السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية تتنافس في إهدار الدستور والقوانين

> علي هيثم الغريب:

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
السقوط المدوي لكثير من الأحكام القضائية الباتة يكشف عن عدم احترام الحكومة وسلطات الدولة للدستور والقوانين والتعهدات الدولية الموقعة عليها.. كما يكشف عملية الفساد والفوضى في صناعة التشريع وحماية القانون في بلادنا.. ومحاولات المتنفذين الدائمة للعدوان على حقوق الناس وأملاكهم والنيل من حرياتهم خاصة في محافظات الجنوب.

ولولا بعض الأحكام الشجاعة لبعض القضاة التي صدرت في أحلك ظروف الوضع الأمني والسياسي ودور أولئك القضاة في تأكيد استقلالية القضاء (في عدن وحدها هناك مئات الأحكام لم تجد طريقها إلى التنفيذ) لانتهى تماماً صرح القضاء العظيم ولتدنست سمعته وشموخه. كما تنكشف يومياً عيوب تمرير القوانين وسلقها داخل مجلس النواب وإقرارها من قبل الأغلبية المريحة في جلسات باطلة من حيث الشكل والمضمون رغم التحذيرات والمقترحات التي تصدر داخل وخارج دوائر تلك السلطات.

وتكشف بعض القرارات والأوامر الصادرة من قبل الأجهزة التنفيذية وبعض الأحكام القضائية وما يدور داخل أروقة البرلمان أن تلك الجهات لا تحترم الدستور ولا القوانين أو الأحكام القضائية، ويهدرون الدستور تماماً، وامتدت العدوى إلى حياة الناس وانتقلت إلى الشارع والعلاقات اليومية، ما أدى إلى سقوط القيم والأخلاق والمعاملات الصادقة من قبل المواطن وتلك السلطات سالفة الذكر، فمن يستطيع أن ينفذ حكما صادرا ضد زعيم من زعماء البسط على الأراضي؟ ومن يستطيع إخراج أحد فراعنة الفيد من مسكن أسرة عزّل؟ ومن يستطيع أن يحكم ببطلان قرارات بعض المكاتب الحكومية والوزارات بعدم دستوريتها؟ ومن يستطيع أن يبعث الرضا والاطمئنان والإيمان بالعدل في نفوس الناس؟ فكيف تكشف جلسات البرلمان عيوب صناعة القوانين والتشريع؟ وعملية سلقها وتمريرها بسرعة البرق داخل مجلس النواب في محاولة للتنكيل بالشعب الذي هو مصدر السلطات.. فعندما سن قانون «تنظيم المسيرات والمظاهرات» توقفت الضغوطات الشعبية السلمية على الحكومة وعندما أصدرت مئات القرارات في المحافظات والخاصة بزيادة الرسوم وطرق تحصيل الضرائب، وعندما لم تكن هناك أي مساواة في المواطنة في تقلد الوظائف العامة والوظائف الحكومية والرسمية، وعندما لم يسمح لأبناء المحافظات الجنوبية بالمساواة مع غيرهم بالوصول إلى الوظيفة العامة في محافظاتهم، والتي تتلاءم مع مؤهلاتهم وكفاءاتهم وقدراتهم المهنية.. هذا هو قمة قصور سلطات الدولة عن الإيفاء بواجباتها التي تقع على عاتقها بموجب الدستور والتشريعات.

ومع الأسف أصبح القانون في محافظات الجنوب قانونين: واحد لسلطات الدولة تكيفه كما تريد وآخر للمواطن لتقييده وقمعه. ومن العيب أن نبدأ قرناً جديداً بهذه العقوبات المغلظة التي نقضتها جميع البلدان حتى المتخلفة منها، فالنظام الدستوري وقانون السلطة المحلية ضمنا حق الإدارة المحلية في المحافظات، وبناءً على ذلك فإن مخططات بيع أراضي محافظات الجنوب من حوف إلى رأس العارة يعتبر باطلاً.. فيجب أن تتوافق إجراءات تخطيط الأراضي مع الدستور والقواعد الأساسية للنظام الجمهوري الوحدوي والعدالة الاجتماعية والمواثيق الدولية التي وقعت عليها بلادنا.. ويجب أن يقرر أبناء هذه المحافظات إجراءات التصرف بأراضيهم، وكذلك يكون للروابط المحلية (المجالس المحلية) الحق في الإدارة ضمن نطاق مهامها القانونية ووفقاً لأحكام القوانين السائدة.. ولكن! كأني أرى موظفي السلطات وساسة تحكيمهم قد اتفقوا فيما بينهم وبين آخرين على تقسيم أراضي محافظات الجنوب وفق مخططات معتمدة مركزياً، وإلى إقطاعيات وعزب.. ثم بيع كل ما هو غال وتأجير ما يتبقى.. فمن العماد شرقاً إلى جعولة ورأس العارة وما بينهما من نبتة أرض وبشر وتعاونيات زراعية هو معروض للتخطيط والبيع تحت مسميات عدة (استثمار، مشاريع سكنية، صالات أفراح) فهذا استثمار وتلك خصخصة وهذه شراكة.. ومن لا يرتدي ثوب الخفة ويعوم مع تيار المخططات فسيكون بلا وطن.. فسبحان الله هل هانت الأرض لهذا الحد على أهلها؟.. إذن.. ما العجب أن يكون باعوم ومسدوس رمزين لوطنية هذه المرحلة.. ومن وقفوا بصدق وكرامة يدافعون عن الأرض في مواجهة المتنفذين والفساد.. وهذه الإجراءات من الجهة القانونية فقط هي باطلة، فالمادة (19) من الدستور تنص على «للأموال والممتلكات العامة حرمة وعلى الدولة وجميع أفراد المجتمع صيانتها وحمايتها وكل عبث بها أو عدوان عليها يعتبر تخريباً وعدواناً على المجتمع ويعاقب كل من ينتهك حرمتها وفقاً للقانون» وبناءً على ما بين يدي من أدلة ومن شهود أشراف لا يرتضون الصمت على المفاسد، سأطرح على القراء ومجلس النواب بعضاً من أدلة أن سلطات الدولة قد صارت مرتعاً للفساد بكل صوره، وقد صارت أراضي محافظات الجنوب أحواشاً راقية سلمت للكبار بأبخس الأثمان.. فمثلاً عشرات المزارع (141 مزرعة تقريباً) خرج أمر مباشر بسحبها من ملاكها القدامى، وعندما علم المتنفذون بذلك استولوا عليها بالقوة.. فماذا حدث؟ حدث أن لجأ أصحاب الحق إلى القضاء، فرفض القضاء (وفق تعليمات إدارية وليست قانونية) مثل هذه الدعاوى.

ورغم هذا استمر الملاك الأصليون في شكاواهم لإنصافهم ولكن لم يقابلوا إلا بالرفض.. فإذا حدث مثل هذا الجور في بلد آخر مهما كان شكل نظامه (برلمانيا، رئاسيا).. لا نتوقع من المواطنين غير اللجوء للقضاء لتأمين أملاكهم؟! والكارثة الأخرى في قضايا سلب ونهب أخرى أن أحكام القضاء في محافظات الجنوب لا تنفذ إذا كان المتهم من العيار المتعارف عليه؟ يا سادة يا كرام.. إن كان هذا دور القضاء، فإلى أين يمكن أن يلجأ المظلوم لردع الظالم؟

ورغم أننا نتحدث عن مخططات بيع أراضي محافظات الجنوب والفساد الذي استشرى في مفاصل سلطات الدولة وأجهزتها، إلا أن اليمن لا تخلو من الشرفاء أبداً.. حيث نجد مذكرات قدمت إلى جهات أخرى من قبل بعض الإدارات وإلى القضاء وإلى الجهاز المركزي للمحاسبة، وشكلت لجان لمعالجة هذه الظاهرة.. إلا أن المتنفذين كانوا أقوى من الجميع.. فأحكام القضاء جمدت ومذكرات الجهاز المركزي للمحاسبة جمدت كذلك، وأي توجيه فيه إنصاف لمواطن أو صاحب حق يتجمد. إذن لمصلحة من يتم كل ذلك؟ فاليمن صاحبة الحضارة وبلقيس التي علمت الدنيا فن الشورى والبناء.. الآن تتخلف عن الركب.. تتخلف عن الدنيا!! ففي الوقت الذي ألغت فيه دول العالم، لا أقول المتقدم بل حتى المتخلف، سلب ونهب أراضي وحقوق الغير داخل بلدانها، نرى من يزمّر ويطبّل ويقيم الدنيا صياحاً و«جعيراً» وكأن الوحدة اليمنية قطاع خاص لسيادته، وإذاً لما تنهب أراضي محافظات الجنوب ويتوقف القضاء عن البت بقضايا الناس وتتوقف الأحكام ويمنع تنفيذها، إذاً لما يحصل ذلك ستكون الوحدة في خطر وتضيع التضحيات التي قدمت من أجلها.

ترى ماذا يريد هؤلاء للوحدة في بلادنا؟ هل يريدون الإنسان أم الأرض؟!

وليس غريباً على دعاة الحقد الأسود على الوحدة اليمنية العظيمة أن يقولوا ويعملوا مثل ذلك، ويطالبوا بغير ما يطالب به جموع أهل الوحدة الحقيقية والديمقراطية ورجال الحرية والبناء.. وليس أشد على صاحب الحق من قيد حقوقه، وليس أشد على المظلوم من الصراخ وسط من صمّوا الآذان وأغلقوا العيون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى