الاديب والشاعر الاستاذمحمد عوض عشار مقدمة مخطوطة المختارات

> «الأيام» مبارك سالمين:

> يكاد اسم الأستاذ والشاعر محمد عوض عشار، أن يطويه النسيان لولا محبة طلابه له وزملائه وأصدقاء صباه وذلك لندرة ما كتب عنه وعن سيرته وإنتاجه الأدبي، وأظن وليس بعض (الظن إثم)، أننا لو أسرفنا في تناسي وإهمال أعلامنا وقدوتنا الرائعة الفاضلة سنصبح ذات يوم أمة بلا تاريخ وسيستقر بنا الحال في دوامة من الفوضى والعبث، دوامة ستنتزع جذورنا وتذرونا الرياح.

لقد قدم لي الأستاذ والكاتب خميس كرامة حمدان، وهو (صديق عمر) الأستاذ محمد عشار، عبر أخي العزيز خالد محمد عشار ابن فقيدنا الغالي هذه المختارات، مادة هذا الكتاب مع مقدمة حول سيرته وذكرياته معه في أزمنة خلت. وأنا أشكره على هذا الجهد الطيب الذي أثلج صدري ودفع بي إلى مراجعة المادة وتنضيدها وإعدادها بصورتها النهائية، علّني أرد ديناً أقرضني إياه الوالد والصديق والمربي محمد عوض عشار، الذي علمني معنى الريادة في الحياة والتواضع والزهد، واحترام الآخرين وكل شيء جميل يمكن أن يتعلمه ابن من أبيه.

إن الحديث عن أستاذنا العشار ليس حديثا عن الأدب والريادة فيه وحسب، ولكنه حديث عن معركة التعليم في حضرموت وعدن أيضا وبالذات منذ نهاية النصف الأول من القرن العشرين، فعشار علماً من أعلامه الذي يشار إليها بالبنان منذ أن كان طالباً في مدرسة (مكارم الأخلاق) بالشحر وحتى عين محاضراً في قسم اللغة العربية بكلية التربية جامعة عدن، وشعره مرتبط بهذه المعركة (معركة التعليم)، معركة الثقافة عموماً في اليمن، وهو الأمر الذي دفعني إلى كتابة هذه المقدمة ليحظى الكتاب بمكانته اللائقة ضمن إصدارات وزارة الثقافة بصنعاء، عاصمة للثقافة العربية 2004م، العام الذي حرصت قيادة الوزارة ممثلة بمعالي الوزير الأستاذ خالد الرويشان، أن يكون فيه للكتابة شأن مميز.

يعود تاريخ أولى قصائد هذه المجموعة إلى بداية أربعينيات القرن الماضي، وهي فترة ريادة أدبية وثقافية على المستوى التاريخي لحضرموت والمنطقة عموما، ومدرسة (مكارم الأخلاق) التي كان أستاذنا طالبا فيها هي نواة المدرسة الحكومية الحديثة التي سميت بعد ضمها إلى التعليم الحكومي في السلطنة القعيطية في بداية الأربعينيات (بالمدرسة الشرقية الابتدائية للبنين) (سليمان كرامة) (1994/ ص 73)، والمدرسة الشرقية التي تحولت إلى قلعة إشعاع تربوي وثقافي ومنارة علم مواصلة لدور مكارم الأخلاق تطلبت للقيام بدورها رواداً بواسل، وأنجبتهم وكان أستاذنا في صدارة هذا الجيل، جيل الرواد الذين نهضوا بمهمة التعليم والتربية والتثقيف فيها، وفي قصيدته إلى (بني وطني) يقول:

قوموا إلى العلم الشريف فإنه

أسّ الرقي وموضع الإمداد

وخذوا بحظ وافر من بحره

متثبتين بمهمة وجهاد

فالعلم أول ما نريد ونرتجي

للشعب مثل توافق الأفراد

إن أجواء هذه القصيدة/ الدعوة، تجعل القارئ يحس بأن عقد الأربعينيات عقد تثبيت التعليم والجهاد من أجله - إذا جاز التعبير- وأظنه كذلك، التعليم والعلم والشريف في مواجهة تجليات وبعض مظاهر التدهور الأخلاقي التي تبحث عن الطفرة الاقتصادية والتجارية لمستعمرة عدن والمحيات في تلك الحقبة، حيث كانت المهنة الأكثر رواجا بالنسبة لليمنيين في عدن - على سبيل المثال - هي الخدمة في البيوت، حيث وصل عدد الخدم في البيوت إلى (3914) عام 1946م مقابل (816) معلما و(26) معلمة (سليمان كرامة 1994م/ ص 115). وهو الأمر الذي يؤكد سيطرة الجهل والتخلف وتدهور العلوم وتخلف المهن في الحياة بامتياز.

لقد نذر الشاعر العشار نفسه للحث على طلب العلم والتمسك بالفضيلة واستطاع أن يرصد بحذاقة الشاعر والمربي حاجات شعبة في ذلك الزمن الذي تسيد فيه التخلف والجهل والاتكال على الغير والانبهار بالسوق قيماً وأخلاقاً والاعتماد على تحويلات المغتربين بدلاً عن الجد والعمل، ولهذا نجد شاعرنا يقول في نفس القصيدة السابقة:

وأني لأرجو أن تكونوا يا بني

قومي من الشهم الكريم الجادي

وتناضلوا عن مجدكم لجهودكم

مثل الذين مضوا من الاجداد

ومن القصائد الطريفة ذات المدلول التاريخي قصيدة أستاذنا المسماة (يوم الإضافة) التي كتبها في الأول من أبريل 1941م، وهو اليوم الذي اعتادت فيه الدولة رفع رواتب الموظفين أي ما يسمى (بالعلاوة السنوية) التي كانت تضاف بانتظام وفي موعدها.. غير أن أستاذنا كما يبدو في القصيدة قد سقط اسمه سهوا من كشف الزيادة، أو أنه لم يعط أمله ولهذا أنشد قائلاً:

لا عمت إصباحاً أيا

يوم الإضافة ياعسير

فلأنت اشأم ما أرى

في ذلك الزمن اليسير

إلى أن يصل في طلبه ضم اسمه إلى قائمة الممنوحين للعلاوة أو تصحيح وضعه:

فافتح لها باب القبول

وكن لها نعم الظهير

وأتح لناظمها المرام

وكن له نعم النصير

ولكي لا أفسد على قارئ هذه المختارات متعة الطواف في جنباتها فإني أكتفي بهذه المقدمة المتواضعة متمنياً للقارئ رحلة ممتعة في متونها، فهي نتاج كدح وعلم وزهد في الحياة لإعلاء كلمة الحق والخير والجمال، إنها وإلى حد كبير ترجمة دقيقة لمشاعر وحياة أستاذنا الفاضل المربي محمد عوض عشار.

فلقد كان رحمه الله حتى في مدحه ونقده إنما يستهدف العلم والعمل والدأب في الحياة قاصداً بذلك المساهمة في إسعاد شعبه واستعجال نهضته، حريصاً على مكانة العلم والعلماء في حياة الأمة ومستقبلها، وظل كذلك إلى أن وافته المنية صامداً على مواقفه.. تغمد الله فقيدنا بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى