من ملفات القضاء اليمني خفايا وأسرار قضية سفاح الجامعة

> «الأيام» سلـــوى حمـــود القدمـــي:

> صدر مؤخراً وفي سابقة هي الأولى من نوعها في بلادنا كتاب بعنوان (خفايا وأسرار قضية سفاح الجامعة .. من ملفات القضاء اليمني) للأستاذ الدكتور حسن علي مجلي ، أستاذ القانون الجنائي بجامعة صنعاء، المحامي أمام المحكمة العليا. ويأتي تفرد هذا الكتاب من حيث تناوله لوقائع وجلسات وأحكام ودفوع وأدلة في قضية من أهم القضايا التي طرقت أبواب القضاء وشغلت الرأي العام المحلي والعربي بل والعالمي لمدة طويلة، وكانت في حينها حديث الناس والصحافة، وما زالت عالقة بالأذهان حتى يومنا هذا، وربما تظل كذلك إلى أبد الآبدين، وقد تضمن الكتاب بين دفتيه ثلاثة أجزاء هي : (جلسات المحكمة والحكم الابتدائي) و (الحكم الاستئنافي) و (حكم المحكمة العليا). كما تضمن الكتاب ملحقاً ضم عناوين أهم ما كتبته الصحف المحلية والمجلات العربية حول القضية إضافة إلى توكيل جامعة صنعاء وتوكيل أعضاء هيئة التدريس بكلية الطب (خمسون دكتوراً من أساتذة كلية الطب) للأستاذ الدكتور حسن مجلي للترافع والدفاع عنهم في القضية. هذا وقد اشتمل الكتاب على جميع الإجراءات والوقائع التي واكبت جلسات المحاكمة البالغة خمس عشرة جلسة حتى صدور الحكم الابتدائي الذي جاء وكما يجوز لنا أن نقول بأنه كان فريداً من نوعه من حيث اشتماله على مميزات عدة في الجانب الجنائي الذي حكم فيه بإقامة حد شارب الخمر والقتل قصاصاً وحداً ضد المتهم الذي رمز لاسمه في الكتاب بالرمز (م. آ. ع. إ) (محمد آدم)، كذلك حكم بإلزام الجامعة ممثلة برئيسها (د. عبدالعزيز المقالح) حينها بتعويض أسرتي الضحيتين عما لحق بهما من أضرار وخسائر ناتجة عن الجريمة بما في ذلك مصاريف القضية مبلغ خمسة ملايين ريال لكل أسرة، مع العلم بأن محامي أسرتي الضحيتين قد طالبوا بتعويض مقداره مليون دولار لكل أسرة على حدة.

والجدير بالملاحظة هو أن هذا الحكم هو الأول من نوعه من حيث قضائه بالقصاص على الجاني وإلزام الشخص المعنوي (المتبوع) (جامعة صنعاء) الذي يعمل لديه الجاني (التابع) بدفع تعويض بهذا القدر من الضخامة وذلك تأسيساً على مبدأ مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه.

وكان الحكم الابتدائي قد صدر عن محكمة بني الحارث برئاسة القاضي يحيى عبدالله الأسلمي بتاريخ 19/11/2000م، وقد استأنف ضد الحكم أطراف الخصومة في الحق المدني ونعني (جامعة صنعاء) المسئولة عن الحقوق المدنية كما سميت في القضية، و (ورثة المجني عليهما «الضحيتين»)، ولم تستأنف النيابة الجانب الجنائي من الحكم إضافة إلى قبول المتهم به وطلبه السماح والغفران من أسرتي الضحيتين تطهيراً له من جريمته، وهكذا فقد اقتصر دور الشعبة الجزائية بمحكمة استئناف م/ صنعاء والجوف، على النظر في الجانب المدني فقط من القضية، والتي استند فيها محاميا الجامعة (د/ م. العزي ، أ/ ع. السنباني)، اللذين توليا الدفاع عن الجامعة بعد انسحاب الأستاذ الدكتور حسن مجلي في مرحلة الاستئناف إلى عدم جواز الجمع بين عقوبتين وعدم جواز ربط الجامعة بالمتهم في القضية وبالتالي عدم تحميل (موكلتهم) الجامعة مسئولية التعويض عن الأضرار الناتجة عن الجريمة (التي اقترفت داخل أسوار الجامعة بيد المتهم الموظف فيها)، وذلك حسب قولهما لأن المسئولية الجزائية شخصية بموجب القانون، واستناداً إلى أسباب أخرى ارتأوها، وهي أسباب لم تفلح في إقناع هيئة المحكمة التي رفضتها، وقامت بالمصادقة على الحكم الابتدائي وأضافت على ذلك إلزام (الطاعنة) (جامعة صنعاء)، بدفع مبلغ إضافي لورثة الضحيتين كمصاريف تقاضي أمامها (مليون ريال)، واكتفت هيئة المحكمة بإلغاء الفقرة الثالثة من منطوق الحكم الابتدائي التي قضت بإطلاق اسمي الضحيتين على قاعتين دراسيتين في كلية الطب استناداً إلى المصلحة العامة كون ذلك سيعمل على إشاعة مشاعر الحزن والأسى بين أوساط الطلاب عند تذكيرهم الدائم والمستمر لما حدث لزميلتيهم (المجني عليهما).

هذا ما تضمنه منطوق الحكم الصادر عن الشعبة الجزائية بمحكمة استئناف م/ صنعاء والجوف بتاريخ 4/4/2001م برئاسة رئيس الشعبة القاضي سعيد بن ناجي القطاع، وعضوية القاضي نجيب محمد الفقيه، والقاضي أحمد علي النعمي.

وقد دفع منطوق هذا الحكم بجامعة صنعاء وكذا ورثة الضحيتين إلى الطعن فيه أمام المحكمة العليا التي كان لزاماً عليها مراجعة قرار الاتهام وقرار محكمة الموضوع بدرجتيها الابتدائية والاستئنافية، كما كان لزاماً على المحكمة العليا النظر في القضية بشقيها الجنائي والمدني معاً.

وقد استند محاميا الجامعة في طعنهما ببطلان الحكم على حد قولهما إلى عدم حضور مثل الجامعة القانوني أثناء انعقاد جلسات المحكمة الابتدائية، وهو ما اعتبرته المحكمة طعناً في غير محله على حد ردها كون محاضر الجلسات ومدونة الحكم لهن خير دليل على أن ممثل الجامعة حينها الأستاذ الدكتور حسن مجلي، قد بذل قصارى جهوده، وأن الدعوى في الحق المدني قد رفعت في مواجهة الجامعة وأن ممثلها القانوني (د. مجلي) قد بذل من العناية ما يبذله الرجل المعتاد وأكثر من ذلك (كما جاء في حيثيات الحكم)، وقد سبق وأن ذكرت محكمة الاستئناف أن محامي الجامعة المذكور قد بذل جهوداً مستميتة في سبيل الدفاع عن مصالح الجامعة.

كما احتج المحاميان أيضاً للقول ببطلان الحكم بانعدام صفة الجامعة فيما اقترفه المتهم من جريمة، وهو ما أنكرته عليهما المحكمة واعتبرته تقديراً خاطئاً في غير محله وذلك استناداً منها وكما جاء في حيثيات الحكم إلى الحق الذي كفله القانون والشرع لمن أصابه ضرر من جراء جريمة بأن يرفع دعواه في الحق المدني على المسئول عن الحقوق المدنية، وهي في هذه القضية (جامعة صنعاء)، وعلى ذلك فقد ارتأت المحكمة أن ورثة المجني عليهما قد مارسوا حقهم القانوني بشأن الدعوى في الحق الشخصي وكذلك فيما يتعلق بالحق المدني أيضاً والمتمثل بالتعويض، وهو ما أدى بالمحكمة العليا بعد أن اتضح لها الأمر إلى إقرار الحكم الاستئنافي فيما يتعلق بالجانب الجنائي بعد قبول طعن الجامعة شكلاً ورفضه موضوعاً وعدم قبول طعن ورثة المجني عليهما شكلاً، وإقرار الحكم الاستئنافي الصادر عن محكمة استئناف م/ صنعاء والجوف (الشعبة الجزائية) فيما يتعلق بالجانب المدني.

ونلاحظ على الحكم الصادر عن المحكمة العليا أنه قد أسس قواعد قانونية هامة تمثلت أولاً في الجمع بين عقوبتين، إقامة الحد والتعويض، وثانياً إثبات مسئولية المتبوع عما يقترفه التابع وما يسببه من ضرر للآخرين فيما يتعلق بالتعويض (الجانب المدني)، وهي قواعد جديدة تأسست إثر صدور الحكم البات في هذه القضية بيد هيئة قضائية هي الأعلى في بلادنا ونعني (المحكمة العليا).

هكذا انتهت الإجراءات والوقائع التي شهدتها ساحات القضاء اليمني وسردها الكتاب في قضية أرَّخت لأبشع جريمة شهدتها بلادنا حتى اليوم، وما صاحب ذلك من تحول هذه القضية إلى مرتع خصب للصحف والمجلات الرسمية وغير الرسمية محلية وأجنبية التي تسابقت خلال عام كامل تقريباً على نشر الحقائق والاستنتاجات أو ما وصل إليه بعضها من تحوير للحقائق وخلق قصص وحكايات من نسج الخيال، وذلك في ظل تلاعب المتهم باعترافاته بين فينة وأخرى وادعائه في بعضها بوجود شركاء له أعانوه في جريمته، ومبالغته في عدد ضحاياه وجرائمه ووصفه المسرحي للطرق التي ارتكبت بها تلك الجرائم، إضافة إلى ما صاحب ذلك من وجود أهداف عديدة للصحف ما بين نشر الحقيقة وتسييس القضية إلى حد التهويل والتضخيم واستخدام (المنشتات) العريضة لرفع سقف مبيعات بعض تلك الصحف أو تحقيق بعض الأغراض السياسية، ويمكننا أن نلاحظ ومن خلال قراءة الملحق الوارد في الكتاب محل هذا العرض أن الصحف الرسمية قد تحفظت واقتضبت في تصريحاتها ومقالاتها القليلة العدد بالرغم من صدورها اليومي بعكس الصحف الأهلية اليومية والأسبوعية والمجلات الشهرية التي حاولت - وفقاً للأهداف التي أسلفناها سابقاً - المتابعة المستمرة والدؤوبة لسير القضية ويتبين لنا ذلك من خلال العناوين الكاملة لما نشر حينها وتضمنها الملحق.

ونذكر من الصحف إلى جانب صحيفتي «الثورة» و «26 سبتمبر»، صحيفة «يمن تايمز» و صحيفة «الوسط» و صحيفة «الصحوة» وصحيفة «الثوري» و صحيفة «الحق» وصحيفة «الناس» و صحيفة «البلاغ» وصحيفة «الرأي العام» وصحيفة «الأمة» وصحيفة «النهار» وصحيفة «الإحياء العربي»، كما تناولت بعض المجلات العربية القضية كمجلة «زهرة الخليج» ومجلة «سيدتي».

وربما هناك صحف أخرى لم نذكرها ولكن ما يمكننا التأكيد عليه هو أن هذه القضية كانت قضية رأي عام محلي وعربي وعالمي، وأن هذا الكتاب، الذي نحن بصدده، يعتبر بحق شمعة مضيئة في درب ثقافتنا العامة عموماً والقانونية خصوصاً، كما يعد تسجيلاً رائعاً لإحدى الملاحم التي خاضها القضاء اليمني بكل قوة وخلال العقود الأخيرة، فضلاً عن كون المؤلف قد عمل بإصداره الكتاب المذكور على تنشيط الذاكرة اليمنية التي من آفاتها النسيان لما يلزم تذكره والتفكير فيه عند اللزوم.

وأخيراً لا يسعنا إلا توجيه كلمة شكر وعرفان لمعد الكتاب الأستاذ الدكتور حسن مجلي الأكاديمي والمحامي المعروف على ما بذله من جهد كبير هو وابنه النابغ (أيمن) في إعداد ونشر هذا الكتاب الذي رأى النور مؤخراً ونتمنى أن تستمر مثل هذه الجهود وأن تتضافر خدمة للبشرية وتنويراً لأبناء هذا الوطن.

باحثة قانونية وعضو اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى