يوم من الأيــام..أدوات النصب

> محمد سالم قطن:

>
محمد سالم قطن
محمد سالم قطن
في اللغة جرت القاعدة أن تظل الكلمات على حركتها الأصلية ما لم تتقدمها أداة من أدوات النصب أو حرف من حروف الخفض. فالرفع عادة هو القاعدة والنصب أو الجر هما الاستثناء.

وعندما تنسحب مثل هذه «الفذلكة» القواعدية لتستخدم في مجالات أخرى، ولو بعيدة بعض الشيء، ولكن لا بعيد إلا الشيطان فاللغة هي وسيلة الاتصال الأولى بين الناس. ولولا الاتصال ما كان هناك مجتمع أو جماعات.

أقول، عندما تنسحب هذه الظاهرة اللغوية انتقالاً من مجال «النحو» إلى مجالات الواقع الاجتماعي الذي نعيشه، يتم الإسقاط على أساس أن نظائر هذه الأدوات، أدوات النصب، في حياتنا العامة هم أفراد منا، شاءت لهم تكويناتهم النفسية وبيئاتهم «الحزبية» أن يباشروا العيش في أوساطنا بسلوكات لا يألفها الأسوياء ممن لا يختزنون في صدورهم أثرة ولا حقداً.

وهم بسلوكياتهم تلك، خاصة وقد مكنت قدراتهم «النصبية» الكثيرين منهم لتبوء مواقع المفاصل في الإدارات والمؤسسات، يتعمدون تطفيش الآخرين وإرباك جو العمل العام بروائح الفساد ودوافع التسيب وأعشاش الإهمال.

وأدوات «النصب» البشرية هذه ظاهرة معروفة لا يكاد يخلو منها مجتمع من المجتمعات في أي زمن من الأزمان. لكن الشاهد، هو أن درجة تأثيرها ومدى انتشارها يخضعان لعوامل مجتمعية متعددة. أي أن هذه الظاهرة تشبه في قدرتها التدميرية ظاهرة العدوى الفيروسية أو البكتيرية التي تصيب الجسم الحي. فكلما كان الأخير منيعاً متحصناً بالصحة لم تستطع هذه الطفيليات إحداث ما تسببه من أعراض وأمراض، وكلما كان الجسم معتلاً ضعيفاً سرعان ما تجد فيه هذه الآفات فرصتها السانحة.

لقد ساعدت ظروف سيادة مبدأ «الباب المخلوع» في تفشي ظاهرة النصابين وشيوع استخدام أدوات النصب وحتى حروف الجر على كل صعيد، وفي كل مجال من مجالات حياتنا اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً.

كما خدم انتهاج أسلوب «سعد» حيث: محد يكلم سعد خلوا «سعد» يفعل عامشتهاه (مع الاعتذار لأغنية المحضار)، في تكريس ذلك الاتجاه لسنوات عدة الأمر الذي أدى ولا زال يؤدي لأن صارت المسؤولية مغنماً لا مغرماً، وتشريفاً قبل أن تكون تكليفاً.

لقد نجح الكثير من ممتهني النصب ومثقني التمثيل وباعة الأدوار. كما صعد على الدرج ذاته مهرجو المقايل وسارقوا نضالات الآخرين وتضحياتهم. وكانت النتيجة في التحصيل الأخير أننا، كما قال أبو الطيب: قد حسبنا الشحمَ في من لحمه ورمُ!

وحيث ينجح النصابون يفشل المصلحون، فهل نرمي الأسباب على الأقدار ونعلل أنفسنا بأن قدرنا أن نعيش في عصر آخر الزمان الذي يعربد فيه «الرويبضه» ويقهقه «الجاهل» ويعبس «اللبيب».. أم أنه يتوجب علينا أن ندفع القدر بالقدر، ونواجه النصب بالرفع ونتغلب على الإستثناء بالقاعدة.

فمن المعروف أن حروف الجر مجتمعة وأدوات النصب قاطبة..لا تقوى مهما تضافرت جهودها على أن تصنع جملة مفيدة ولو مرة واحدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى