ذكر آخرون ان رابطة الديوك المنافسة بالحافة هي التي صرعته، وافترضت مصادر طبية ان يكون داء انفلونزا الطيور هو الذي فتك بالديك رغم عدم إجراء فحص مخبري له، ولم يؤد التحقيق الرسمي إلى نتائج مرضية لاسباب الوفاة الحقيقية حتى الآن!، غير ان الجميع اتفق على أن غرور ديك الحافة واستهتاره ببعض الدجاجات وبأقرانه الديوك يعد سبباً رئيسياً لوفاته.

وأشيع بعد ذلك بمدة ليست بالطويلة ان الشيخ فرج صاحب ديك الحافة مات كمداً وقهراً على فقدان ديكه العزيز إلى قلبه والذي كان مصدراً لعزته وكبريائه بين رجال الحافة. ومن يومها انتهت أسطورة ديك الحافة ولم يظهر أي ديك يضاهي قدرات وشخصية وهيبة ووسامة ديك الشيخ فرج، رغم محاولات كل الديوك المتعاقبة على الحافة التشبه به واتباع سلوكه وممارسة طقوسه والتفكير بطريقته العبقرية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى