برغم التجاهل والتجهيل.. سيبقى هؤلاء رموزاً وعمالقة

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
يحكي تاريخنا السياسي الحديث الذي نحرص على قراءته من منابعه الصافية، التي لم يعكرها كدر السياسة ومزايداتها الرخيصة، والتي لم تخضع رواياتها لشروط وتصنيفات الحكام في هذه الحقبة الزمنية أو تلك، أن رجالاً وطنيين (كباراً وعمالقة) كان لهم القدر (الكبير.. الكبير) من المساهمات في العمل الوطني... إلا أنهم ولسوء الحظ، وحظ كل معاني احترام وإنصاف التاريخ وطرحه للمتلقي كما هو، لم يجدوا حتى الحد الأدنى من الذكر في ملفات التاريخ الرسمي فيما (فعلوا وساهموا) وذلك بفعل (الإرادة الإقصائية) التي مورست ضد تاريخهم الحقيقي، من قبل جميع من حكم هذه البلاد في مرحلة ما قبل الوحدة اليمنية وما تلاها.

إنه لمن المحزن جداً أن يحدث شبه إجماع من قبل مختلف بوابات الحكم في الجنوب والشمال وفي دولة الوحدة أيضاً، على (تجاهل وتجهيل) تاريخ هؤلاء العمالقة، ومن المؤلم أن يجري الحديث عن بطولات آخرين وتمجيد تاريخهم في مختلف كراريس مناهج التدريس وفي مختلف الكتب والبحوث التاريخية والندوات التوثيقية، ولا يشار حتى ولو بالتلميح السريع لمساهمات ولأدوار رجال كانوا ولازالوا في نظر الإنصاف والمنصفين (قمماً) وطنية شامخة... من أمثال طيبي الذكر المرحومين (محمد علي الجفري وشيخان الحبشي).. على سبيل المثال لا الحصر.

ولعل الباعث الأكبر على السخرية والاستغراب.. أن مثل هؤلاء الرجال (الذين تم تجاهلهم)، كانوا زملاء دراسة ونضال لعمالقة آخرين (منحوا حقهم كاملاً) كالزبيري والنعمان.. بل إنهم جميعاً وفي مرحلة ما، كتبوا بروح وحماسة الشباب في قاهرة المعز، أول وثيقة سياسية يمنية، تحمل الهم الوطني وتتحدث عن طموحات أبناء الوطن في التغيير نحو الأفضل.. فهل ذكر أو دوّن تاريخنا السياسي (الرسمي) في مناهج التعليم للصغار قبل الكبار هذه الحقيقة؟ وهل ذكر شيئاً عن دستور (الكتيبة اليمنية الأولى)؟!.. أجزم أن كثيراً من (باحثي السلطان) لم يسبق لهم أن تعرفوا على مضامين وظروف صدور هذه الوثيقة التاريخية العريقة، التي ولحسن الحظ ما يزال البعض يحتفظ بها حتى يومنا هذا، دليلاً مادياً لا بد من أنه سيطرح ذات يوم قريب على طاولات التوثيق.. شاء من شاء وأبى من أبى.

من حق الزبيري والنعمان وغيرهما من رجالات الوطن الكبار أن ننصفهم ونكرّمهم ونجعل في حاضرنا ما يذكرنا ويذكر الأجيال القادمة بهم، من قبيل الاحتفال بذكراهم السنوية، أو ترصيع جرائدنا الرسمية أو الأهلية بذكرياتهم الطيبة وسيرهم العطرة ومواقفهم الوطنية النبيلة، ولكنه وبالقدر ذاته من التقدير والاحترام، ينبغي عدم تجاهل عمالقة آخرين كالجفري والحبشي والمكاوي والحمزة، وغيرهم من الرجال الوطنيين الكبار.. لمجرد أن فكرهم السياسي أو مواقفهم الوطنية لم ترقنا اليوم أو لم تناسبنا بالأمس!!

من العيب علينا في هذا الوطن، أن تخلو - على سبيل المثال - لحج الخضيرة، من أي إشارة دالة على أن رجلاً كالجفري، كان قد حفر ذات يوم في تاريخها المحلي أعرق تجربة متحضرة ترتبط بكل معاني الإدارة المحلية ومقومات الحكم الذاتي والفصل بين السلطات الثلاث، وفي السياق ذاته نجده معيباً أيضاً أن تخلو عدن كلها - وما أكثر شوارعها وحاراتها - من شارع واحد يحمل اسم الفقيد شيخان الحبشي أو الفقيد عبدالقوي مكاوي!!

اليوم فقط.. نسمع من أولئك الذين تجاهلوا الجفري والحبشي، وفكرهما وواقعيتهما في التعاطي مع الواقع السياسي حينها، آهات الأسى والأسف والندم على ما فات وكان، مدركين ولو بشكل متأخر أن النضج السياسي ونفاذ البصيرة وقراءة الواقع بعقلانية وحكمة وبعد نظر، كانت من أبرز سمات وفكر هذين الرجلين.. وإننا على يقين تام أيضاً، أنه وفي يوم قريب سنجد بيننا من الحكام من يتأسف على عدم إعطاء أمثال هؤلاء الرجال حقهم في التخليد والتمجيد والمكانة اللائقة في تاريخنا.. وحتماً سيفعل ما يليق بهما حتى ولو تأخر الزمن وغاب الحق عن أصحابه عقوداً طويلة من الزمن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى