قصة قصيرة بعنوان (مادميتا)

> «الأيام» خالد قائد صالح:

> منذ أن وجدت حلاً لمشكلتي مع الغذاء، لم أعد أكترث بالتفكير في الكيفية التي سأوفر فيها غذائي لنفسي، فأنا وبقدرة قادر وبعد معاناة مريرة مع الفقر والعوز والفاقة، أصبحت (مادميتا) في غذائي أي مادي- ميتافيزيقي، يكفي أن أتخيل ما يحلو لي، مادي في الطبيعة أو ميتافيزيفي في ما وراء الطبيعة ليصبح وجبتي في وقت الإفطار أو الغداء أو العشاء كما إن لدي الإمكانية في أن أقتات بالأفكار والمبادئ والقيم، ولا تسألوني كيف امتلكت هذه القدرة فهذا سر أسراري الذي لو بحت به لكم لافتقدت هذه المقدرة ولعدت كما كنت.

إن هذا المفتاح السري الذي امتلكته جعل نزولي إلى الأسواق حالة من الترف لا تخلو من الطرافة والخبث أحياناً، فقد عزمت في أحد الأيام على أن أجعل من ترسانة الأسلحة النارية والبيضاء التي كانت تدجج جسد أحد المتسوقين، وجبتي في ذلك اليوم، فما كان مني إلا أن وجهت نظري إليها وبدأت بالتهامها واحدة واحدة، بدأت بالجنبية لأنها كانت محلاة بالذهب، والذهب كما تعلمون فاتح قوي للشهية، ثم التهمت المسدس، فالبندقية الآلية، وكان أن حليت بحزام الطلقات النارية، وحينما انتهيت شعرت بأن معدتي قد امتلات وأحسست بحاجة إلى أن أتجشأ، فتجشأت حامداً الله على نعمته وشاكراً لفضله ومبتسماً ابتسامة ساخرة من ذلك الرجل الذي كان يلتف حول نفسه في ذهول، محاولاً الإجابة عن سؤال أثق بأنه سيؤرقه ما حيا كيف سلبت منه أسلحته ومن سلبها، والأكيد أنه لن يجد الإجابة التي ستريحه إلا حين يقرأ اعترافي هذا إن كان من القارئين. وأعترف بأن النفس أمارة بالسوء ويصعب السيطرة عليها ولولا العهد الذي عاهدت به من منحني هذه القدرة، على أن لا أقتات إلا كل ما هو ليس ملكاً للآخرين باستثناء ما هو ضار بالناس، لجعلت من كل سيارة جديدة يملكها أحدهم وهي ليست من ماله وزائدة عن الحاجة غذاءً لي، وكل نوع فاخر من أنواع القات والمنازل الفاخرة والفنادق ووو، لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، المهم يا أعزائي لم ينته حديثي معكم وسأطمئنكم بأنني قد أصبحت (مادميتا) كما قلت لكم أي ليس نباتياً ولا حيوانياً.

وربما تسألونني ماهي أفضل الأغذية التي أقتاتها خلال هذه الفترة فسأجيب بأن الأفكار والقيم شكلت لي خير قوت وخصوصاً الإيجابي منها، فقد أكلت من الخير على قلته في زمننا هذا ورغم شراهتي فقد آثرت أن أدع القدر الأكبر منه لكم لئلا ينعدم الخير فيكم، المهم هو أنني كنت قد عزمت على أن أقتات الشر كونه متوافراً وبكميات كبيرة هذه الأيام، ولن تصدقوني إن اعترفت لكم بأنني قد عزمت على أن أذوق منه عينة قليلة وما إن بدأ عصيره المهضوم في معدتي يسري في شرايين دمي حتى زادت شراهتي ووسوست لي نفسي أن أتغذى بما شئت بمجرد أن أتمنى وحرضتني على أن أنسى عهدي.

وفي هذه الليلة الجميلة الرابع عشر من شعبان وجدت نفسي أتمنى أن يكون القمر الصافي الجميل وجبة عشائي، ولم أستطع أن أقاوم رغبتي ولا أن أحبس لعابي من الانسياب بغزارة.

صدقوني أنني أحدثكم وأنا مستلق على ظهري وقرص القمر المغربي يزداد بريقه ولمعانه أمام عيني ولكن بعد أن تصالحت مع نفسي وحفظت عهدي وتقيأت ما بداخلي من شر، مشفقاً على نفسي من أن أكون المجرم الوحيد الذي أكل القمر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى