التزام وزن الرمل في ديوان حكايات الصحاب للشاعر إدريس أحمد حنبلة

> «الأيام» صالح عقيل بن سالم:

> إن قصائد الشاعر الكبير إدريس حنبلة تنفي ما ذهب إليه الناقد العربي الكبير د. هلال ناجي حيث حكم على حنبلة أن قصائده تفتقد كثيراً من عناصر الفن الشعري، وحتى لا أكرر ما قاله الدكتور أحمد علي الهمداني في مقدمة الديوان، إذ أنصف إدريس حنبلة باكتمال القيم الفنية في شعره.

لقد وجد في ديوان (حكايات الصحاب) جانب إبداعي متميز، امتزج فيه اللحن بالتجربة، والذوق بالمرحلة، فهذا الديوان انفرد من بين دواوين الشاعر بالالتزام بوزن واحد الرمل (فاعلاتن) الذي يرى كثير من النقاد أنه من الأوزان الخفيفة والقصيرة، وفي ذلك إيحاء بسرعة إيصال مشاعر الحب إلى أصدقائه، كما كتب الديوان بالتفعيلة ليؤكد ميله إلى التجديد ومواكبته لحركة التجديد التي بدأت في اليمن مع مطلع السبعينيات، فضلاً عن ذلك إثارة احساسيس المتلقي للتجاوب معه.

فالتفرد بالديوان له دلالة كبرى على التفرد بالتجربة، وقليل هم الشعراء الذين خصوا أصدقاءهم بدواوين مليئة بمشاعر الحب والأخلاص والوفاء. يقول إدريس في قصيدة (الصفوة المختارة):

أنت يا قلب تساقيت

صبابات الوراد

بنهم

من ينابيع الشعور

تنهب العمر وتغنى الدهور

وأنا أمشي على درب القتاد

أحتسي كأس الممات

بفتور...

أترى أعرف ذاتي

وحياتي...

في تضاريس الفناء

عندما أصبح روحاً

في سجلات البقاء؟

يعبر هذا النص الشعري عن حالة الشاعر المتضادة (الموت، والخلود) فقد حاول أن يجري بالتفعيلة (فاعلاتن)، لما كان يعانيه من حشرجات الموت في الدنيا، وجعل من التدوير عاملاً معاوناً للتفعيلة في لملمة أجزاء تجربته (الوفاء بالصداقة)، والإسراع بها إلى مرحلة الخلود، كما كان لارتفاع الأصوات في نهاية القصيدة (الغناء، البقاء) أكبر دلالة على بقاء الصداقة وانتظار ثمارها الآخرة.

لقد أخضع الشاعر عناصر الموسيقي (الوزن، التدوير، القافية في آخر القصيدة الهمزة المسبوقة بألف المد) للتعبير عن تجربته، كما يفعل رواد التجديد في القصيدة العربية الذين أصبح همهم أن يجعلوا «التشكيل الموسيقي في مجمله خاضعا خضوعا مباشرا للحالة النفسية أو الشعورية التي يصدر عنها الشاعر، فالقصيدة في هذا الاعتبار صورة موسيقية متكاملة تتلاقى فيها الأنغام المختلفة، وتفترق محدثة نوعاً من الإيقاع الذي يساعد على تنسيق المشاعر والأحاسيس المشتتة». (عز الدين إسماعيل، الشعر العربي المعاصر ص63).

ويقول في قصيدة (ذكريات صديق):

قصة عاشت معي

في أضلعي

سكبت كل جراحات الهوى

في أدمعي

كيف أنساها؟

وروحي تائه في محجري

كيف أنساها؟

وقلبي حائر في محوري

أنا حيران

وفي الحيرة تفجير شعوري

أنا هيمان

على مر الدهور

كالصخور..

استطاع الشاعر في هذا النص أن يتكئ- بشكل غير اعتيادي- على عنصر (التدوير)، إذا كان عاملاً دالاً على معاناة الشاعر التي وصلت إلى صيغة فعلان (حيران، هيمان)، فتدخل (التدوير) وجعل الأسطر الشعرية تجري بصورة متلاحقة ومنسجمة تتابع فيها الأحداث وتنمو، فيه إيحاء بالدرجة العالية التي وصلت إليها المعاناة أو التجربة. ويقول في قصيدة (شمس الغروب) :

يا رفاقي

يا رفاق الشمس

ما معنى الغروب؟

عندما تشرق شمس المغرب

في الضلوع

وتغني للعصافير الوضيئة

ويئن الورد في ليل الخطيئة

زفرات..

في الضلوع

عبرات

في الجفون

حشرجات

كالخريف...

يتفق هذا النص مع النصوص السابقة من حيث التشكيل الموسيقي، ومن حيث المضمون، وتكمن قيمته الإيحائية من خلال قراءته من النهاية.

كالخريف

حشرجات

فبذلك يتجلى الهم والشجو، بل يتراكم الحزن، فيبث الشكوى إلى من يحب. كما نلمح في هذا النص والنصوص السابق أسلوب الاستفهام إذ وظفه في قصيدة (الصفوة المختارة) في النهاية، ووظفة في قصيدة(ذكريات صديق) في الوسط، وفي قصيدة (شمس الغروب) في البداية، وكان في جميع توظيفاته عاملا مساعدا للموسيقى يوحي بالحضور الدائم للأصحاب ومكانتهم في تجربته الشعرية، فهم بؤرة كل قصيدة ومحورها.

إن براعة الشاعر إدريس حنبلة في استخدامه لوزن الرمل وحسن تصرفه في توزيع التفعيلة، وجريانها بالتدوير، واختيار القوافي المناسبة للتجربة، تؤكد حذقه ومكانته الشعرية بين شعراء اليمن المعاصرين، فتلك الاستخدامات والتوظيفات لا تتأتى إلا لشاعر مقتدر خبير يقول الشعر وفنونه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى