مع الأيــام..هل تركناه في صحراء النسيان؟

> د. سمير عبدالرحمن الشميري:

>
د. سمير عبدالرحمن الشميري
د. سمير عبدالرحمن الشميري
أنا طالب بسيط في مدرسة الثقافة والتنوير، كلما قرأت كتابا أكتشف جهلي، وكلما غصت في نص معرفي ثقافي يزداد شغفي بالمطالعة والدرس، وأندفع بقوة للارتواء من ينابيع المعرفة دون تعصب لثقافة ما أو ازورار لأقلام وعقول المبدعين.

« أفكاري تنتقل من موضوع إلى موضوع، تقفز كالعصافير، من غصن إلى غصن دون كلل أو تعب.. غير أني لا أحسد الذين يكتبون بسرعة، هؤلاء الذين لا يأتيهم الوحي إلا باحتساء القهوة المرة، وتدخين السيجارة تلو السيجارة» حسب تعبير د. هشام شرابي.

ولا أجد حرجا في القول أني كنت أجهل غير قليل من كتابات ومؤلفات حامل شعلة النهضة الأستاذ محمد علي لقمان (1898- 1966م) وبعد أن فرغت من القراءة والبحث والمدارسة، اندهشت لغزارة تفكيره وخلفيته المعرفية، حيث وضع مداميك التنوير لملاحقة الركب الإنساني ولتحريك النفوس وتوجيه العقول في عزة ظهيرة حياته.

فالأستاذ محمد علي لقمان قمة سامقة في الثقافة والانفتاح، طازج الوعي والبصيرة، له باع طويل في الكتابة الصحفية، له فضل محمود في غرس بذور النهضة، حيث أحدث قفزة ظافرة في حياتنا الثقافية والتنويرية مع ثلة من العقلاء والمتنورين.

عاش حياة قلقة جميلة الجرس وعالية اللذة فيها سلسلة من الاقتحامات، وفي صفحات منها مؤلمة وبغيضة محفوفة بالشقاء والخطوب.

اعترف بدور العقل والعلم وحرية الفكر، وآمن بالتقدم والديمقراطية والإنصاف، ونشر إشعاعات النور وثقافة الأنوار للتغلب على الخرافات والجهل والقيم السلفية الجامدة.. فلقمان بلغ مرتبة عالية من الثقافة إلى جانب علو كعبه في الصحافة والتنوير وحذق اللغة الأجنبية (الإنجليزية والهندية).

وفي طور باكر من حياته قرأ كتاب «معجم البلدان» لياقوت الحموي وتاريخ ابن الأثير وتاريخ ابن خلكان، ومئات القصص، عنترة البعسي وسيف بن ذي يزن، والأميرة ذات الهمة، وما لا يقل عن 300 رواية من روايات «اللص الشريف» فضلا عن قراءته النابهة للشريعة الإسلامية والقرآن والفقة واللغة، وكان خطيبا مفوها في المساجد التي تربى على أيدي فقائها في مسجد الشيخ عبدالله، علي بهائي ومسجد حسين الأهدل (كريتر - عدن)، عشق الأدب، ففي العاشرة من عمره حفظ المعلقات السبع، وفي مدرسة الأخوان المسيحية 1913م (التواهي) كان على همزة وصل قوية بأساتذته (القس فاليريان، والقس جريجوري).

قرأ بنهم منقطع النظير لابن عربي والغزالي وابن رشد ولأئمة الصوفية واطلع على المدارس الفلسفية الحديثة حيث كان أحد شيوخه السيد عبدالرحمن عبدالله (مفتي حضرموت)، يخاف أن تفسده الفلسفة، حيث يقول «ولكني احتفظت بعقيدتي».

لقد كان بطل التنوير يصرخ منذ أكثر من خمسين سنة أن (الأمة العربية تقف في مفترق الطريق، إما أن ترفع علم الحضارة، وإما تظل تتهدم وتنقرض وتتهافت عليها الأمم لغرض استعبادها واستغلالها..)، (إن أمة لا دستور لها لا إصلاح فيها)، (ولن يهدأ لنا بال حتى نرى في جنوب الجزيرة، وفي اليمن خصوصا هيئات ثلاث: تشريعية، وتنفيذية، وقضائية. ولن نأمن على أولادنا وأحفادنا حتى نرى هذه الهيئات ينتخبها الشعب، فهي من الشعب وإلى الشعب)، وهو القائل أيضا (إن الحرية وحدها هي الكفيلة بانتصار الحق).

فكل مبدع أحرق قلبه وعقله وأصابعه لإنارة العتمة وطرد دياجير الظلام، يتمنى أن يرى ثمرة النجاح على الأرض، ويخاف أن تطمر الرمال صورته وألا يصل صوته إلى قاع المجتمع، هذا الشعور سيطر على وجدان الأديب الفرنسي بيير بول (1912- 1994م)، الذي كان يردد قبل آخر شهقة في حياته «أتمنى أن لا تنسوني».

فهل تركنا رائد التنوير محمد علي لقمان في صحراء النسيان؟؟.. وهل لا زال اسمه يطن في آذاننا، ولا زال تراثه الفكري يحفز العقول على التبصر والإبداع ويأخذنا إلى مناطق لباقة التحليل وسعة الاطلاع؟!!

فالزعيم الهندي المهاتما غاندي (1869- 1948م) صاحب سياسة اللا عنف، كان يسأل «أين صديقي لقمان؟».

وختاما، الشكر موصول للدكتور أحمد علي الهمداني الذي قام بخطوة نجيبة في جمع وتوثيق قسط معتبر من التراث الفكري والأدبي للأستاذ محمد علي لقمان، ورمى حجراً أنيقاً لتحريك دوائر المياه الراكدة وسط زحام الأفكار والأقلام في حلبة ثقافية تمور بألوان من الإبداع والصخب والتقليد والمفاجآت والأحاسيس الحارة والباردة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى