قصة قصيرة بعنوان (انصهار)

> «الأيام» صالح سعيد بحرق:

> فجأة وجد أن الآخرين قد تجاوزوه، أو هكذا كان يحاول أن يبرر موقفه، بيد أنهم في زعمه، لم يتجاوزوه، ولكنهم تخلوا عن أرومتهم فبدوا أمام الناس وكأنهم أتوا ببدع جديد.

لا يمكن أن يتوقع أنهم صعدوا إلى القمة وهم أترابه الذين رضعوا من نفس الجامعة التي تخرجوا فيها.. لا يمكن أن يكون ذلك مقبولاً بأي شكل.. بل على العكس من ذلك ظل يعيش زخماً بالتفوق، ولكنه مغلف بالغرور، وكان ذلك يقوده إلى الإصغاء الى صوت الطبيعة في الأماكن البعيدة، كالشواطئ التي وجد فيها ملاذاً من واقع كآبي بدأ يتشكل في غفلة منه.

بيد أنه في لحظات صفاء معينة يبدو جاداً في طرح فكرته التي كان يبدأها بالحديث عن الزمان كمدلول فلسفي، وكان ينطلق من فلسفة عقيمة قد ماتت.. لكن إصراره على الإلحاح عليها يجعل المحيطين به ينصفونه.

تراه باكراً في الصباح وقد أعد العدة للذهاب إلى البحر، وكان يحرص دائماً على اصطحاب كتاب، ولكن الأمر يختلف، فليس أي كتاب يصطحبه، بل كتاب يوصله بالماضي الذي لم يستطع الابتعاد عنه.. وهناك يستقل صخرة ملساء بمحاذاة البحر ويومئ برأسه إلى الخلف، ويستعيد شريط مجده الذي افتقده.

وكان صوت البحر يمنحه تواصلاً مع رموزه التي أحبها على نحو يفضي به إلى إلغاء الآخرين، وفي ذلك اليوم، وهو يديم النظر إلى البحر، استبد به حنين إلى الانصهار في الموج والذوبان فيه، محققاً بذلك نوعاً من التلاشي مع الحلم الذي تمناه. وترك موقعه، واقترب من البحر، وراح يلامس الماء.. تائهاً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى